فاشل كبير داخليا، ينازعه أصدقاء الأمس على انتزاع البساط من تحت أقدامه، حزبيا وسياسيا وشعبيا في تركيا، وفقدان نفوذه وشعبيته في أكبر المدن التركية، إسطنبول، دفعه إلى تصدير أزماته للخارج، وتسجيل انتصارات زائفة، تعيد مجده المفقود.
رجب طيب أردوغان، رسم خطة دغدغة مشاعر الأتراك، خاصة الذين يعانون من مرض الحنين إلى الماضى وإعادة مجد أجدادهم العثمانيين، بغزو الدول العربية والإسلامية والاستيلاء على مقدراتها وثرواتها، وبدأ في تنفيذ الخطة فعليا، باحتلال سوريا، واعتبارها نقطة انطلاقة كبرى تحقق هدفين، إعادة شعبيته، ومحاولة حثيثة لإعادة بعض من إرث أجداده، في سوريا وليبيا ومصر والخليج.
نجح في تأسيس قاعدة عسكرية في قطر، تعد تهديدا حقيقيا للخليج، ووضع موطئ قدم في سوريا والسعى لتأسيس قاعدة عسكرية في «مرج دابق» وهى القرية التى شهدت انطلاقة سليم الأول، لاحتلال ليبيا والقاهرة ومن بعدهما الخليج.
ولمن لا يعرف مرج دابق، فهى قرية تقع شمال غرب سوريا، وتحديدا، تبعد عن شمال حلب مسافة 45 كيلو مترا، و15 كيلومترا فقط جنوب الحدود التركية، وهى القرية التى شهدت المعركة الشهيرة عام 1516 بين الجيش المملوكى، بقيادة السلطان قنصوة الغورى، والجيش العثمانى بقيادة السفاح، سليم الأول، واستطاع بالخيانة وشراء الولاءات، أن ينتصر، على المماليك، وهى المعركة التى مهدت الطريق تماما لاحتلال القاهرة.
ومرج دابق، تمثل موقعا جغرافيا استراتيجيا، كونها تقع على الطريق البرى الأكثر عبورا بين تركيا وأوروبا من ناحية، وبلاد الشام ومصر وبلاد الرافدين من ناحية ثانية، لذلك كانت مثار اهتمام بالغ من أردوغان، ومحاولة السيطرة عليها، خاصة بعد اندلاع ما يسمى «ثورات الربيع العربى» ورسم خطته في البداية، على تجنيد الجماعات والتنظيمات الإرهابية، داعش وجبهة النصرة، وتوفير الدعم والغطاء الأمني لهما، وهو ما كشفته تقارير استخباراتية، غربية، للتحكم في بوصلتها، وهو جالس في أنقرة.
ونشر موقع «نورديك مونيتور» السويدى، المتخصص في الشئون المخابراتية، تقريرا مهما أشار فيه إلى أّن وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية ذكرت في وثيقة سرية عام 2016، أن تركيا وقطر دعمتا داعش وجبهة النصرة، وأن هناك تنسيقا كبيرا بين المخابرات التركية والتنظيمات الإرهابية في سوريا.
واحتوت الوثيقة على سرد مفصل لحالة المقاتلين الرئيسيين في صفوف جبهة النصرة وداعش، عددهم وعتادهم، كما تضمنت شرحا موثقا في كيفية تقديم المخابرات التركية كل أنواع الدعم لهم، من خلال شبكة قوية تستطيع المحافظة على تأمين وتوصيل الإمدادات والذخيرة وتدفقات الأسلحة.
ولفتت الوثيقة إلى نقطة مهمة، وهى أن داعش استخدمت الأراضى التركية كقاعدة إستراتيجية لتدريب عناصرها، وتوفير غطاء الحماية والأمن والأمان لهم، علاوة على الاجتماعات الدورية التى كانت تُعقد بين عناصر من جهاز المخابرات التركية، وقيادات التنظيم الإرهابى، وفى كل اجتماع كان ينقل الضباط الأتراك، توصيات، أردوغان، للتنظيم.
