رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أوروبا عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم تجاه اتفاقية "العثمانلي والسراج".. ألمانيا تحذر من تحول ليبيا إلى ساحة حرب بالوكالة تجتذب الإرهابيين.. إيطاليا تعيد تقييم الموقف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصاعد التوتر حول الأوضاع في ليبيا، يزيد أهمية موقف الاتحاد الأوروبى باعتباره لاعبا أساسيا في الساحة الليبية، فمنذ الإطاحة بالقذافى في عملية مشتركة لحلف الناتو عام ٢٠١١، ويبدو الوضع في ليبيا الآن أعقد من أى وقت مضى، عقب توقيع تركيا وحكومة السراج مذكرة التفاهم بشقيها البحرى والعسكرى، والقرار التركى بالتدخل عسكريا لدعم حكومة السراج أمام قوات المشير حفتر.




ومع تطور التدخلات الإقليمية في ليبيا يبدو الموقف الأوروبى الأقل وضوحا بين أطراف الأزمة، ويحدث ذلك رغم اعتراف الاتحاد الأوروبى رسميا بحكومة السراج كحكومة شرعية، وتأكيده المستمر على دعم الحل السياسى والمسار الأممى، ورفض أى دعم عسكرى لأطراف الأزمة، وضمن هذا الإطار تأتى زيارة وزراء خارجية إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا لطرابلس، في السابع من يناير ضمن الجهود الأوروبية للدفع نحو وقف إطلاق النار وبدء عملية سياسة.
غير أن الموقف الأوروبى مثقل بتناقضات داخلية ترسم صورة مختلفة عن الموقف الرسمى الموحد، وهذه التناقضات هى المعوق الأساسى أمام أى موقف أوروبى حاسم تجاه الوضع الليبى، وهو ما أعطى تركيا الفرصة لفرض وجودها على المعادلة الليبية، ويظهر التناقض الأوروبى في موقف القوى الثلاث الكبرى داخل الاتحاد، ويمكن استعراضها فيما يلى:


الموقف الألماني
يعتبر الموقف الألمانى هو الأقرب لموقف الاتحاد الأوروبى رسميا، حيث تلعب ألمانيا دور الوساطة بمشاركة الدول المنخرطة في الأزمة، وتحاول الدفع نحو حل سياسى وتلتزم بالدعوة إلى وقف إطلاق النار وإلى احترام حظر التسليح المفروض على الأطراف الليبية، وكانت أبرز الجهود الألمانية مؤخرا استضافة برلين لاجتماع دولى حول ليبيا في ١٧ سبتمبر الماضى بمشاركة الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، مصر، الإمارات، تركيا، إلى جانب ممثلين عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى، و«غسان سلامة» المبعوث الأممى إلى ليبيا. وعقب الاجتماع أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، نيّة بلادها استضافة مؤتمر دولى حول ليبيا برعاية أممية لرسم ملامح حل نهائى في ليبيا، وهو الاجتماع الذى لم يتم حتى الآن بعد تأجيل موعده أكثر من مرة بسبب تعثر المفاوضات حوله، ويبدو منتصف يناير كموعد محتمل للمؤتمر وفق آخر المستجدات.
وترفض برلين التدخل التركى في ليبيا خوفا من تفجر الأوضاع الذى قد يؤدى لتفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية التى تعتبرها ألمانيا مسألة أمن قومى، وبسبب موقع ليبيا كنقطة انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر البحر، وتتخوف ألمانيا من احتمالية عسكرة الصراع بشكل أكبر، وهو ما قد يؤدى إلى موجات من الهجرة غير الشرعية قد لا يحتملها الاتحاد الأوروبى الذى لم يتعاف بعد من الأثر السياسى لموجات الهجرة واللجوء التى خلفتها الحرب السورية. كما تخشى ألمانيا أن تتحول ليبيا عقب التدخل التركى إلى ساحة حرب بالوكالة تجتذب الإرهابيين وتهدد أمن أوروبا انطلاقا من البحر المتوسط، ولذا تسعى ألمانيا إلى إنجاح مؤتمر برلين وتأمل أن تتفادى سلبيات المؤتمرات السابقة التى عقدت حول الشأن الليبى ولم تنجح في حلحلة الأوضاع على الأرض وعلى رأسها مؤتمر باريس الذى نظمته فرنسا في مايو ٢٠١٨،ومؤتمر باليرمو الذى نظمته إيطاليا في نوفمبر ٢٠١٨.
فرنسا
رسميا، وعلى المستوى الدبلوماسى، تدعم فرنسا عملية السلام التى تقودها الأمم المتحدة، واستضاف ماكرون الفرقاء الليبيين في يوليو ٢٠١٧ ومايو ٢٠١٨ ضمن محاولات التوصل لاتفاق، ولكن على الأرض تصطف باريس إلى جانب التحالف المصرى الإماراتى السعودى الداعم لحفتر، ضد التحالف القطرى التركى الداعم لحكومة السراج والإخوان، وهذا الموقف هو جزء من إستراتيجية فرنسا في معركتها ضد الإرهاب في حزام الصحراء والساحل الأفريقي، وهو ما يمثل أمنا قوميا للدولة الفرنسية، منذ الاعتداءات الإرهابية عام ٢٠١٥.
ويلعب المشير حفتر دورا مهما في مساعدة فرنسا على وقف إمدادات الأسلحة للمجموعات الجهادية التى تُهدِّد حكومات النيجر وتشاد ومالى، وهى الحكومات المدعومة من فرنسا ضمن «عملية برخان» العسكرية المستمرة في الساحل الأفريقي منذ أغسطس ٢٠١٤، والهادفة لمكافحة الإرهاب ومنع الجماعات الإرهابية من بناء قدراتها في المنطقة.
وبالإضافة للبعد الأمني، تنظر فرنسا إلى مكاسب عقود إعادة إعمار ليبيا، كما تطمح في الحصول على امتيازات نفطية مربحة ضمن أى خطة تسوية مقبلة، وخلال العام الماضى انتزع حفتر عددا من حقول النفط أثناء زحفه نحو العاصمة طرابلس، وتطمع فرنسا أن تقتنص حصة من الغاز الليبى عقب تسوية الصراع، ولذا تقف فرنسا في مواجهة التدخل التركى بقوة، وترفض اتفاق «إردوغان- السراج» بشقيه البحرى والعسكرى.
الموقف الإيطالى
تدعم إيطاليا حكومة السراج وتلتزم بموقف الاتحاد الأوروبى، ولكن ظهرت إشارات في الأيام الأخيرة على إعادة تفكير في الموقف الإيطالى، وتململ من عجز أوروبا عن اتخاذ موقف حاسم، وقال رئيس الوزراء الإيطالى جوسيبى كونتى في مؤتمر صحفى قبل أعياد الميلاد إن «الموقف الأوروبى غير الموحد يعنى تقاسم تركى روسى للغاز الليبى وفقدان أوروبا لتأثيرها شرق المتوسط».


