الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نهاية السنوات السوداء..! (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ منذ ساعات قليلة عام 2020، وعلى عكس ما يعتقده البعض بأنه بداية لعقد جديد أو عشر سنوات جديدة من القرن الحادى والعشرين، إلا أن الواقع يقول إن العقد الثالث من هذا القرن يبدأ في العام 2021 وينتهى في العام 2030، وبالتالى فإن العام 2020 ما هو إلا تمام العقد الثانى من القرن الحالى واكتماله، وليس بدايةً لعقد جديد.
وفى الحقيقة أن العقد المنقضى الذى بدأ في العام 2011 قد شهد أحداثًا جسامًا في إقليم الشرق الأوسط والمنطقة العربية ومصر، وهى الأحداث التى أثرت أيما تأثير في عديد من المعطيات ونتج عنها عديد من الصراعات التى لم يتم حسمها حتى الآن، سواء على المستوى المحلى أو العربى أو الإقليمي، وبالتالى فقد تجمعت في السنوات التسع الماضية كل عوامل الصراع، وصارت تفاعلاتها في السنوات الأخيرة متصاعدة ومتسارعة على نحو غير مسبوق، وهو ما قد يرشح العام 2020 لكى يكون «عام الحسم» في نهاية هذه السنوات السوداء لكل ميادين الصراع المفعمة بعناصر تغذيها في الداخل المصرى والعربى والإقليمى وعناصر أخرى ترقب وتنتظر ما يُسفر عنه الصراع، لكى توظف نواتجه على نحو يتفق مع مصالحها وأطماعها، واكتساب قوة جديدة ومساحات نفوذ تقوم أساسًا على أنقاض القوى المتصارعة.
لقد بدأ العقد المنقضى بسنة 2011، وكل النُذُر تخيم على الأجواء قبل بداية ذلك العام الأول في هذه العشرية؛ فمبارك كان يسعى لتمرير مشروع توريث حكم مصر لابنه، وكانت لعبة «القط والفأر» بين نظام مبارك والإخوان وصلت إلى أن الفئران أصبحت قططًا سمان تهدد بالتهام قطط النظام المتداعى الذى أنهكته السنون، وبدأت الأيادى الخارجية تعبث في الداخل من مراكز بحوث مشبوهة ومنظمات مجتمع مدنى ومراكز حقوقية ممولة من الخارج، وأصبحت الحريات الصحفية والإعلامية على المحك، ووصل التعذيب في الشارع والأقسام والسجون مداه، ولعل قضايا خالد سعيد ومحمد على الكبير وسيد بلال مجرد أمثلة، وهو ما أدى إلى الدعوة ليوم غضب في عيد الشرطة في 25 يناير 2011، حتى قبل أن تهل نسمات العام الجديد.
كانت كل الشوارع في مصر تؤدى إلى الثورة على النظام، الشارع الشبابى الحافل بشباب محبط لا يستطيع أن يتلمس مستقبله، الشارع الاقتصادى الذى يعانى فيه المواطن البسيط شظف العيْش ويموت المواطن فيه في طوابير الحصول على رغيف الخبز أو أنبوبة الغاز، الشارع السلفى والإخوانى والجماعاتى الذى يتربص بالنظام الدوائر ويتحين اللحظة المناسبة لإسقاطه ليملأ الفراغ الذى سيتركه ليصل إلى حكم مصر، الشارع العالمى الذى أصبح يعمل ضد بقاء مبارك في الحكم بعد انقضاء مهمته وعدم سماعه لتنفيذ بعض السياسات الجديدة التى تعمل على حل القضية الفلسطينية على حساب مصر، لتهنأ إسرائيل بطيب العيْش في المنطقة بعد أن تصدر لنا الأزمة.
لقد كانت الساعات الأولى من العام 2011 منبئة بطبيعة العام وطبيعة هذه السنوات السوداء، فقد بدأ ذلك العام بتفجير كنيسة القديسيْن في الإسكندرية، وتصاعدت الأحداث الدراماتيكية الخاصة بالتظاهرات الفئوية هنا وهناك في المحافظات المصرية، وكان تمركز هذه التظاهرات أمام مجلس الوزراء في وسط القاهرة، وكانت الأجواء السياسية ملبدة بغيوم كثيفة ومنذرة بعد أن خرجت قوى المعارضة من مجلس الشعب في انتخابات 2010 عقب تأميم البرلمان لصالح الحزب الوطنى في عملية قام بهندستها أحمد عز، وكانت الثورة التونسية قد بدأت بالفعل بعد حادثة حرق البوعزيزى لنفسه، وبدلًا من أن يحاول النظام استيعاب كل هذه المتغيرات وظواهر السخط المتصاعدة عليه، قام بمواجهة كل ذلك بمقولتيْن ولا أسوأ أدتا إلى تكثيف زفرات الغضب في النفوس، وهى الزفرات التى خرجت بقوة يوم 25 يناير 2011.