لكن اللافت في الوثيقة، هو خارطة الانتشار الجغرافى لداعش في الشمال السورى والذى كان بتوجيه وترتيب ومتابعة تركية دقيقة، ومنها قرية مرج دابق.
وبعد انهيار التنظيمات الإرهابية في سوريا، وبالأخص داعش، قرر أردوغان احتلال شمال سوريا، والسيطرة على نقطة انطلاق سليم الأول نحو القاهرة، ثم بدأ الاحتكاك بمصر في منطقة شرق المتوسط، ومنازعاتها في ثرواتها من الغاز، وذلك بتوقيع اتفاق غير قانونى مع فايز السراج، ثم بدأ يتحدث عن خطة الدفع بقواته إلى ليبيا، وكلها محاولات علنية لإعادة الاحتلال العثمانى للدول العربية.
نعم، احتلال أردوغان الشمال السورى، هدفه إعادة ما يسمى إرث أجداده العثمانيين، أو جغرافية تركيا القديمة، التى انطلقت من قرية «مرج دابق» منذ 5 قرون، لذلك يحاول إعادة التاريخ، وإخضاع كل المناطق الجغرافية التى سيطر عليها السفاح «سليم الأول» لسلطانه، ليصبح سلطانًا للمسلمين.
وفى ظل تحرك الجيش الليبى لتطهير طرابلس، والنجاحات التى يحققها لإحكام سيطرته، صار سقوط «السراج» وتنظيماته الإرهابية قريبا، ما دفعه إلى الاستغاثة بالجيش التركى لإنقاذهم من السقوط والهزيمة.
هنا، لا بد من إدراك حقائق جوهرية، أن دخول الجيش التركى ليبيا، يعد غزوا واحتلالا، ما يستوجب من الدول العربية حشد قدراتها لمناهضة هذا الغزو بكل الوسائل، تحت مظلة قرارات واضحة من الجامعة العربية، فلا يمكن السكوت أمام محاولة ابتلاع ليبيا، على يد مستعمر قديم، دمر الدول العربية، وسلب ثرواتها ومقدراتها وساهم في دخولها لأنفاق التخلف والجهل.
حشد عربى موحد تحت مظلة الجامعة العربية واستصدار قرارات تمنع تدخل تركيا في ليبيا بكل الوسائل، وعدم الاكتفاء بقرارات الشجب والإدانة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، وعلى كل دولة عربية إدراك خطورة غزو تركيا لليبيا، بعد احتلالها شمال سوريا، لما يمثله ذلك من مخاطر جسيمة على الأمن القومى العربى بمفهومه الشامل.
وأطالب الشعب الليبى الشقيق، خاصة القبائل العريقة، التى تمثل العمود الفقرى للدولة الليبية، بالتوحد وحشد الجهود لمواجهة الغزو التركى، ومقاومة أى غزو لبلادهم، فلا يمكن السكوت والصمت أمام عربدة أردوغان وحزبه الإخوانى ومحاولة غزو واحتلال الدول العربية، وسلب ثرواتهم والعبث بمقدراتهم.
وما من شك أن ثلاثى الشر – تركيا وإيران وقطر- قد بدءوا بمحاولة تفتيت وإسقاط الدول العربية، وتوظيف ما يسمى «ثورات الربيع العربى» لهذا الغرض، ورغم أن ظاهر «التحالف» بين ثلاثى الشر، استراتيجى، إلا أن باطنه تحالف استعمارى توسعى، يحمل شعار «عدو عدوى صديقى»، لذلك ومهما حاولوا إظهار الود والتقدير فيما بينهم، يبقى لكل منهم مشروعه الخاص، يتشابه في الأهداف، ويتصادم بعنف في المصلحة.
