هدف «شحرور» أن يسقط تلك الرافعة النصية للإرهاب والإرهابيين والتى يتوسلون بها ليل نهار فى إرهابهم للناس ويتكؤن عليها على أنها دين مقدس
فتح نوافذه على نسمات الأزمنة الحديثة ليجد فيه الناس أجوبة حقيقية لمشكلاتهم ويتخلصون من فتاوى العار
عمل على إخراج الإسلام من مأزق حضارى ضخم أوقعته فيه حركات الإسلام السياسى باسم «الصحوة»
حاول أن يؤكد على المسلمات الدينية وعلى أن التحريم هو سلطة الله الحصرية، وأن القرآن ليس كتابًا ناقصًا
فقه الخلافة الرجعى والتفسير القديم يدفعان المسلم إما إلى التطرف أو إلى الخروج من الدين
• كان همّه أن ينصر دين الله، وأن يقدمه فى قالب محض حضارى للغرب وللعالم وللإنسانية، وأن يدافع عن الإسلام (الدين) وحقيقته الأولى وصورته البكر والتى تشوهت عبر عصور مضت وأمعن فى تشويهها حديثًا الإسلامويون وتنظيماتهم الإرهابية وصحوتهم المزعومة.
• كان همّه أن يجد للإسلام مكانًا فى عصرنا الحديث، وأن يحقق الملاءمة بين النص والواقع. بين الآيات وحياة الناس.
• كان همّه أن يفك أسر كتاب الله الذى ظل حبيسًا طوال ١٢ قرنًا مضت فى تفسير بشرى عربى ألبسه ردًا بدويًا صحراويًا محليًا مغلقًا رجعيًا، ثم مالبس أن تحول ذلك التفسير البشرى إلى أصل مطابق للأصل الإلهى المقدس!!
• كان همّه أن يطلق الدين من محبسه ويعود به إلى عالميته وإنسانيته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وأن ينزع عنه قيم وأفكار وثقافة البداوة والتصحر التى وضعتها التفاسير على نصوصه فحولته إلى نص محض محلى وصبغته بصبغة تقاليد محض عربية وقيم محض عربية ومفاهيم بيئية عربية، بينما هو نص إنسانى عالمى جاء لكل الناس من السعودية إلى النرويج والدنمارك ومن فنلندا إلى الهند ومن استراليا إلى كندًا ومن اليابان إلى جنوب أفريقيا.
• كان همّه أن يدافع عن دين الله، ويسقط عنه كل ماعلق به من تشويه وقبح بشري، وكل مادخل عليه من عنف وفظاظة وقتل وسفك دماء وتكفير ووصاية على خلق الله، وكل ماتسلل له من أفكار بشرية ما أنزل الله بها من سلطان وكل ما أضافوه عليه من تقاليد وقيم وثقافة بشرية محض بدوية عربية فحولوها إلى دين مطابق للدين!!
• كان همّه أن يزيل كل ذلك الركام الرهيب الذى وضع على دين الله عبر قرون مضت والذى أخرجه عن طبيعته كدين وبدل رسالته وأهدافه ومراميه!!
• كان هدف «شحرور» أن يزيح عن دين الله كل القيم المشوهة والثقافات الشائهة البشرية التى ألبسها المفسرون العرب للنص المقدس، وعلى رأسها ثقافة احتقار الآخر وعدم قبوله والنرجسية الدينية الفجة التى لا تعرفها الشريعة المحمدية الغراء التى هى فى أساسها إذا ماقورنت بما قبلها من شرائع «رحمة مهداة».
• كان هدف «شحرور» أن يسقط تلك الرافعة النصية للإرهاب والإرهابيين والتى يتوسلون بها ليل نهار فى إرهابهم للناس ويتكؤن عليها على أنها دين مقدس!!
• كان هدفه أن ينقى الدين وأن يعود بالمحرمات إلى حجمها الحصرى الذى جاء بالقرآن والذى أنزله الله بعد أن حول الفقهاء المحرمات البسيطة العدد جدًا والتى جاءت بالقرآن إلى ملايين مملينة ما أنزل الله بها من سلطان حتى صار الحرام هو الأصل وهو المعظم، ولم يبق لنا حلالا نعيشه ونمارسه ونحى وفقًا له!!