كانت المقولة الأولى هى التى أطلقها مبارك في افتتاح الدورة البرلمانية في نوفمبر 2010، والتى كان الشعب المصرى كله وقواه الحية في انتظار خطابه لمعرفة رأيه في التزوير الفج الذى فاق الخيال والسوابق التى تشتهر بها مصر في هذا المجال، فكان رد مبارك على الشعب والقوى السياسية «خليهم يتسلوا»، لقد رأى الرجل أن الحراك السياسى الذى بدأ في الشارع وائتلاف القوى السياسية مع حركة الشارع والانضمام إليها أنها تسلية لن تنال من نظامه الذى تآكل بالفعل ونخر فيه السوس.
أما المقولة الثانية التى أطلقها بعض السياسيين الموالين للنظام في الأيام الأولى من عام 2011 أن «مصر ليست تونس»، وهى مقولة غير مبررة في ظل أن أحوال مصر في ذلك الوقت كانت أسوأ من تونس، وكانت كل الشواهد تقول إن ما سيحدث في مصر سيكون أسوأ بكثير مما حدث في تونس؛ فنظام مبارك لن يستسلم بسهولة مقارنةً بفرار زين العابدين بن على الرئيس التونسى في الساعات الأولى من الثورة التونسية؛ فقد تجذر هذا النظام وخلق له مؤيدين وأصحاب مصالح وعلاقات عربية ودولية عميقة.
وأيًا كان الأمر، فقد حانت ساعة الحقيقة في 25 يناير 2011، ليتضح أن النظام في أضعف حالاته أمام ما لايزيد عن ثلاثين ألف متظاهر تجمعوا في نهاية اليوم في ميدان التحرير، ولو كان هناك رجلٌ رشيد يستطيع التعامل مع معطيات الشارع لانتهى الأمر عند يوم 25 يناير لتبدأ الدولة سلسلة من سياسات الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعي، ولكن الغباء في التعامل مع المتظاهرين في ذلك الوقت هو الذى أدى إلى تأجيج المشاعر وتحويل المسألة من مجرد يومٍ رمزى للغضب يعبر فيه الناس عن سخطهم ويرسلون رسالة للنظام إلى ثورة كاملة تطالب بإسقاط النظام. إن الذين نزلوا يوم 25 يناير لم يكونوا يحلمون أن الأمر سيتحول إلى ثورة تزيح نظام مبارك.
لقد انطلق فلاسفة أمانة لجنة السياسات في الحزب الوطنى في التعامل مع يوم الغضب من مقولتيْن أساسيتيْن توضح انعزال هؤلاء السياسيين عن حركة الشارع، تمثلت المقولة الأولى في أن «مَن نزلوا في 25 يناير لا يزيد عن 30 ألف والشعب المصرى 80 مليون»، وهو ما مثل تحديًا أمام المتظاهرين لزيادة أعدادهم في جمعة الغضب 28 يناير، وكانت المقولة الثانية أن من نزلوا إلى الشوارع «لديهم أجندات خاصة»، وقد تكون هذه المعلومة حقيقية ولكن في حالة الحشد يجب ألا تقول كل ما تعرفه، وإلا أدت مقولاتك إلى صب الزيت على النار.
لقد سخر بعض الكُتّاب من مبارك وابنه جمال وكبار السياسيين الذين أداروا أزمة 25 يناير بشكلٍ أدى إلى إزاحة النظام نفسه، لدرجة أن أحدهم كتب مقالًا مميزًا بعنوان «جمال مفجر الثورة»، وبالطبع هو لا يقصد جمال عبدالناصر مفجر ثورة 23 يوليو 1952، بل يقصد جمال مبارك مفجر ثورة 25 يناير 2011..!.
وللحديث بقية في الأسبوع القادم بإذن الله.