السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وسط فوهة بركان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من ينكر أن مصر تعيش وسط فوهة بركان فهو منفصل عن الواقع، وليس لديه قدرة على قراءة ومتابعة الأحداث، ولا يعى أن النيران تحاصرنا من كل الاتجاهات الغربية، حيث منتخب العالم للإرهاب في ليبيا، والحدود الشرقية، حيث إسرائيل العدو التاريخى، وصاحبة المشروع الدينى، إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، وحرب المطامع في سيناء، وفى الجنوب أيادٍ تعبث من أعالى النيل وحتى السودان، ثم دخول تركيا على خط المواجهة، ومحاولة السطو على ثروات مصر النفطية في منطقة شرق المتوسط، ثم قرارها غزو ليبيا وعدم الاعتراف باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان.
ناهيك عن مخططات قطر الرامية لتأجيج الأوضاع الداخلية المصرية، ودعم كل الجماعات والتنظيمات المسلحة لإثارة الفتنة في مصر، ودفع البلاد إلى حالة فوضى شاملة، تمهيدا لإسقاطها وإزالتها من فوق الخريطة الجغرافية، بالإضافة إلى الورم السرطانى الذى يسكن أحشاء الوطن، ويسبب لها آلاما موجعة، تتمثل في جماعة الإخوان الإرهابية!!
هذه المخاطر التى تهدد الأمن القومى المصرى، أدركها النظام الحالى، ومؤسسات الدولة وفى القلب منها القوات المسلحة، مبكرا، ولذلك أعدوا العدة، بتسليح الجيش وتنوعه، وتطوير الأداء، على كافة المحاور الإستراتيجية، شمال شرق وشمال غرب والجنوب، أرضا وجوا وبحرا، وإنشاء قاعدتين محورتين، «محمد نجيب» في الشمال الغربى، و«برنيس» في الجنوب، وانتشار الجيش في سيناء «شمال شرق».
وأى متابع لديه حد أدنى من المنطق، يلقى نظرة على ما يجرى في الشرق الأوسط والإقليم من حولنا، يدرك بالعين المجردة كيف تتغير خرائط الصراع، وتتحول الصراعات من حولنا إلى كرات لهب، تنتقل من مكان لآخر بسهولة. مصر لا يمكن النظر لها بعيدا عما يجرى في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وبالرغم من وضوح هذه التفاصيل منذ سنوات وحجم النمو في الأحداث والتشابكات المشتعلة، فقد كانت هناك أسئلة مطروحة بعضها مشروع بهدف المعرفة، وبعضها ساذج من زاوية الادعاء، والبعض منها خبيث وضمن عمليات تشكيك منهجية، هدفها انتزاع الثقة وإشاعة الارتباك بين المصريين.
أبدى بعض خبراء "فيسبوك" الاستراتيجيين انزعاجهم من حجم التطوير المصرى العسكرى، وكان بعضهم ولا يزال يطرح أسئلة ساذجة عن أسباب كل هذا، ويضاعف من حيرة هؤلاء تأكيد مصر دائما أنها لا تتدخل في شئون الدول الأخرى، وأن قوتها لحماية حدودها واستقرارها، في ظل إرهاب مدعوم إقليميا ودوليا، وصراعات تدور على الحدود شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وما يجرى في ليبيا أو السودان، اليمن وسوريا وفلسطين المحتلة، وحتى في أوروبا هناك عالم يعاد تشكيله بالقوة أحيانًا وبالخطط والتحركات طوال الوقت. ومصر في كل هذا طرف فاعل بحكم الجغرافيا والتاريخ والموقع، والأمن القومى المصرى في كل الاتجاهات، وعلى مصر أن تكون متيقظة لما يجرى في كل هذه الدول. 
وربما تكون الإجابة من التطورات الإقليمية والدولية وحجم وشكل الصراعات والمواقف المتناقضة والغامضة لأطراف دولية قريبة أو بعيدة من مصر السياسة، ويمكن من نفس الزاوية تفهم أهداف المناورات المتكررة للقوات المسلحة المصرية، قادر 2020، أو تعدد القواعد الجوية والبحرية وآخرها افتتاح قاعدة برنيس العسكرية على ساحل البحر الأحمر بالقرب من الحدود الدولية الجنوبية على 150 ألف فدان، وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكريا وعددا من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة، وتضم رصيفًا تجاريًا ومحطة استقبال ركاب وأرصفة متعددة الأغراض وأرصفة لتخزين البضائع العامة وأرصفة وساحات تخزين الحاويات، بالإضافة إلى مطار برنيس الدولى ومحطة لتحلية مياه البحر، من توقيت الافتتاح ونوعية الحضور من يمكن التقاط رسائلها. وتنضم قاعدة برنيس إلى القواعد الكبرى مثل محمد نجيب وغيرها في إشارات واضحة لتحركات القوات المسلحة في محاور متعددة، تجيب بشكل واضح عن أسئلة وادعاءات مطروحة.
