الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل (26)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملي على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا- دائمًا- كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عامًا من الأخلاق... 
الواقع- الآن- في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
عربان سيناء يأسرون قائد العسكر التركى في قونية وعساكره يتحسرون: «يا باشا لقد قضى الأمر».. 
ليس أدق في الوصف لسير المعركة أفضل مما قاله إدوارد جوين: «كان الأتراك ثلاثة أضعاف الجيش المصرى، إلا إنهم كانوا أضعف في ميدان القتال، لفساد التمرينات العسكرية ولبسالة إبراهيم وسليمان بك وبراعتهما في تحريك قوات الجيش المصرى». 
فقد ترك عسكر السلطان وراءهم ثلاثة آلاف قتيل وعشرة آلاف أسير ومن الأسلحة اثنان وتسعون مدفعا، والأهم في سير المعركة هو أسر عربان سيناء لقائد جيش العسكر محمد رشيد باشا الذى كان يزهو بأن خلفه ستين ألفا من عسكر السلطان العثمانى، وهو من أعطى كاتم سره مفاتيح الباب العالى ومفاتيح السر عسكرية، عندما علم بهزيمة عساكره، ولكن بعضا من الأمانة التاريخية في جانب محمد رشيد قائد العسكر فقد قال فيه شيوخ قونية: «لما كشفت النباتات للقمان عن سر خواصها الطبية، لم يقل نبت واحد منها إن لى خاصة الشفاء من الموت، وقد كان محمد رشيد باشا في هذه المعركة لقمان، ولكن دولتنا كانت الجثة الهامدة الخامدة».
وكانت تلك الأقاويل السائرة في الشارع التركى لعلمها بضعف دولتها وأنه لا يحييها قائد عسكرى أو تحركات عسكرية؛ لأن الدولة مريضة مرض الموت، وسلطانها المغرور يكابر ويقامر بجيشه الثانى الذى فقده تحت سنابك خيول الفرسان المصريين في معركة قونية ومن قبل في معركة حمص عندما فقد جيش البشاوات وفروا فزعا تاركين وراءهم أسلحتهم وعتادهم وأسراهم وجرحاهم في قبضة الجيش المصرى، ومن جانب آخر مع علم وتيقن أهل السلطنة بضعف سلطانهم من كل مقاليد الحكم عدا الغرور الأجوف وأيضا تيقنت أوروبا كلها بضغف السلطنة التركية وجهز الملوك والأمراء أنفسهم لتقاسم موروثات تركيا أو من أطلقوا عليها «رجل أوروبا الضعيف».
ونعود لمشهد من أهم مشاهد معركة قونية فقد أسر عربان سيناء القائد التركى الذى توجه إلى عساكره قبل أسره مشجعا: «تشجعوا ولا تيأسوا ما دامت في العروق قطرة دم فلا محل لليأس»، فرد عساكره عليه: «يا باشا لقد قضى الأمر»، وهنا تم أسره واقتياده مكبلا إلى قائد الجيش المصرى الذى أحسن إليه لزمالتهم السابقة ولعلمه أن نظيره كان مؤتمرا من سلطان مغرور لا يعى معنى الحفاظ على جيشه وشعبه ودولته وساقها إلى الهلاك أما جيش اعتاد هزيمة الأتراك واحترف القتال على مدى تاريخه!، كما أنه حرم تركيا من قوتها العسكرية نهائيا خلال ستة أشهر فقد فقدت السلطنة جيش الباشاوات وجيش رشيد باشا، وما كان من السلطان المتعجرف عندما سمع الأخبار- الحقيقية- بهزيمة جيشه وأسر قائده، فكتب إلى حليفه القريب روسيا القيصرية لمدده بأربعين ألفا من الجند الروس وخمس قطع بحرية من البوارج الروسية العملاقة وست فرقاطات، وإرسال الجنرال موافيف إلى الإسكندرية لمقابلة والى مصر وإنذاره بتدخل روسيا إلى جانب تركيا، في حين بقاء إنجلترا وبروسيا وبلجيكا محل المتفرج لانتظار الغنائم من رجل أوروبا الضعيف، فكانت فرنسا وحدها تؤيد سياسة مصر وتطلب من تركيا الإذعان لشروط الصلح مع مصر حتى لا تنهار السلطنة العثمانية وتقع فريسة لمخالب ذئاب أوروبا إذا هى لم تتحصن بحماية أقوى جيش في المنطقة وتكسب ود الجيش المصرى.
وربما ستتكرر محادثات بين رشيد والقائد المصرى، لكن تلك المرة، والأول أسيرًا أمام الثانى، وكلاهما يدرسان عزل السلطان التركى لفساد إدارته للدولة التركية بعد أن أدى صلفه لفقدان تركيا جيشها أما الجيش المصرى.