الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

اليوم.. الاحتفال بمربي السيد المسيح القديس يوسف البتول

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحتفل، اليوم، الكنيسة المصرية، 30 ديسمبر بعيد القديس يوسف البتول خطيب العذراء مريم ومربي السيد المسيح.

وكان القديس يوسف نموذجًا للمربي، الذي يحرس ويرافق يسوع في مسيرة نموه "في الحكمة، والقامة، والنعمة"، كما يخبرنا إنجيل القديس لوقا (لوقا ٢: ٥٢)، فهكذا اّمن يوسف وأحتفظ بمريم، وأتى بها إلى بيته فرحًا مسرورًا لهذا الشرف السامي الذي خصه به الله ليكون مربيًا ليسوع المسيح، كان صمته وكماله، وجمال نفسه، وبديع صفاته، وسمو فضائله، مع بساطة حياته، أروع تعليم، وافصح بيان، واجمل فلسفة خرجت من فم إنسان

القديس يوسف مثلٌ أعلى للشبّان وللرجال وللأزواج ولأرباب العيال، وللرهبان المتبتلين، وللبنات العذارى الأبكار، كما أنه شفيع لهؤلاء جميعًا في دينهم ودنياهم. لأنه جمع في شخصه وفي حياته اسمى المزايا واكمل الفضائل التي يمكن أن يتحلى بها إنسان في هذه الدنيا.

كان يوسف البتول من بيت لحم، من سبط يهوذا ومن عشيرة داود. فكان بذلك من أشراف إسرائيل مولدًا ومنشأ وحسبًا ونسبًا. إلا أن الله، الذي كان قد أراد لابنه الوحيد حياة الاتضاع والفقر، شاء ان يكون الرجل الذي سوف ينتدبه ليكون الحافظ الأمين لأمه، والخادم الحكيم الصادق ليسوع في حداثته، فقيرًا مسكينًا، لا شأن له بين قومه، ولا ذكر له بين أهله وعشيرته.

لكن غنى القديس يوسف كان في قلبه، وكانت ثروته أخلاقه وفضائله. فاصطفاه الله بين جميع رجال إسرائيل لأعظم رسالة دعا إليها بشرًا. فكان يوسف ذلك الرجل الذي حقق مقاصد الله فيه.. جعل يوسف حياته كلها، وعواطفه وأتعابه وشغله وقواه وأفكاره وفقًا على خدمة مريم وابنها يسوع، ومحبتهما والتفاني في سبيلهما. لم يذكر الإنجيل القديس يوسف كثيرًا.

كان قد رقد بالربّ بين يدي يسوع ومريم، لأنه لما أخذ يسوع يبشر بالإنجيل، صار اليهود يتساءلون ويقولون: "أليس هذا ابن يوسف"؟ فمتى كانت وفاة يوسف؟ لا أحد يعلم.

انما مات لما انتهت رسالته، واضحى يسوع قادرًا، على حسب نواميس وقواعد الطبيعة البشريّة، على القيام بمعيشته ومعيشة والدته. كان يوسف ملاكًا حارسًا لمريم، وكان ستارًا لعفافها وشرفها، وكان الحافظ الأمين لطفولة يسوع، وكان الخادم النشيط المحب لتلك العيلة المقدسة.

فلما انتهت تلك الرسالة، مات بين يدي يسوع ومريم، مملوءًا نعمة واستحقاقًا وقداسة، وأضحى شفيع المائتين بالرب. لأن يسوع ومريم ملآ أيامه الأخيرة تعزية وسلوانًا وبهجة، وشكرا له خدمه وأتعابه، ووعده يسوع بإكليل المجد المعد له في السماء. فذهب يبشّر الآباء والأنبياء وسائر القديسين المعتقلين، بمجيء المخلص، وبقرب نجاتهم وافتدائهم. لقد امتاز القديس يوسف بإيمانه الحي الذي فاق كل إيمان، وبتواضعه العميق، وبثقته التي لا حدّ لها بالله.

أما إيمانه فقد ظهر حيًا في الحوادث التي رافقت حبل خطيبته وولادتها ابنها الإلهي وهرب المولود الجديد من وجه هيرودس. ففي ذلك كلّه لم يضعف إيمان يوسف بقدرة الله، وهذا الإيمان الحي كان يذكي فيه المحبة ليسوع، وينير طريقه في حياته الروحية، إن الإيمان هو العين التي بها يرى القلب أسرار الله.

