أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي مكالمتين في أقل من أربعة وعشرين ساعة.. الأولى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والثانية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.. العنوان الأبرز في المكالمتين هو الملف الليبى ودخول أردوغان على الخط.
جاءت المكالمتان عقب الزيارة المفاجئة التى قام بها حامى الإرهابيين التركى أردوغان إلى تونس وما أحاط تلك الزيارة من غموض من شأنه التأثير على تحركات الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، الذى يطارد جماعات الإرهاب في ليبيا وكله إصرار على تحرير طرابلس.
هذه التحركات التركية الساخنة تمت بمباركة الرجل المريب فايز السراج، رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها بموجب اتفاق الصخيرات.. لم تتوقف التحركات عند زيارة ومكالمات واتفاقية ترسيم حدود ليبية تركية غير قانونية، ولكنها امتدت إلى تصريحات قوية صدرت عن اليونان لمواجهة تركيا أوروبيا وقولها إن أردوغان يلعب بالنار، وكذلك تابعنا زيارة عاجلة من رئيس مجلس النواب الليبى وعدد من قادة الجيش الوطنى الليبى إلى قبرص.
هذه الخريطة الملتهبة قادرة وقت تفجر الصراع على تحويل البحر المتوسط من كنز غاز يخدم البشرية إلى بحيرة دم لا يمكن السيطرة عليها.. التركى منفردا يعتدى ويساوم ويعمل بجدية لنقل إرهابيين مأجورين من سوريا إلى طرابلس، بل ونقل عسكريين أتراك للأراضى الليبية بعدما طلب السراج ذلك.
الثابت في كل هذه الفوضى أن التفاحة الكبيرة هى مصر وهى التى يدور حولها العثمانلى الضعيف في بلاده أصلا، والذى تنهار عملة بلاده يوما بعد يوم فضلًا عن خسارة حزبه المتوالية في مناطق ارتكاز قوية- إسطنبول على سبيل المثال- لذلك يحاول بقدر المستطاع تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج معتمدا على تنظيم الإخوان الشيطانى الذى احتواه في بلاده بعد ثورتنا الباسلة في ٣٠ يونيو.
التركى لا يهمه السراج ودولته ولكن عينه على حدود مصر الغربية التى طالما عانينا منها.. عينه على القاهرة وإعادة الروح في خلايا الإخوان النائمة.. التركى لا يريد غازًا ولا اقتصادًا، ولكنه يريد انتصارا يعيد إليه كرامته التى تدهسها سوريا تحت بيادة جنودها الأبطال يوميا، ولكنه في هذه المرة خانه ذكاءه فوقع بين أسنان الدولة المصرية بكل أجهزتها العسكرية والدبلوماسية وأمامها وخلفها شعب عظيم هوايته ربط الحجر على المعدة والاستمتاع برايته خفاقة في السماء.
أخطا التركى وربما تكون هذه هى لعبته الأخيرة التى سيتوارى بعدها في غياهب العار والنسيان.. التركى لا يتعلم الدرس ولكن يقوده الغرور الأعمى.. الثابت في زيارته الأخيرة لتونس هو أن الشعب التونسى لقنه درسًا عروبيًا قاسيًا مما دفع الرئيس قيس بن سعيد لإعلان بيان فصيح يتهم فيه الجانب التركى بالكذب ويرفض الزج باسم تونس في أى تحالفات ضد ليبيا.
قلت للقريبين منى إننا في حرب حقيقية لم يصدقنى بعضهم.. والآن عندما تلامس النيران حدودنا بسبب خيانة السراج وتلقف التركى الملعب الليبى هل يمكن لعاقل أن يصف ما يحدث في البحر المتوسط أو على حدودنا الغربية بأنه نزهة؟
على السياسى المصرى سواء كان منتظما في حزب أو يمارس نشاطه مستقلا أن ينزل متواضعا على الأرض ليقرأ الأفخاخ المنصوبة حوله.. ليعرف موضع قدمه بلا تهوين أو تهويل.. عن نفسى أرى أن السنوات التى تلت ٢٠١٣ والسنوات المقبلة أيضًا هى مفارق الطرق الكبرى، من خلالها تتحدد ملامح مصر، ولن أكون مغاليا إذا قلت يتحدد وجودها أصلا.. وتعالوا نراجع الملفات الصعبة من سد النهضة إلى الثورة على الكيزان في الجنوب إلى ميليشيات الإرهاب المسلحة في الغرب إلى إنفاق حماس في الشمال الشرقي.. إلى فراغ أمني واقتصادى كان مقصودا في البحرين الأحمر والمتوسط.. كل هذه الأوراق غير المرتبة حان وقت ترتيبها.