في المقال السابق توقفنا عند خروج اليهود من مصر بسبب دعوة نبى الله موسى التى قابلها فرعون بالرفض التام والاستنكار والحرب عليها، ففرعون كان يرى في هذه الدعوة الجديدة ثورة على حكمه الذى يضمن له عرشه ووحدة بلاده، ويبدو أن الإنسانية عبر تاريخها كانت دائمًا وأبدا رافضة للتجديد الفكرى، فإذا ظهرت ديانة أو فلسفة جديدة أو فكر جديد قوبل من المجتمع بالرفض، فإذا انتصر هذا الفكر الجديد بعد سلسلة من الحروب الطويلة وأثبت وجوده استمر وإن هزمته الأفكار التقليدية البالية راح في طى النسيان، وكثيرة هى الفلسفات والأفكار والدعوات التى هزمتها العقلية التقليدية،وكثيرة هى أيضًا المعارك التى خاضتها الأفكار الجديدة،ولذا فكان من الطبيعى أن يتم اضطهاد أفكار موسى – عليه السلام - ودينه الجديد، وكان من الطبيعى أيضًا أن يهاجر هو وقومه وأن يتركوا مصر، والمتأمل لسير الأنبياء والرسل سيكتشف أن الغالبية العظمى منهم قد هاجروا بدعواتهم وأفكارهم هربًا من اضطهاد ورفض شعوبهم لهم، وأكثر المراجع التاريخية تؤكد أن عدد الذين خرجوا مع نبى الله موسى كانوا نحو ستمائة ألف نسمة،وذلك بعد إقامة دامت منذ قدوم أخوة يوسف عليه السلام إلى مصر، وقد حاول فرعون أن يلحق بهم هو وجنوده فحدثت المعجزة الربانية بأن ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وسار عليه موسى عليه السلام وأتباعه وعندما هم فرعون وجنوده بالسير على نفس الطريق عاد البحر لطبيعته فغرقوا جميعًا،وأغلب علماء التاريخ يؤكدون أن هذه الحادثة قد تمت في العاشر من شهر المحرم وهو المعروف بعاشوراء ولهذا فاليهود يحتفلون بذلك اليوم ويصومونه،وهذا ما وجده الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة المنورة وقرر إحياء هذا اليوم ومخالفة اليهود بصيام اليوم الذى قبله أو اليوم الذى بعده إلى جانب صيام يوم عاشوراء نفسه، ونعود إلى اليهود الذين بقوا في سيناء مدة طويلة،وفيها تلقى موسى عليه السلام الوصايا الربانية وحدث ماحدث له مع قومه، حين صعد ليتعبد فوق الجبل وترك هارون أخاه بديلًا عنه أثناء غيابه، فلما رأى اليهود أن موسى قد أبطأ في النزول عن الجبل قرروا بمساعدة السامرى أن يصنعوا من الذهب الذى كان معهم عجلًا يقدسونه، وحين عاد موسى ورأى هذا غضب وأحرق العجل، وقد عانى اليهود العطش والجدب في سيناء وأخذوا يعاتبون موسى بسبب الحياة القاسية التى يعيشون فيها،وهنا بدأ التفكير في دخول أرض كنعان التى أتوا منها قديما،ولكنهم مروا بسنوات التيه،ومات هارون ثم موسى عليهما السلام، وقبل أن يرحل نبى الله موسى كان قد عين عليهم تلميذه «يوشع بن نون» ليكون خليفة له في قيادة بنى إسرائيل، ويوشع هو من قادهم إلى دخول أرض كنعان، وبعيدًا عن التفاصيل التاريخية الدقيقة فإن اليهود قد دخلوا كنعان وأسسوا مملكتهم الأولى هناك، لتبدأ علاقات جديدة بينهم وبين مصر.. تارة تكون هذه العلاقات متوترة وقد تصل إلى حد العداء،وتارة أخرى تكون علاقات دبلوماسية رائعة، على أن مصر لم تخل تمامًا من اليهود،الذين هاجروا إليها مرة أخرى أثناء الصراعات والحروب الأهلية التى حدثت في مملكة يهودا،ويؤكد التاريخ أن اليهود كانوا يعيشون في جالية كبيرة بالإسكندرية في العصر البطلمى، فقد كان اليهود هم أحد العناصر التى شجعها البطالمة على الوفود إلى مصر والاعتماد عليهم لتثبيت دعائم حكمهم وليكونوا سندًا لهم، وهناك بردية من العصر الرومانى تؤكد أن تاجرًا إغريقيًا حذر زميله في الإسكندرية من التعامل مع المرابين اليهود لأنهم يجنون أرباحًا طائلة من وراء إقراضهم المال بالربا، وهذا الأمر ظل عالقًا بالوجد الإنسانى وقد عبر عنه وليام شكسبير في مسرحيته تاجر البندقية في القرن السادس عشر الميلادى،وقد سمح البطالمة لليهود بتكوين إدارة خاصة بهم أو جالية يكون على رأسها أحدهم وهو من يباشر السلطات الإدارية والقضائية الخاصة بهذه الجالية، وعندما شعر اليهود بنهاية عصر البطالمة وبأن حكم مصر سيصير إلى الرومان أخذوا يعدون أنفسهم لاستقبال العصر الجديد، فتأزمت العلاقة بينهم وبين البطالمة وبدءوا في ترسيخ علاقات متينة مع الرومان.. وللحديث بقية.
آراء حرة
يهود مصر في التاريخ - 2
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق