الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بيزنس التعليم الجامعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رسالة التعليم لم تعد كما كانت في التراث الإنسانى طاهرة تبتغى نشر العلم لوجه الله ولصالح الإنسانية.
أصبح التعليم إذن رسالة مكتوبة بأوراق النقد لا بحبر العلم والمعرفة. وأصبح من يملك النقد يملك اختيار الحصول على الشهادة التى يريدها في المجال الذى يريد.
فيمكنك أن تلتحق بالجامعة الخاصة التى تمنحك شهادتها إذا دفعت لها قيمتها النقدية.. لم يعد الكد والجد هما القيمة التى تحدد مصيرك التعليمى بقدر ما في رصيدك البنكى من أرقام.. رقمك في حسابك البنكى فقط هو الذى يمكنه أن يحدد مصيرك التعليمى ومستقبلك العملى، فإذا كنت تملك المال الكافى ستحصل على الشهادة التى تريدها سواء كانت في الطب أو الهندسة أو أى مجال آخر تستهويه نفسك.
فإذا لم تجد غايتك في الداخل في الجامعات الخاصة يمكنك أن تجد هذه الفرصة في بيزنس جامعات الخارج في دول نامية لم تجد لنفسها مصدرًا للعملة الصعبة ولم تجد ما تصدره من إنتاج فلجأت إلى تصدير شهادات تعليمية كوسيلة سهلة للربح السهل من خلال شهادات لا تشهد لحاملها بالعلم والمعرفة بقدر ما تشهد له بغلبة مالية. فيمكنك أن تحصل على شهادة الطب والهندسة وإن كان رصيدك في الثانوية لا يتعدى الـ ٥٠٪ تقريبا ما دام رصيدك من الدولارات يكفى ثمن الشهادة التى يمكنك من خلالها أن تصف الدواء لمريض عليل. لجأ إلى صاحب شهادة ولم يلجأ لصاحب علم.
بيزنس التعليم إذن لم يعد فقط محليا بل تزاحمت فيه دول عديدة وأصبح «بيزنس» عالميًا بدأته دول الاتحاد السوفيتى السابق مثل روسيا وأوكرانيا وكازاخستان غيرها ومنها إلى كندا وأستراليا أيضا. وعرفت الطريق السهل للعملة الصعبة دولا أخرى مثل ماليزيا وتركيا تدر عليهم دخلا كبيرا من العملات الصعبة مقابل هذا البيزنس الرخيص والوهمي.
الغريب أن مصر بدأت تسير في نفس الاتجاه متأخرا وبشكل يفتقر إلى احترافية هؤلاء التجار من أصحاب الخبرة الذين أصبح لديهم سماسرة ووكلاء منتشرين في كافة دول العالم الثالث وخاصة دول عالمنا العربي، فبدأت مؤخرا إعلانات على استحياء تروج لطلاب الخارج التعليم في مصر ولأن السوق أصبحت متخما العارضين فبالتأكيد فرصة مصر في هذه السوق ستكون في الأغلب ضعيفة.
فإذا نظرنا إلى خريطة التعليم في مصر نجدها كالتالي: يوجد ثلاثة أنواع أساسية من الجامعات وهي: جامعات حكومية وعددها ٢٧ جامعة، وهى مدعومة من الحكومة وهناك ما تسمى بالجامعات الأهلية غير الربحية وعددها ٤ جامعات. أما عدد الجامعات الخاصة المملوكة للقطاع الخاص فعددها ٢٠ جامعة تقريبا قابلة للزيادة بأربع جامعات خاصة جديدة! بالإضافة إلى ١٢ أكاديمية وبذلك يكون إجمالى عدد الجامعات مع الأكاديميات في مصر ٦٣ جامعة وأكاديميّة، كما توجد فيها ٨ كليات عسكرية تُشرف عليها وتديرها وزارة الدفاع، ويلتحق خريجوها بالقوات المسلحة المصريّة بعد تخرُّجهم (وهى خارج منظومة البيزنس)، كما توجد هناك ٣ جامعات خارج الجمهوريّة.
الإحصائية السابقة تكشف أن الدولة بدأت تنسحب انسحابا واضحا من قضية التعليم تاركة قيادتها في أيدى تجار البيزنس التعليمى وهؤلاء لن تكون غايتهم الأولى تعزيز رسالة التعليم بالطبع بقدر ما ستكون غايتهم الأولى والأخيرة ارتفاع أرقام رصيدهم البنكي. ففى سنوات قليلة ازدادت أعداد الجامعات الخاصة لتصبح أكثر من الجامعات الحكومية وهى ظاهرة ربما لن تجدها في أى دولة من دول العالم!!
في المقابل نجد أن جامعات الخارج التى تستقطب طلبة الشهادات التعليمية المصريين قد لجأت إلى الاتجار بشهاداتها لأبناء دول العالم الثالث كى تدعم نفسها بهذه الأموال وتنفق على أجهزتها من جيوبنا نحن في ظل الأزمات الاقتصادية التى تعانيها بلادها.
استغلت هذه الدول حاجة طلبة العرب لشهادات تعليمية شكلية وهزلية كى تكون وسيلة سهلة لمصادر تمويلها بعد أن عجزت حكوماتهم عن دعمهم بعد الأزمات المالية الشديدة التى واجهتهم في زيادة كلفة التعليم الجامعي. وأصبحنا نحن العاجزين الفقراء ندعم جامعات فقيرة في الخارج. 
وكانت أبرز مظاهر هذا البيزنس هو حصول الآلاف على شهادات دكتوراة مقابل حفنة من الدولارات.. وأصبح كثير من رجال السياسة والمناصب العليا يلجأ لهذه الوسيلة الرخيصة للحصول على شهادة دكتوراة معظم حامليها لم يحصل على درجة الماجستير بل إن بعضهم لم يحصل على مؤهل جامعى من الأصل من أجل شراء لقب لعله يمنح حامله وجاهة لا يستحقها.
ونجحت هذه الدول في أن تبيع لبلد «الشهادات» مئات أو آلاف الشهادات التى لا قيمة لها باستنزاف مواردنا من الدولارات كى تكتمل المهزلة التى ما زالت مستمرة بل تتطور يوما بعد آخر تستنزف اقتصادنا بلا طائل لأننا نشترى شهادات غير ذات قيمة سواء من جامعات غير جدية تبيع لطلابها شهادات في دراسة الطب والهندسة والعلوم وغيرها أو شهادات تمنح حاملها درجة دكتوراة وهمية.
هو الوهم الذى أصبحنا نبيعه لبعضنا البعض ونشتريه من الخارج لنوهم أنفسنا بما لا حق لنا فيه. حتى أصبح الوهم لدينا «كالماء والهواء» نتنفسه في كل اتجاه ومن كل صاحب مصلحة تحت سمع وبصر الجميع وأصبح هذا الوهم هو الحقيقة التى لا يجوز لأحد انتقادها لكثرة المنتفعين من ورائه. نسأل الله العفو والعافية.