عاش الشعب العُماني الأسبوعين الماضيين فى حالة حزن متوتر وقلق على الحالة الصحية لوالدهم السلطان قابوس بن سعيد، وذلك بعد تداول أنباء تتعلق بحالته الصحية التى لم تكن على ما يرام وكذلك رحلة العلاج التي امتدت سنوات يصاحبها دعاء حقيقى من القلب بأن يمن الله على جلالته بالشفاء.
عشت فى عمان سنوات عشرا وأعرف عمق إيمان الشعب العمانى وتسليمه بقضاء الله.. وفى صباح ١١ يناير ٢٠٢٠ أصدر الديوان السلطانى العمانى بيانا نعى من خلاله السلطان قابوس الذى اختاره الله إلى جواره مساء الجمعة ١٠ يناير .. وبمجرد إعلان النعى تلقت مسقط عشرات البرقيات من عواصم العالم للتعزية والمواساة.. ليس هذا فقط بل أعلنت مصر والإمارات والكويت والأردن والبحرين حالة الحداد لمدة ثلاثة أيام تضامنا مع الحداد العماني.
لم تكن تلك الأحزان من باب الدبلوماسية ولكنها أحزان حقيقية لرحيل رجل استطاع فى زمن العواصف والحروب أن ينجو ببلاده آمنة مطمئنة وهو ما يعرف بسياسة الحياد الإيجابي.. لم تنجرف عمان فى اشتباك يجعل منها طرفا فى خصومة رغم سخونة الأحداث بالمنطقة العربية التى ما زالت تعانى التشظى والانقسامات وارتفاع صوت البارود على صوت الحكمة والسلام.
لم ينزعج المراقبون ولم يشغلوا أنفسهم بتكهنات عن مستقبل عمان بعد رحيل السلطان قابوس.. ولم يساور الشعب العمانى أى قلق حول الانتقال السلس للسلطة .. فالمعروف منذ سنوات طوال أن المادة ٦ من النظام الأساسى للدولة التى ترتب المهام فى حال كان موقع السلطان شاغرا سوف تكون الفاعلة فى مثل تلك الحالات وتنص المادة على الآتي: «يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسى مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـى رسالته إلى مجلس العائلة».
وبالفعل يتم الاتفاق والتوافق بكل الرضا والتفاهم على من أوصى باسمه السلطان قابوس. . ليصعد السلطان هيثم بن طارق إلى موقعه الجديد لتتواصل مسيرة عُمان بهدوء كما اعتاد العالم على خطواتها.
هنا تجدر الإشارة إلى أن السلطان هيثم بن طارق وهو ابن عم الراحل الكبير لم يغب يوما ما عن حركة الدولة العمانية منذ نهضتها عام ١٩٧٠ .. وشغل العديد من المواقع الوزارية المهمة والمؤثرة ولعل موقعه كوزير للتراث ما زال محفورا فى ذاكرة الشعب العمانى وكذلك المتابعين.
والسلطان هيثم بن طارق المولود فى أكتوبر ١٩٥٤ تخرج من جامعة أكسفورد عام ١٩٧٩ متخصص فى العلاقات الدولية الخارجية لذلك يراهن عليه أطراف متعددة للقيام بأدوار حاسمة فى العلاقات العربية العربية فى ظل ما تواجهه من أزمات معقدة.
ولعل بساطة وداع جثمان السلطان قابوس بها من الرمزية الكثير فلم نشهد مواكب وداع ولا جثمان على عربة مدفع بل فى هدوء تام .. الصلاة على الجثمان بحضور مفتى السلطنة سماحة الشيخ أحمد الخليلى يرافقه كبار رجال الدولة ثم مواراة الجثمان الثرى .. هذه البساطة هى بالضبط المنهج العُمانى فى التعامل مع جسام الأمور.
ولعل ما يؤكد ما ذهبنا اليه هو ما جاء فى خطاب السلطان هيثم عقب أدائه اليمين القانونية مباشرة حيث قال: «سوف نترسم خطى السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت التى اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمى بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولى فى مختلف المجالات، كما سنبقى كما عهدنا العالم فى عهد المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور داعين ومساهمين فى حل الخلافات بالطرق السلمية وباذلين الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم»
رحم الله السلطان قابوس وصادق العزاء للشعب العماني.. وكل الأمنيات للسلطان هيثم بن طارق بالتوفيق والنجاح.