• رفض « شحرور» النشأة المستأنفة للإسلام حسب تعبير الناقد السورى الأكبر طرابيشي، والتى بدأت مع ظهور المرويات والأحاديث بعد وفاة الرسول بقرنين من الزمان على يد أبوعبدالله محمد بن إسماعيل البخارى القادم من إقليم بخارى فى أزباكستان إلى الحج فى العام ٢١٠ هجرية وانطلق شحرور من النشأة الأولى ومن النص المقدس من القرآن الكريم، من الكتاب، من التنزيل الحكيم.
• حاول شحرور أن يؤكد على المسلمات الدينية وعلى أن التحريم هو سلطة الله الحصرية، وأن القرآن ليس كتابًا ناقصًا، كما رفض فكرة الوحيين التى قال بها الشافعي، ورفض فكرة أن يكون بالقرآن حروف محذوفة أو زائدة.
وصار وفقًا لقاعدة أنه كلما زاد المبنى زاد المعنى ورفض الاستقسام وأعاد الهيبة والمكانة للسياق والنظم وسار وفق اللاترادف والترتيل بمعنى جعل الآيات التى ورد بها اللفظ رتلا (طابورا).
• فرق «شحرور» بين محمد النبى (البشر)، ومحمد (الرسول) الذى لاينطق عن هوى إنما هو وحى يوحي، كما فرق بين السنة النبوية التى هى تاريخ والسنة الرسولية التى هى دين.
• كان هدفه أن يحطم كل جدار الوصاية والوساطة لمن وضعوا أنفسهم بين الله وبين الناس بين الله وبين عباده، وأن يعيد تقديم النص الدينى كنص يتأسس على (حرية) الناس فى العبادة، وحريتهم فى الاختيار وحريتهم فى الطاعة أو المعصية، وحرية اختيار أفعالهم وتحمل مسؤليات اختيارهم دون وصاية من أحد على أحد.
• أيقن «شحرور» أن هناك وثنية فكرية، وأن هناك عبدة للتراث ولآراء الموتى والسابقين وأنهم يرفعون البشر على النقد، وأن جحافلهم تتشنج وتدخل فورًا إلى ساحات التكفير والقتل والإرهاب الفكرى إذا اقترب أحد من النسخة البشرية التفسيرة القديمة حيث يعتبرونها دينًا إلهيًا مقدسًا مثل الدين أو يعتبرون أنها الدين الإلهى نفسه!!
• حاول « شحرور» ألا يصطدم بالتراث البشرى القديم وآراء الموتى والسابقين وألا يحارب طواحين الهواء، وألا يدخل فى معارك واهية مع كلام الموتى والراحلين وتفسيراتهم، يضيع بها وقته ويتحرش بها مع عبدة التراث، وراح يتخلى عن التنقيب فى ذلك التراث الذى مات أصحابه والتفتيش فيه، ويبتعد عن العيش بين ركامه.
• رفض «شحرور» أن ينتقد ما قدمه علماء القرن الثانى الهجرى أو ما نطلق عليه القراءة البشرية الأولى للقرآن.
• انطلق «شحرور» من موقف محض حداثى يتأسس على الانقطاع التام مع القراءة الأولى القديمة والمكررة للنص المقدس.
• رفض شحرور أن يظل يشير إلى عيوب بضاعة الأولين والسابقين وفقهاء الخلافة العباسية، وراح يطرح بضاعته هو دون أى التفات لبضاعتهم وما يكتره اللاحقون طوال قرون.
• راح «شحرور» يعرض ما لديه، ويطرحه جديدة ويحاول جاهدًا أن ينفك من القراءة الأولى للنص.
• ونجح «شحرور» فى أن يقدم قراءة معاصرة للقرآن حيث قدم مشروعًا متكاملًا متماسكًا يتأسس على تعامل مختلف تمامًا مع اللغة العربية التى هى لغة القرآن الكريم فبينما ظل المفسرون يتعاملون معها على أساس (الترادف)، تعامل شحرور على أساس قاعدة (اللاترادف)، وبينما تعامل العرب والمفسرون الأوائل وفق تماهى وتراخى للمسافات بين معانى الألفاظ إلى حد التطابق، راح «شحرور» يتعامل بمنتهى الدقة والفصل بين كل لفظ وما تصوره المفسرون العرب أنه مرادفه، واهتم شحرور بوضع الحدود الابستمولوجية المعرفية لكل لفظ واختلافه مع اللفظ الآخر، فجاء عند شحرور لاتعنى أتى أبدًا، واللفظان وفقًا لما ظنه واستخرجه «شحرور» من لغة القرآن وآياته لفظان متباينان تمامًا ولا يمكن بل يستحيل المطابقة بينهما، وأنهما وإن كانا متطابقين فى الاستخدام البشرى إلا أنهما مختلفان تمامًا ومتباينان تماما فى الاستخدام الإلهي.
