الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أمريكا وإيران.. هل ينقلب التمثيل إلى حقيقة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بمعرفة كاملة وشبه اتفاق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ظلت العراق رهينة بينهما وذلك منذ احتلالها فى 2003. فقد سلمت إدارة جورج دبليو بوش مقدرات العراق لطهران، وجرى تفكيك الدولة والمؤسسات الأمنية والسياسية باتفاق بين الطرفين، واستبداله ببناء سياسى طائفى هش لصالح إيران، وأقر بول بريمر أول حاكم للعراق، وقال في مذكراته، إنه تلقى أمرا من بوش بتفكيك المؤسسات العسكرية والسياسية، وأنه لم يجد بديلا يمكن الاعتماد عليه، واعترف أنه فوجئ بأن المعارضين للبعث لم يكن لديهم شعبية أو اتصالات تساعد في بناء سياسى، بل إن أحمد الجلبى وزعماء المعارضة في الخارج بعد إسقاط النظام طلبوا العودة في حماية دبابات أمريكية، وعندما سألهم عن الجماهير التى قالوا إنها تنتظرهم لم يقدموا جوابا، بريمر اعترف بأنه تقريبا سلم العراق لإيران والزعماء الطائفيين.
إيران إذن وبمعرفة كاملة ورضا من الولايات المتحدة، كانت شريكا في صناعة الوضع الاقتصادى والسياسى الذى انتهى بالفشل، وأدى لظهور داعش وتوطين القاعدة والحشد الشعبى، والتنظيمات الإرهابية، وصولا إلى المظاهرات العراقية التى تتوجه ضد إيران في المقام الأول، بل إن الإيرانيين كانوا أكثر دراية بالعراق من الأمريكان، واتفقوا معهم على محو أى قوة للعراق انتقاما من العراق وليس فقط من نظام صدام، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمريكان انسحبوا لكن إيران تسيطر وبقوة، على القرار السياسى والاقتصادى في العراق، وبالتالى فهى شريك في الأزمة الاقتصادية التى يعيشها العراقيون، بجانب الفساد الضخم ونهب الثروات من قبل الطبقة السياسية التى تم بناؤها ما بعد سقوط بغداد.
إيران لم تسع لتحويل العراق إلى نظام على الطريقة الإيرانية، بل إن طهران مع تركيا لعبتا دورا في نهب ثروات العراق الضخمة من النفط، وأقامتا مشروعات مائية خفضت نصيب العراق من دجلة والفرات، وهو أمر لم يجرؤ عليه قبل ذلك. 
كان وجود إيران بمعرفة واتفاق مع الإدارة الأمريكية، بالرغم من أن الإيرانيين ظلوا يطلقون شعارات الموت لأمريكا، ثم إن قاسم سليمانى لم يكن في العراق لتنظيم حماية الشعب، ولكن لوأد الاحتجاجات العراقية التى تتوجه إلى إيران وبدرجة أقل إلى الولايات المتحدة. 
لقد بلغت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران قمة التنسيق حتى توقيع الاتفاق النووى، والذى كان سببا في تعقد العلاقات بعد تولى ترامب، لكن المناوشات بين الطرفين لم تتوقف، وفى المقابل يمكن اعتبار الصدام الأخير بين إيران والولايات المتحدة هو صدام بين حليفين سابقين تشاركا في تدمير العراق وتمزيقه سياسيا واقتصاديا، حتى ولو كان الخطاب الدعائى المعلن عكس ذلك، ولا يمكن اعتبار قاسم سليمانى زعيما ثوريا ذهب لإنقاذ الشعب العراقى، لكنه كان يدير عملية لوأد مطالبات العراقيين باستعادة الدولة وبناء نظام يناسب قدرات العراق وشعبها، وتم تنفيذ عملية اغتياله في العراق، وكان قادما من لبنان وسوريا، وهناك تصريحات له يفتخر بها بسيطرة إيران على أربع دول عربية. 