النفط الليبى أحد أهم مصادر إنتاج شركة إينى الإيطالية، ويمثل سدس إنتاجها العالمى، وهو ما يضع ليبيا في صدارة الاهتمام الإيطالى، وتخشى إيطاليا أن يؤثر الموقف الأوروبى الضعيف والمنقسم في وضعها كشريك اقتصادى تاريخى في حقول النفط الليبية. وتنظر إيطاليا بريبة لاتفاقية «إردوغان-السراج» خوفا على مصالح شركة إينى التى تتمتع بوضع خاص في ليبيا بسبب الصلات المحلية التى امتلكتها عبر السنين منذ عملها في ليبيا عام ١٩٦٩، وتخشى إيطاليا من مزاحمة تركيا لها في حقول النفط الليبية في حالة تدخل تركيا عسكريا لدعم حكومة السراج، وهو ما دفع الرئيس الإيطالى إلى رفض السعى التركى لإرسال قوات مسلحة إلى ليبيا، ودعوة أنقرة لتجنب الدخول في مواجهات عسكرية في ليبيا، وتحذيرها من اتخاذ إجراء من شأنه زيادة التوترات العسكرية في ليبيا.
ولمح جوزيبى كونتى إلى أنه من المحتمل فرض حظر جوى فوق ليبيا، قائلًا: "يجب أن يمر الحل السياسى من وقف إطلاق النار. يجب أن ننظر إلى جميع الخيارات بكل أنواعها، مثل فرض حظر جوى فوق ليبيا»، ولكن يبدو هذا الخيار غير مطروح الآن".
ومن ناحية أخرى، ترفض إيطاليا الاصطفاف في جانب المشير حفتر، وينطلق هذا الموقف من إصرار المسئولين الإيطاليين على أنَّهم يفهمون التركيبة الاجتماعية في ليبيا، ويؤكدون أن حفتر لن يستطيع نيل ولاء قبائل التبو والطوارق التى تهيمن على الجنوب الليبى بالإضافة لقبائل أخرى في شمال غرب البلاد.

الموقف القبرصى اليونانى 
تعتبر اتفاقية أردوغان- السراج في شقها البحرى موجهة مباشرة ضد قبرص واليونان، حيث يمنع هذا الاتفاق الدولتين من التنقيب عن الثروات الطبيعية والاستفادة من مناطقهما الاقتصادية في شرق البحر المتوسط، ورفضت الدولتان الاتفاقية البحرية ووصفها بمنعدمة الأساس، وبأنها تنتهك قوانين ترسيم الحدود بمعاييرها الأوروبية والعالمية.
وأيد قادة الاتحاد الأوروبى هذا الموقف بشكل واضح في البيان الصادر عن اجتماع المجلس الأوروبى في ١٢ ديسمبر والذى ذكر نصا أن «مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا لترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط تنتهك الحقوق السيادية لدول ثالثة، ولا تمتثل لقانون البحار ولا يمكن أن تنتج أى عواقب قانونية بالنسبة للدول الثالثة، ويؤكد المجلس الأوروبى بشكل قاطع تضامنه مع اليونان وقبرص، بخصوص هذه الإجراءات التى اتخذتها تركيا».
وكانت قبرص واليونان قد وقعتا مع مصر اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وتقاسم الموارد، وعقب ذلك انخرطت قبرص واليونان في عدد من مشاريع نقل الغاز عبر المتوسط بحرا وعبر الأنابيب، ولكن جاءت الاتفاقية التركية لتوقف هذه المشاريع حتى إشعار آخر، وهو ما دفع الدولتين لاتخاذ مواقف متشددة من اتفاق «إردوغان- السراج» وصلت إلى حد طرد اليونان للسفير التركى.
ختاما.. يبدو الموقف الأوروبى من اتفاق «إردوغان-السراج» غير متبلور حتى الآن، ولكن الاحتمالات مفتوحة بداية من دعم طرف بشكل حاسم على الأرض الليبية وذلك في حالة وصول قادة أوروبا لشكل نهائى للحل، أو ترك الأزمة معلقة بانتظار ظروف إقليمية أفضل تدفع لتسوية يقبلها الأطراف المنخرطون في الأزمة.