أما تواضعه فلقد فاق كلّ حدّ. لأنه تعلّم من مريم ومن يسوع أن لا ينظر إلى ذاته، ولا يتعالى في عين نفسه. كان من سلالة ملوك يهوذا، ومع ذلك لم يغضب لِما ناله من المسكنة والحقارة والفقر، وكان أبًا ومربيًا ليسوع خالق السماوات والأرض، ومع هذا لم يأنف من أن يشتغل بيديه، ويتعب ليل نهار، لكي يقدر ان يعيش هو وعيلته الصغيرة.

كان الحارس للمسيح الربّ الذي تنتظره الأجيال منذ ألوف من السنين، ومع هذا كله بقي صامتًا، متواضعا، لا يبوح بسر يسوع ومريم ولا بسرّه لأحد، نراه يتذلل للناس ويخدمهم لكي يكسب معيشته منهم، كاتمًا عنهم أمر هذا الولد الإلهي، الذي يأوي إلى بيته ويشاطره مائدته وحجرته، وهو رب المجد ومخلص إسرائيل والمسيح المنتظر.

هذه هو يوسف الذي يفرح في دواخله بأن يبقى عند الناس نسيًا منسيًا، لكي يكون بكل قواه الروحية والجسديّة لخدمة الله وخدمة ابنه ومريم أمه، لأنه كيف يمكنه أن يرى ابن الله، وقد "أخلى ذاته آخذًا صورة عبد"، ويسعى هو إلى الظهور والمجد الباطل؟ أن يوسف هو حقًا مثال الوداعة والتواضع.

إن القديس يوسف لم يكن أب يسوع لكن القديس يوسف قام بدور الأب تجاه يسوع مرافقًا ومساعدًا لمسيرة نموه، ننطلق من كلمة النمو في "القامة"، والتي تتعلق بالبعد الطبيعي، أي بالنمو الجسدي والنفسي، فقد اعتنى القديس يوسف، مع مريم العذراء، بيسوع، في المقام الأول، بهذا الجانب، أي "التنشئة"، بالحرص على أن يوفرا له كل ما هو ضروري لنمو صحي.

ويجب ألا ننسى أن الحماية المتفانية لحياة الطفل دفعتهما للهروب إلى مصر، حيث اختبارا تجربة حياة اللاجئين القاسية. فيوسف كان لاجئًا، مع مريم ويسوع، هربًا من تهديدات الملك هيرودس ثم، عند عودتهم للوطن واستقرارهم بمدينة الناصرة، حيث الحقبة الطويلة لحياة يسوع في حضن عائلته.

وحيث عَلَّمه القديس يوسف، خلال هذه السنوات، حرفته، حرفة النجارة، فيسوع قد تعلم حرفة النجارة كأبيه يوسف (متى ١٣: ٥٥). وهكذا صاحب يوسف نمو يسوع، أما عن البعد الثاني في التربية هو: "الحكمة": لقد كان يوسف، بالنسبة ليسوع، مثالًا ومعلمًا لهذه الحكمة، التي تتغذى من كلمة الله.

وهنا يمكننا أن نتسأل كيف علَّم يوسفُ يسوعَ الصغير الإصغاء للكتب المقدسة، ولا سيما من خلال مرافقته له كل يوم سبت إلى مجمع الناصرة، فقد كان يوسف يرافقه ليتمكن يسوع من سماع كلمة الله في المجمع.

البُعد الثالث في التربية هو "النعمة": يخبرنا القديس لوقا، متحدثًا عن يسوع: "كانت نِعمةُ اللهِ علَيه" (لوقا ٢: ٤٠)، وهنا بالطبع، النصيب الخاص بيوسف هو محدود قياسًا بنصيبه في نمو يسوع في القامة وفي الحكمة.

لكن يُخطئ خطأ فادحًا من يعتقد أن الأب والأم لا يسعهما أن يفعلا أيَّ شيء لتعلِيم أبنائهم النمو في نعمة الله النمو في القامة والنمو في الحكمة والنمو في النعمة كان هذا هو ما قام به يوسف مع يسوع، أي مساعدته على النمو في هذه الأبعاد الثلاثة، ومؤازرته في النمو.

لقد كانت مهمة القديس يوسف رسالة فريدة ونادرة، لكون يسوع شخص فريد للغاية، لكنَّ يوسف في حراسته ليسوع، وفي تعليمه له أثناء نموه في "القامة، والحكمة والنعمة"، يبقى نموذجًا ومثالًا لجميع المربين، وخصوصا لكل أب فالقديس يوسف هو نموذج المربي والأب لذلك تضع الكنيسة تحت حمايته جميع الوالدين، والكهنة، والمربين فهم أيضًا آباء، وأولئك الذين لديهم واجب التعليم في الكنيسة والمجتمع.