يبدو أن عام 2020.. الذى استبشرنا به خيرا.. سيكون عاما مليئا بالأحداث الجسام.. فها هو يطل علينا بتدخل تركيا في الشأن الليبى بشكل سافر ومعلن.. بعد أن كان تدخلا سريا ومستترا.. والولايات المتحدة الأمريكية تواجه إيران على أرض العراق.. وتؤجج الأوضاع في المنطقة.. باغتيالها قاسم سليمانى أحد أهم شخصيات إيران.. ومهندس عملياتها الكبرى في المنطقة العربية.. وسيكون لتلك الأحداث ردود أفعال وتبعات على المدى القريب.
تلك الأحداث التى تشهدها منطقتنا حاليا.. وما سبقها من أحداث منذ بداية الألفية الثالثة.. تذكرنى بتلك الفترة التى سبقت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916.. فترة احتضار الإمبراطورية العثمانية، وتكالب القوى الاستعمارية الأوروبية على تقاسم تركة رجل أوروبا المريض.. باحتلال فرنسا الجزائر عام 1830.. بحجة مشاركة أسطولها مع الأسطولين العثمانى والمصرى في حرب اليونان.. وتم تدمير هذه الأساطيل في موقعة نوارين البحرية عام 1827.. ثم احتلالها لجارتها الشرقية «تونس» عام 1881 تحت ذريعة أن بعض القبائل التونسية تغير على الحدود الجزائرية.. واحتلت الجارة الغربية «المغرب» عام 1912 مستغلة ثورة بعض القبائل على سلطانها.. وغزت إيطاليا ليبيا في أكتوبر 1911 بحجة تحرير الليبيين من الحكم العثماني.. واحتلال بريطانيا مصر عام 1882.. بجانب تواجدها في منطقة الخليج العربى وشبه الجزيرة العربية.. لتأمين طريقها إلى مستعمراتها في الهند وشرق آسيا.. وانتهت بتقسيم منطقة الهلال الخصيب «العراق والشام وشرق الأردن» بين بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916.. وجميعها كانت ولايات عثمانية.
الآن.. وبعد الأحداث التى شهدتها المنطقة العربية بدءًا من حرب الخليج والاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003.. مرورا بالفوضى الخلاقة التى شهدتها المنطقة العربية منذ 2011 حتى الآن.. أصبح العراق مهيئًا للتقسيم وأيضا سوريا وليبيا والسودان واليمن.. وباقى الدول العربية تعاني.. وتبقى مصر هى الدولة الوحيدة المتماسكة في المنطقة بقوة جيشها والتحام شعبها وإدراكه للمخاطر التى تحيط به من كل جانب.
إن إيران وتركيا.. ورثة الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية.. هما أساس الخطر الذى يهدد منطقتنا العربية.. لما لهما من أطماع عقائدية وتاريخية بالمنطقة.. ورغم أن الأحداث التى تدور في العراق ليست بعيدة عنا.. إلا أن ما يعنينا هو التدخل السافر للنظام التركى في ليبيا.. والذى يناوئ مصر في كل المحافل الدولية بسبب انتماءاته الفكرية ورعايته التنظيمات الإرهابية.. وإذا كان سلطان أنقرة قد أعلن رسميا تدخله في الشأن الليبي.. إلا أن ذلك لا يعنى أنه كان غائبا عن المشهد هناك.. فلم تكن تركيا غائبة عمّا يدور في ليبيا منذ سقوط نظام القذافى 2011.. ولكنها أرادت أن تسفر عن وجهها القبيح.. بعرض الأمر على البرلمان التركي.. الذى وافق بالأغلبية على إرسال قوات عسكرية ومعدات حربية إلى ليبيا لمساندة حكومة فايز السراج المحاصرة في طرابلس.. بالمخالفة للأعراف والقوانين الدولية.
ولو راجعنا أخبار ضبط شحنات أسلحة تركية مرسلة إلى ليبيا طوال السنوات الماضية.. لعلمنا كيف أنها متورطة هناك منذ بداية الأزمة الليبية.. وإذا كانت هذه هى الشحنات التى ضبطت.. فكم شحنة لم تضبط؟ مؤكد أنها أضعاف ما تم ضبطه.. والآن.. تريد أن تنقل المرتزقة والإرهابيين اللاجئين إليها والموجودين على حدودها مع سوريا والعراق.. إلى مكان بعيد.. حتى لا يسببون لها أى مشكلات.. بعد أن انتهت مهمتهم في المنطقة.. بهزيمتهم أمام القوات العراقية والسورية.. ومقتل قياداتهم.
ويجب ألا نعول على المجتمع الدولى في أن يتدخل لردع تركيا ووقف تجاوزها وعدوانها.. فكل دولة تتدخل بقدر مصلحتها هناك.. والولايات المتحدة لن تنسى مقتل السفير الأمريكى كريستوفر ستيفنز في 11 سبتمبر 2012 في بنغازي.. وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا.. لا يتدخلون إلا بقدر استفادتهم أو مصالحهم.. والأمم المتحدة بمجلسها وجمعيتها.. أصابها الصمم والعمى والخرس.. وحتى جامعة الدول العربية.. أقصى ما تستطيع فعله هو الشجب والإدانة.. ويجب علينا أن نتولى أمرنا بأنفسنا ونتخذ ما نراه في صالح بلدنا.. ونعمل بقول الإمام الشافعي.. «ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمـرك.. وإذا قصـدت لحاجـةٍ.. فاقصد لمعترفٍ بقدرك».
وأعتقد أن الأمر لن يصل إلى مواجهة مباشرة وحرب معلنة.. لأننا نملك جيشا تعرف تركيا قدره.. ولن تجرؤ على مواجهته.. ومصر لن تعتدى أو تتجاوز.. ولكنها قادرة على حماية حدودها وحفظ أمنها.. ويجب على كل المصريين.. مهما كانت اتجاهاتهم وانتماءاتهم الفكرية.. أن يصطفوا خلف قيادتهم ويدعموا جيشهم وشرطتهم.. لأن التخاذل والمعارضة في مثل هذا الوقت خيانة.. والجميع يعلم أننا نواجه حروبا وليست حربا واحدة.. على جبهات متعددة.. حرب المياه مع إثيوبيا والسودان.. وحرب الإرهاب في سيناء.. وحرب الحدود الليبية المشتركة معنا والمفتوحة من الجانب الليبي.. لعدم وجود قوات ليبية تحميها وتضبطها.. ونحن كلنا جنود فداء مصر وتراب مصر.