لقد روجت إيران منذ ثورة الخومينى نهاية السبعينيات أنها دولة ثورية تسعى لنقل تجربتها إلى العالم العربى والإسلامى، بينما كانت تسعى لبناء نفوذ إقليمى والمنافسة في السيطرة على أنظمة ودول، وهو سلوك استند إلى إقامة ميليشيات وتنظيمات تابعة لإيران لم تكن تسعى لتحرير الشعوب، وإنما تسهم في صراعات المنطقة ورفع درجات استهلاك السلاح. 
ولا يمكن تجاهل أن إيران حصلت على بعض التأييد عندما ساندت المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله بمواجهة إسرائيل، لكن الأمر اختلف مع الوقت عندما استقر الصراع مع إسرائيل على تبادل التهديدات والعمليات السرية المحسوبة من دون الوصول لمواجهة علنية، وتوسع نفوذ طهران في العراق ولبنان بشكل انتهى إلى خروج مظاهرات تطالب بخروج الإيرانيين، خاصة أن تجربة إيران في العراق لم تكن دعما أو تخطيطا سياسيا، لكنه كان أقرب لاحتلال، وكان دخول وخروج قاسم سليمانى وغيره يتم تحت سمع وبصر الأمريكيين، وربما بتنسيق معهم، وتم إنشاء قوات الحشد الشعبى بعلم الأمريكان لمواجهة داعش، وتغاضت أمريكا عن اتهامات للحشد بالطائفية تجاه السنة.
هنا يمكن اعتبار الصدام الأخير بين الولايات المتحدة وإيران هو صدام بين حليفين سابقين في العراق، تعارضت تحركاتهما، أمريكا اعتبرت محاولة اقتحام سفارتها في بغداد وإطلاق صواريخ خروجا على اتفاق غير مكتوب وقصفت حزب الله العراقى والحشد الشعبى، ثم نفذت عملية اغتيال قاسم سليمانى، وهى عملية بدا فيها أن أمريكا تستعرض قدراتها على الاختراق، وترد على تهديدات إيرانية متكررة، اعتبرها كثيرون أقرب للإهانة، فضلا عن رفض وساطات أوروبية وروسية للعودة إلى مائدة التفاوض، وبناءً عليه أعلن غلام أبوحمزة القيادى بالحرس الثورى أن إيران ستعاقب الأمريكيين أينما كانوا وأن 35 هدفا أمريكيا حيويا في المنطقة بالإضافة لتل أبيب «في مرمى القوات الإيرانية، وأن على أمريكا وإسرائيل أن يشعرا بالذعر، وأشار إلى مضيق هرمز كطريق حيوى للغرب، وممرا لعبور عدد كبير من المدمرات والسفن الحربية الأمريكية ومعه بحر عمان والخليج، وأن إيران تحتفظ بحقها في الانتقام من أمريكا».
أيضا كتائب «حزب الله» في العراق، حذرت من الاقتراب للقواعد الأمريكية في العراق، وتم إطلاق بعض الصواريخ على المنطقة الخضراء، وبالتالى تم سحب أتباع إيران في العراق للمواجهة.
ونقلت قناة الميادين، عن مسئول في حزب الله اللبنانى، قوله، إن الرد سيكون حازما، في إشارة إلى الميليشيات الإيرانية في كل من لبنان واليمن والعراق. وقال محمد رعد زعيم كتلة الوفاء التابعة لحزب الله في البرلمان اللبنانى إن الأمريكيين سيشعرون بأنهم أخطأوا باغتيال سليمانى. 
في وسط هذا لم يتأخر الرئيس الأمريكى ترامب في الرد، وغرد بأن «القوات الأمريكية حددت 52 هدفًا إيرانيا ستضربها في حال حاولت طهران استهداف أى أمريكى، في رد على أن الإيرانيين أمامهم 35 هدفا أمريكيا بالإضافة لإسرائيل، مضيفا: «أحذر إيران من ضربها بشكل سريع وقوى، في حال استهدافها لأى أمريكيين أو قواعد تابعة للولايات المتحدة.. لا نريد مزيدًا من التهديدات». فدونالد ترامب يقترب من الانتخابات ولا يريد أن يظهر في صورة الضعيف. 