• فعند «شحرور» الهبوط فى المقصود الإلهى لايعنى أبدًا النزول، والروح لاتعنى أبدا النفس، والقلب لايعنى أبدًا تلك العضلة التى تضخ الدم فى صدورنا، والأب لايعنى بالضرورة الوالد والأم لاتعنى بالضرورة الوالدة، والذكر غير الولد.
والعرش ليس هو الكرسى والفقراء ليس هم المساكين والعدل غير القسط والرجس غير الرجز وكلام الله غير كلماته، والصيام مختلف عن الصوم، والعباد غير العبيد، والإسلام غير الإيمان، والنبى غير الرسول، والصلاة غير الصلوة، والموت غير الوفاة، والخلق غير الجعل، والقنوط غير القنوت، والبلاغ غير الإبلاغ، والكتاب غير القرآن والقرآن غير الفرقان والكتاب غير أم الكتاب، والخبر غير النبأ والذنب مختلف تماما عن السيئة والشاهد غير الشهيد، والسنة غير العام، والوصية غير الإرث، والدين غير الشريعة، والرحمن غير الرحيم، والزكاة غير الصدقة.
• ولأن مشكلة المسلمين هى مشكلة قراءة وتأويل حسب السياق وضرورات الوقت.
• قرأ «شحرور» القرآن ونظر له فى شموليته وكليته من منطلق اعتباره أنه «دين» ولطالما أنه دين فقد جاء حصرًا ليحض البشر على فعل الخير ويحثهم على مكارم الأخلاق، وكى يضبط الاجتماع البشرى وليضع الناس الله فى تصرفاتهم وفى حساباتهم وفى تعاملاتهم، جاء الدين لمساعدة المحتاجين والرفق بالمساكين والعجزة والأقساط فى اليتامى وبر الوالدين، وصلة الرحم، والكفل فى الميزان والوفاء فى الكيل وعدم الاقتراب من الفواحش وقول الحق والعدل والرفق بالإنسان والحيوان والطير والنبات،........ إلخ، لا خطاب تدمير وتخريب وقتل وانتقام ووصاية وكراهية ولحية وحجاب وتعصب واحتقار لأهل الكتاب وتكفير ونرجسية دينية وإهدار دم ومباركة الرجعية السياسية والاجتماعية.
• عمل «شحرور» على إعطاء الدين مضمونًا سمحًا، فأخرجه من ثقافة البداوة والغزو والاسترقاق، وفتح نوافذه على نسمات الأزمنة الحديثة، حتى يجد فيه الناس أجوبة حقيقية لمشكلاتهم، ويتخلصوا من فتاوى العار التى تعكس أزمة عقول علاها الصدأ والغبار.
• حاول «شحرور» إضفاء قدر من الانسجام على قراءته القرآن بالقرآن، وفق المنطق الإنسى المشار إليه، فاتخذ موقفًا حازمًا من الأحاديث المروية والمتراكمة عبر قرون من الرواية الشفوية التى تخللتها خلافات وأحقاد وحروب وصراعات سياسية ومصالح لا حصر لها، انعكست كلها على صورة الدين وموقعه فى الدولة، وعلى وضعية الإنسان المسلم التى سرعان ما تحولت إلى انحباس حضارى دام لأزيد من ألف عام.
• رأى شحرور بأن القرآن ورد على (اللفظ) بينما تلك المرويات المنسوبه للنبى جاءت على (المعني) لذلك فهى غير دقيقة وبعضها مكذوب وبعضها مخالف للنص المقدس.
• كان منطق «شحرور» هو أنه إذا كان فقه الخلافة الرجعى والتفسير القديم وقراءة القرن الثانى للنص المقدس تدفع المسلم فى عصرنا هذا إما إلى التطرف والغلو أو إلى الخروج من الدين والتحرر منه، فإن ثمة قراءة معاصرة تسمح باحترام الدين واحترام قيم العصر معًا، ووفق مبدأ إنسانية وعالمية الرسالة المحمدية كفيل بأن ينقذ الدين وأن ينقذ المسلمين.