أردوغان، مشروعه إحياء الخلافة العثمانية وإعادة إرث أجداده وجغرافيتهم القديمة بالاستيلاء على سوريا وليبيا ومصر والخليج، بينما مسعى روحانى، تصدير الثورة الشيعية إلى خارج طهران، وإعادة مجد إمبراطورية الفرس، أما الطفل المعجزة «تميم» فأطماعه في السيطرة على الخليج، وتحديدا السعودية والإمارات والبحرين، هدف أسمى، فنظام الحمدين يشعر بضآلة دويلته الجغرافية والعسكرية، فيبحث عن التوسع بالسيطرة على الخليج، على أن تصبح المملكة العربية السعودية، ضمن ممتلكات قطر، ويُنصب «تميم» نفسه أميرا للمؤمنين.
ثلاثى الشر رأى كل منهم فرصة ذهبية لتنفيذ مخططاته، ونجحوا في تأجيج الأوضاع وإثارة الفتن، في اليمن وسوريا وليبيا، وحاولوا مع مصر وتونس بكل الوسائل، وفجروا الأوضاع في البحرين ولبنان والعراق، ووجدنا أردوغان يحتل شمال سوريا، ويحاول الآن التواجد في ليبيا، وإيران تعبث في العراق وسوريا ولبنان وتهدد الخليج، بينما «تميم» يعبث بالجميع من خلال دعم التنظيمات الإرهابية، وترويج الشائعات والأكاذيب عبر بوقه «الجزيرة» الحقيرة.
ولم يكتف ثلاثى الشر بكل هذه المخططات، وإنما قرروا التصعيد، ضد السعودية، على وجه التحديد، وباقى المحور السنى، عندما تفتق ذهنهم لسحب البساط من تحت أقدام المملكة العربية السعودية، وضرب منظمة التعاون الإسلامى في مقتل، بتنظيم مؤتمر إسلامى في ماليزيا، وتم توجيه الدعوة للقوى الإسلامية الكبرى.
وكان الرد قاسيا من السعودية وباكستان وإندونيسيا، برفض المشاركة، انطلاقا من تعرية أهداف المؤتمر، ومحاولة ضرب وحدة الدول الإسلامية، ونزع الريادة من القاهرة والرياض وأبوظبى، المحور المعتدل، واستبدالهم بدول تساند وتدعم تنظيمات وجماعات إرهابية مسيئة ومشوهة للدين، مثل أنقرة وطهران والدوحة، واعتبارها كتلة إسلامية بديلة يمكن أن تلعب دورا مغايرا لمنظمة التعاون الإسلامى التى تحتضن الرياض، مقرها.
اللافت للنظر، أن رئيس الوزراء الماليزى، مهاتير محمد، ألمح بوضوح في كلمته التى ألقاها أمام المؤتمر، إلى أن «القمة الإسلامية المصغرة» لا تهدف بالأساس إلى «التآمر» على المملكة العربية السعودية، وقال نصا: «نحن لا نميز ولا نعزل أحدا»، في مسعى واضح إلى كبح جماح غضب الرياض الذى أثار غيابها تكهنات بأن القمة تهدف إلى تحدى نفوذ المملكة.
الحقيقة أن ثلاثى الشر، أردوغان وروحانى وتميم، ذهبوا إلى ماليزيا، للمشاركة في المؤتمر بهدف ممارسة ضغوط وتمرير خطة تشكيل كيان مواز لمنظمة التعاون الإسلامى، يكون منصة للتفرقة والاستقطاب بدل الوحدة، ودعم التطرف والإرهاب، لتنفيذ مخططاتها في استعادة مجد أجدادهم المندثر اندثار الديناصورات.
لكن الدول الإسلامية الكبرى أحبطت هذا المخطط ورفضت المشاركة في المؤتمر، ورأينا باكستان، على سبيل المثال، تكشف بوضوح المخطط، وتنأى بنفسها عن اللعبة التركية الإيرانية القطرية، الهادفة إلى استفزاز السعودية، وهو ما ألمحت إليه بوضوح وزيرة الإعلام الباكستانية، فردوس عاشق أعوان، في تصريحات صحفية خلال الساعات القليلة الماضية.
لذلك من يرى أن هذا السيناريو هزلى، ويشكك فيه، فهو حر، لكن ثلاثى الشر يعتبرونه مشروع حياة أو موت، ولا بد من إقراره واقعيًا على الأرض.