هناك تحول واسع في شكل ومضمون السلطة بالعالم، في ظل ثورة معلوماتية وتكنولوجية، تتيح حروبا دعائية تتوازى مع حروب السلاح، تديرها أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية، ومواقع التواصل، ومنها حجم الأخبار والتحاليل المعسولة والتقارير الملونة التى تهدف لصناعة حالة من الارتباك والتلبك المعلوماتى، ومنها ما يدور حول التحولات الحالية في الإقليم، ويفترض التعامل معها بقيمتها من دون تهوين أو تهويل، وهناك آراء تنتشر بعض الأحيان تحاول تجاهل وجود مساع وتحركات خطرة تتحول إلى تهديد حال تجاهلها.
ربما تراجعت هذه الأسئلة مؤخرا، بعد تكشف تفاصيل ما يجرى من مناورات سياسية تمتد شرقا وغربا، وهى مناورات تحكمها المصالح الفردية لكل دولة، ويصعب على الدول التى لا تلتفت لذلك، أن تكون قادرة على لعب دور فاعل، وخلال الأيام الماضية وفى ظل تحركات روسية وألمانية في قضية ليبيا، وما سبقها من محاولات تركية للتهديد بالغزو، كانت مصر حاضرة بفاعلية وبقوة توازى قدرتها على الفعل وليس فقط إطلاق التصريحات، لقد كانت قدرة مصر على الردع، إحدى الأوراق الواضحة في لعبة التهديد. 
بعض هذه القضايا تبدو غير واضحة لقطاعات من خبراء فيسبوك الاستراتيجيين، الذين طرحوا، وما زالوا، أسئلة ساذجة تكشف عن جهل مركب، فضلا عن عدم دراية بما يجرى على الأرض، بعيدا عن الكاميرات والميكروفونات، في عالم السياسة منذ الحرب الباردة، كانت هناك نظريات «الردع المتبادل»، وهى تأكد كل معسكر أن الطرف الثانى قادر على إيذائه وتهديده بنفس القدر، وهذا هو ما صنع التوازن الاستراتيجى ومنع قيام حروب كان يمكنها أن تبيد العالم. 
وهنا تأتى أهمية المناورات التى تجريها مصر، أهمها على الإطلاق مناورة «قادر» المستمدة من أن الشعب المصرى قادر على تكرار انتصاراته، ومن يفعلها مرة، «قادر» أن يكررها، والعفى «قادر» على حماية لقمته، هذه المصطلحات تحولت إلى فعل على الأرض فكانت المناورة «قادر» والتى غردت فيها القوات المسلحة بأجمل ألحان القوة، برا وجوا وبحرا، وإظهار القدرة والقوة وأن لديها أذرع طويلة. 
لذلك؛ فإن الدولة المصرية، ومن خلال مناورة «قادر 2020»، قررت أن تغرد بألحان القوة، وتبعث برسائل جوهرية، داخليا وخارجيا، أن من يفكر أو يحاول الاقتراب من مقدرات مصر بصورها المختلفة، سيلقى مصيرا محتوما، وأن مصر الجديدة، اليوم، ليست كالبارحة، وغدا ليس كاليوم، وفى تحسن واضح، وشوكة الوطن تقوى ساعة بعد ساعة، وقادرة على المجابهة.
ويجب على أردوغان، أن يفكر جليا قبل الإقدام على أية خطوة غير محسوبة في منطقة شرق المتوسط، ويتذكر دروس الجيش المصرى لأجداده، وسحق جيشهم أكثر من مرة في معارك ضروس، والبداية كانت عندما زحف جيش مصر على الشام عام 1831، وبالفعل حاصر عكا، المحصنة بأسوارها العالية، ونجح في احتلالها، وسيطر على فلسطين، ثم دمشق، ثم التقى الجيش العثمانى من جديد عند «حمص» ولقنه «علقة ساخنة»، واستولى على حمص وباقى المدن السورية.
ثم زحف نحو الأناضول لمطاردة العثمانيين، وعندما علم السلطان العثمانى، جهز جيشا كبيرا لملاقاته، وتلاقى الجيشان في معركة قوية بالقرب من «قونية» التى تقع في قلب الأناضول، وسحق الجيش المصرى نظيره العثمانى، وأسر قائده رشيد باشا، وأصبح الطريق إلى إسطنبول ممهدا ومفتوحا، وارتعد السلطان واستنجد بالدول الأوروبية لنجدته من المصريين، فتدخلت فرنسا وبريطانيا وروسيا وأقنعوا الجانبين بعقد صلح كوتاهية عام 1833، وبموجبه اعترفت الدولة العثمانية بولاية محمد على باشا على مصر والسودان وكامل الشام «سوريا ولبنان وفلسطين والأردن» وكريت والحجاز.
تلك كانت رسائل مصر الواضحة فيما يتعلق بالردع، فمصر ليست مع التدخل في الدول الأخرى، بل هى مع حماية الدولة الوطنية، ولهذا لم يثبت على مدى تاريخ مصر الحديث أن مولت أو ساعدت ميليشيات مثلما فعلت دول مثل تركيا أو إيران، وهى رهانات تنتهى بمآس، وفى نفس الوقت تتعامل مصر بندية مع كافة الأطراف، وفى علاقتنا بروسيا أو الولايات المتحدة نحن نتسلح بما يناسبنا، من دون البقاء في فلك واحد، وهو أمر صعب لكنه يتيح حرية القرار والحركة، ويمنحنا القدرة على حماية مصالحنا، وهى أمور تتم يوميا وعلى مدى الساعة.