السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"كوكون".. العودة إلى شرنقة العلاقات الاجتماعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل أنت في حاجة للتواصل مع أكثر من 7 مليارات شخص حول العالم؟! هذه الشبكة اللامتناهية من العلاقات التى سخرها لنا «فيسبوك» وأوهمنا بنعيم التواصل ومتعته، بات يشكل الكثير من الضغوط علينا، فإذا تمكنت من الهروب من أصدقائك وإشعارات فيسبوك التى لا تهدأ ولا تكل ولا تمل، هل ستهرب أيضا من تحديثات «واتس آب» وجروب أولياء الأمور؟ أو متابعة تفاصيل التمارين الرياضية لهم؟ أو الهروب من المجموعة المخصصة للأسرة أو العمل وغيرها؟!.. أحيانا تشعر مثلى بأن الهاتف صار مزعجا وينبغى غلقه والتخلص منه للأبد. 
الآن وقد عرفنا نقمة التواصل مع آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء العالم بشكل لا تحده حدود نحتاج لنعيم الخصوصية وراحة البال وعدم الانشغال بضرورة الرد على كل تهنئة وكل صورة ترسل لنا.. وها هم مجموعة موظفون سابقون في فيسبوك يجدون الحل.
تأتى شبكة جديدة أخيرا لتنافس عملاق التواصل الاجتماعي لتكون موجهة للأسر!.. إنها شبكة «كوكون» Cocoon أو الشرنقة التى تعنى أنه لا مزيد من الغرباء في حياتنا.. أى لا داعى لأن نقلق من الحسد الإلكترونى الذى يصيبنا بعد صورة نزهة لطيفة أو بعد رحلة سفر ممتعة. 
تتيح لنا الشبكة اختيار 10 أشخاص فقط لبناء شرنقتنا الافتراضية الجديدة للتواصل معهم ومتابعة أخبارهم وتحديثاتهم عبر الصور والإيموجى وغيرها.الآن يمكنك اختيار عائلتك الافتراضية على «كوكون» التى ستتمكن من معرفة موقعك هل أنت بالعلم أم بالمنزل؟ هل تمارس الرياضة الآن؟ ماذا تناولت على الغداء؟ في حين أنك في فيسبوك تهدر وقتا في معرفة من فقد وزنه؟ ومن اشترت حذاء أو حقيبة جديدة؟ من تناولت البيتزا كاسرة نظام الريجيم القاسي؟ 
قد ننظر إلى الشبكة الجديدة باعتبارها مهربا من فيسبوك الذى يطور خواص لقراءة أفكار المستخدمين ما يعنى أنه سيزداد خطورة وتوحشا.. لكن «الشرنقة» تعنى اختراقا أكبر للخصوصية بكل تأكيد؛ لأن شعارها «المنزل على الهاتف»!!.. الشركة أتاحت التطبيق نهاية نوفمبر 2019 على متجر آبل للتحميل المجانى لكنها أعلنت أنه سيكون مقابل اشتراك نقدى خلال الفترة المقبلة.
الشركة الجديدة تراهن على أن المستقبل سيكون للخصوصية ولكن عن أى خصوصية نتحدث؟! 
بداية من حقبة الستينيات، انشغل الباحثون بنظرية «الست درجات من التباعد» Six degrees of separation التى بموجبها توصل العلماء إلى أن أى شخصين في العالم يمكن الربط بينهما عبر ستة أشخاص آخرين على الأكثر. وعام 1990 كتب المؤلف الأمريكى جون جويير مسرحية بعنوان «ست درجات من الانفصال» والتى تحولت كفيلم لعب بطولته ويل سميث عام 1993، ليطل علينا فيسبوك عام 2006 بتطبيق فعلى لهذه الفكرة التى تجعل من العالم مكانا صغيرا جدا. 
الآن أصبح الفارق بينك وبين أى شخص في العالم كبسة زر، بل يمكنك التواصل مع دونالد ترامب شخصيا، لاشك أن هذا الموقع حقق للباحثين والصحفيين نعيما من المصادر والمعلومات والعلاقات والشهرة في كثير من الأحيان.. لكن التواصل عبر فيسبوك أصبح الجحيم بحد ذاته!! فما إن تقوم بالتواصل مع أحد الأشقاء أو الزملاء ستجد عشرات الرسائل والمكالمات في انتظارك؛ لتفقد الكثير من التركيز والقدرة على مواصلة المهام اليومية الأساسية. 
أحيانا تجد من يقتحم تلك المحادثة ويبدأ في المحادثة بدون هدف وكأن وقتك مكرسا له!! لا مجال هنا لأن تكون منخرطا في شئون منزلية أو أسرية أو حتى في العمل؛ فأنت مطالب أن ترد على الجميع.. آلاف الأصدقاء.. مهدرا وقتك وتركيزك وطاقتك.. وكأنك تعمل لدى فيسبوك بالأساس!
وقد وجدت الدراسات الحديثة أن معدلات النوم انخفضت لأقل من 6 ساعات يوميا بسبب السوشيال ميديا، فباتت البشرية أكثر انهاكا وأقل تركيزا.
الهدف من فيسبوك كان تعزيز رأس المال الاجتماعي للمشتركين في سياق الجامعة أولا، ثم توسع ليشمل الولاية ثم عدة ولايات ثم العالم بأسره. هذا النوع من العلاقات كما يعرفه علم الاجتماع خلط العلاقات العابرة والسطحية بالعلاقات القوية الرابطة، بل إنه نجح في تعزيز العلاقات الضعيفة لكنه قضى تقريبا على العلاقات الحميمية بين الأسر. كما أن فيسبوك ومخترعه أصبح على يقين بأن المشتركين اهتزت ثقتهم به إلى حد بعيد، وبات كل منا أكثر حذرا في نشر أى شيء عليه قبل التفكير مليا، فهو الآن بات يجمع الأعداء والأحباء في بوتقة واحدة حتى مع وجود خاصة الحذف فأنت لا تعلم من يتابعك ويشاهد ما تبثه من أفكار وأحلام.
ولكن لا يعنى وجود شبكة «كوكون» أنها نهاية «فيسبوك» لأنه أكثر الشبكات الناجحة التى تخطت الكثير من الصعاب ويعرف كيف يجذب المستخدم تحت إمرته، «كوكون» الآن لا تخضع لـ «فيسبوك» لكن من يدرى إذا استطاعت أن تنجح في جذب ملايين العائلات والأسر سيهيمن عليها أيضا ويشتريها.
على أى حال، ونحن على أعتاب عقد جديد تستهله سنة 2020 ربما سيتخلى الكثيرون عن الكم الهائل من العلاقات الزائفة الهشة والعودة إلى العائلة مرة أخرى ولكن وفقا لـ«كوكون» عبر فضاء الإنترنت أو في «المنزل الافتراضي». ونحن على أعتاب هذا العام الجديد ينبغى أن نتأمل في جدوى علاقاتنا ونعيد تعريف معنى الصداقة، ونحتاج لأن نفكر جديا في تعزيز أواصر العلاقات الأسرية ودفئها.. وربما توافقنى عزيزى القارئ أننا بحاجة لأن نتخلى عن العمل تحت رحمة السوشيال ميديا و«فيسبوك» على مدى الـ 24.