المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.. نعم، بالناس، كل الناس، في كل أنحاء المعمورة.. لا فرق بينهم ولا تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو اللون.
فالإله الواحد، لا يفرق بين الناس على أي أسس كانت.. جميعنا أبناء الله نُدْعَى.. وعبيده.. ومحبوه.
ولأننا، هنا في مصر، أول من آمنا بالإله الواحد، وأسسنا الوطن الواحد، فقد ظل المصريون، طوال عمر المحروسة، مهووسين، ومسكونين بسؤال الوحدة، وحدة الأرض والشعب، فالبحث عن إله واحد بدأ على هذه الأرض وأولى دعواته جاءت على يد إخناتون.
والبحث عن دولة موحدة بدأ هنا أيضا، على هذه الأرض وفعلها مؤسس الأسرة المصرية الأولى، الملك مينا موحد القطرين، عندما استطاع أن يوحد المملكتين، الشمال والجنوب، عام 3200 ق.م وفاز بلقب، ملك الأرضين، وصاحب التاجين، عن جدارة.
منذ ذلك الحين حاول أعداء مصر تفتيت تلك الوحدة ولكنهم باءوا جميعهم بالفشل، فقد دافعت مصر عن وحدتها ضد كل الغزاة، ولم يقف الأمر عند وحدة أراضيها، ولكنه امتد لصد جحافل الهكسوس والتتار والصليبيين، نيابة عن العالم كله، في معارك مشهودة، هزم فيها المصريون جميع الغزاة، وأراقوا كرامتهم، قبل دمائهم، على هذه الأرض.
ومن بعدهم جاء العثمانيون، والفرنسيون والبريطانيون، جميعهم أصابتهم تلك اللعنة، لعنة الطمع في مصر؛ أرضها ونيلها وزرعها وشعبها، وجميعهم نالوا من غضبة المصريين، فلم يتمكنوا مما أرادوا، وتاريخنا شاهد على مر الأزمان.
وفى هذا اليوم.. يوم ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وتَمَجُّد اسمه في السماوات والأرض، نشهد ونشاهد ميلادًا آخر يحدث أمام أعيننا كل يوم.. ميلاد مصر الجديدة وقيامها من قبور المؤامرات، التى حاول وما زال، ينسجها طيور الظلام وأهل الشر هادفين إلى دفن ريادتها، وزرع الفتن بين أبنائها، فإذا هى تولد من جديد وتقف ناهضة قوية متحدية كل السهام التى أطلقت عليها، متحدة في قوة وبلا تهاون، تنظر وتنتظر غدًا أفضل، تفرح بوحدة أبنائها؛ مسلمين وأقباطًا، يهنئون بعضهم البعض بأعياد الميلاد المجيدة، رغم الألم الذى شعرنا به جميعا من جراء المخاض الذى ولد منه الأمل.
نعم سنفرح بميلاد بلادنا، رغم أنف الكارهين، والحاقدين والمتآمرين، سنفرح بدفء الأحضان وصدقها، سنتصدى، متكاتفين، لكل المؤامرات وللذين يقفون خلفها، ممولين وداعمين، في الداخل والخارج، سنحقق انتصارًا يتغلب على الظلام، بنور التعاليم والقيم الطيبة؛ التى طالبت بنشر الحب والخير والحق والجمال والسلام، ووصفت صانعيه، بأنهم «أبناء الله يدعون».
وما أجمل أن نتذكر في هذا اليوم، يوم ميلاد السيد المسيح كلماته الخالدة:
«طوبى للمساكين بالروح.. لأن لهم ملكوت السماوات، طوبى للحزانى؛ لأنهم يتعزون، طوبى للودعاء؛ لأنهم يرثون الأرض، طوبى للجياع والعطاش إلى البر؛ لأنهم يشبعون، طوبى للرحماء؛ لأنهم يرحمون، طوبى لأنقياء القلب؛ لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعى السلام؛ لأنهم أبناء الله يدعون، طوبى للمطرودين من أجل البِر؛ لأن لهم ملكوت السماوات».
إن ميلاد مصر «الجديدة» لن يكون إلا بكم وبوحدتكم وتماسككم، وكل هذا الخليط ينبع من شيء واحد هو «حب الوطن» ذلك الذي عبر عنه المتنيح العظيم قداسة البابا شنودة الثالث في جملته الخالدة:
«إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا»، هذا الوطن الذى ينتفض ضد أعداء الخارج والداخل، ستنير، اليوم، كنائسه بشموع الحب وصلوات أعياد الميلاد.
مصر كلها ستضىء سماواتها، اليوم، بشموع أعياد الميلاد المجيدة، تلك الأنوار ستقهر ظلام المؤامرات، وتنشر روح الرجاء والأمل، وتهزم اليأس؛ ذلك الذى يحاول الكارهون لمصر وميلادها الجديد أن يبثوه في أجوائنا.
ولكن هيهات فسوف يهزم المصريون، كل المصريين المحتفلين بالأمل دائمًا، تظللهم روح المحبة والتسامح والعيش المشترك، والثقة في الغد الأفضل، سوف يهزمون دعاوى اليأس والكراهية، وسيقفون ضد كل المؤامرات وضد كل الذين يحاولون النيل من أمن بلادهم القومي، مسلحين بالأمل في غد أفضل وميلاد جديد لبلدهم الحبيب مصر.