• لقد عمل «شحرور» من خلال مُجمل إنتاجاته الفكرية على إخراج الإسلام من مأزق حضارى ضخم أوقعته فيه حركات الإسلام السياسى باسم «الصحوة»، التى ما لبثت أن تحولت إلى قطع وجز رءوس وترويع الآمنين وإرهاب بلا حدود وأحزمة ناسفة وقنابل وأكياس من المتفجرات لاتفرق بين طفل وكهل ودماء للتوقف وأشلاء لاتنتهى وعنف لم تشهده البشرية ما عرّض الدين الإسلامى فى العالم كله لنقد شديد بسبب انغلاق «أهل الاختصاص»، وجمود المؤسسة الدينية وصنميتها واستعصائها ومحدودية نظرها، وعقم منهجها فى التفكير.
• حيث لم يستطيعوا «أهل الاختصاص» تقديم قراءات تجديدية تجيب على الأسئلة الكبرى لعصرنا، وخاصة منها ما يتعلق بنتائج العلوم، وبالتحولات المجتمعية الكبرى، وبمفهوم المواطنة وعلاقة الدولة بالدين وموقع الفرد بينهما، والفرق بين العام والخاص والجريمة والخطيئة والذنب والسيئة وحرية الناس فى الاعتقاد وقبول الآخر واحترام معتقدات الغير واحترام حق الناس فى الاعتقاد والمغايرة.
• كما أن الاجتهادات المهمة التى أبدعتها نخبة محدودة من المفكرين التنويريين سرعان ما تمّ الالتفاف عليها من طرف جمهور الفقهاء المقلدين من حُراس قلعة الفقه القديم، ما طرح بإلحاح ضرورة اجتهاد جريء من داخل المنظومة الدينية نفسها.
• سيخلد ذكر المفكر الدكتور محمد شحرور وسيبقى مشروعه الفكرى ينتشر فى ربوعنا وفى ربوع الكوكب يحلق ويطير ويحط ويطير ويضطلع عليه أجيال وأجيال وسينسى التاريخ أسماء لاعنيه وشاتميه والمتطاولين والمزايدين على الرجل، لأن الكراهية لا تصنع التاريخ، ولأن شحرور لم يلتفت طوال ٥٠ عامًا لمن تتطاولوا على قامته الرفيعة ومكانته العلمية والفكرية، ومن سخروا من مشروعه الفكرى ومن قللوا من قيمة اجتهاده وبحثه وطرحه ولم يعبأ يومًا بلاعنيه بل ظل يمشى فى اناه ويصدح فى هدوء ويبحث فى دأب وإرادة لا تلين، ويتحفنا بالجديد فى كل كتاب يصدر له، وظل يعمل فى دأب وفى تسامح لاتعرفه ثقافتنا العربية، وفى هدوء لاتعرفه طباعنا وأخلاقنا العربية، وفى تجاوز وترفع عن السفهاء والشتامين لا ترقى إليه سوى نفوس العابدين الأتقياء المتقين.
رحم الله المفكر الذى قدم حياته لخدمة دين الله وللدفاع عن دين الله ولتقديم دين الله فى ثوب معاصر إنسانى عالمي.
• إنه مفكر عبقري، خرج عن إطار السائد والمألوف وعن أسر العادة وعن عقم التكرار وبؤسه، تحمل المهمة فى رضا كامل وتحمل وعثاء السفر فى غبطة، وتحمل عناء رحله البحث ومشقة المراجعة والتحرى والتفكير والتدقيق وسهر الليالى وأنفق العمر والصحة وضحى براحته، وجاء لينقذ أمة غارقة فى غياهب الجهل يكسوها ركام رهيب فخرج المرجفون والجهلاء وعبدة التراث يقذفونه بالحجارة، لكنه لم يلتفت، ولم يعر بالاً أى بال، وأكمل المهمة وأنجز المشروع على أكمل وجه وتركه بين أيدينا ورحل، إنه رجل من طراز فريد وعزم مختلف وذكاء متفرد وقلب سليم، وسماحة نادرة لم نألفها فى مثقفينا، وتواضع لم نمارسه ولم نشاهده عند مثقفينا العرب، إنه السورى محمد ديب شحرور ابن دمشق، رد الله غربة سوريا التى لمفكريها الفضل كل الفضل على كل الفضاء العربى والعقل العربي.