إلا أن رد طهران على هذه التهديدات يستحق الدراسة والمراجعة، فقد شنت هجوما واسعا على قاعدتين في العراق خاضعتين للنفوذ الأمريكى، وبهما قوات متعددة الجنسيات.
المعلومات الخاصة بالهجوم الإيرانى على القواعد الأمريكية مختلفة ومتضاربة، لذلك سأرصد في السطور التالية تسلسل الأحداث وما تواتر من أخبار عن مصادر رسمية حول تلك الهجمات، من باب التوضيح والتعليق على الموقف، في قراءة متأنية لما يحدث.
- إيران شنت مجموعة من الهجمات على قاعدة عين الأسد في الأنبار غرب العراق، فجر الأربعاء، من خلال صواريخ استراتيجية بعيدة المدى من طراز قيام 1 - وذو الفقار، التى يصل مداها إلى 800 كيلومتر، وهذه القاعدة تضم جنودا من أمريكا وعددا كبيرا من الدول وقد أعلنت كل من الدنمارك وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، أن عناصرها في قاعدة عين الأسد لم تتعرض لأى إصابات.
- تزامن مع الهجوم على قاعدة عين الأسد، ضربات قرب مطار عاصمة إقليم كردستان في أربيل، حيث تم الاستهداف بصاروخين، الأول لم ينفجر والآخر سقط في منطقة أراض زراعية مجاورة للمطار، وذلك وفق رواية الداخلية في إقليم كردستان، التى أكدت أن الضربات لم تسفر عن وقوع قتلى أو مصابين.
- أعداد الصواريخ التى تمت بها الضربات غير محددة، فالجانب الأمريكى يقول على لسان البنتاجون إنها 12 صاروخا، بينما تذكر مصادر عراقية أنها 22، سقط منها 17 على قاعدة عين الأسد في الأنبار، إلا أن إيران لم تعلن رسميا أعداد الصواريخ التى تم إطلاقها.
- أمريكا نفت ما أعلنه التليفزيون الإيرانى عن وجود قتلى من القوات الأمريكية في العراق، وأكدت، من خلال قناة سى إن إن، أن القوات تلقت تحذيرا قبل الهجمات والجنود دخلوا الملاجئ قبل القصف.
- الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ذكر في تغريدة عبر تويتر أن تقييم الأضرار إيجابى، وكل شىء على ما يرام، إلا أنه لم يعلن بشكل رسمى حجم الخسائر المادية والبشرية حتى الآن.
- الحرس الثورى الإيرانى هدد من خلال بيان له بتوسيع نطاق الضربات لتشمل 100 هدف لأمريكا وحلفائها في المنطقة حال ما ردت الولايات المتحدة على الهجمات الأخيرة، في تحد واضح لأكبر قوة عسكرية في العالم.
- البنتاجون أكد أنه يعمل على تقييم الخسائر التى تم تسجيلها في القاعدتين، ويدرس الرد على الهجوم الصاروخى الإيرانى، إلا أن الصمت مازال يسيطر على الموقف في الولايات المتحدة.
- الوضع على الأرض مازال ينذر بالكثير من التبعات على الشرق الأوسط والمنطقة العربية بأكملها، خاصة أن الأمر لن يتوقف عند حدود الضربة الإيرانية، بما يحمل مخاطر عديدة تتعلق بأسعار النفط وإنتاجه خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى تأثر البورصات العربية سلبيا بما يحدث.
- يتوقع الخبراء أن تنفذ أمريكا عملية سريعة ردًا على ماحدث، وقد تم إلغاء كلمة للرئيس الأمريكى - يبدو أن الإلغاء لهذا السبب - بما يؤكد أن عملية أمريكية وشيكة ضد طهران ستحدث خلال الساعات القليلة المقبلة.
- ما يحدث من اضطرابات في الشرق الأوسط سيجعل جيوش المنطقة في حالة يقظة واستعداد دائم، تحسبا لوقوع أى هجمات مفاجئة.