اتصل بى أكثر من صديق ليسألوا عن صحة ما يتداول في الإعلام المصري ووسائل الاتصال بأن الكوليسترول بريء من الإصابة بجلطات القلب والشرايين، ولا داعي للعلاج منه، وأن منظمة الزراعة الأمريكية رفعته من قائمة المحظورات، واستدل البعض ببعض كلماتى ومحاضراتى بأن القشطة والسمن البلدى غير ضار. وقالوا: أهلًا بأكل كل ما يرفع الكوليسترول فلا خطورة منه!! والحقيقة أنه اختلط الأمر على الكثيرين وحتى على الأطباء منهم. وللتوضيح الشديد والبسيط أولًا ارتباط الكوليسترول بجلطات القلب والشرايين هو ارتباط وثيق لا يساوره الشك وبمعنى أن ارتفاع الكوليسترول وتركه بدون علاج سيؤدى حتمًا إلى انسداد شرايين القلب والدماغ والأطراف خاصة إذا كان الشخص مدخنًا أو مصابًا بالبدانة أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكر. وخفض الكوليسترول الضار LDL بالتأكيد يؤدى إلى خفض فرص الإصابة بجلطات القلب والدماغ وخاصة عند مرضى السكر. فما هو إذن مصدر الالتباس؟ مصدر الالتباس كان عن مصدر ارتفاع الكوليسترول وليس عن خطر الكوليسترول. فكوليسترول الدم الضار LDL يأتى من زيادة إنتاجه من الكبد وليس له حل طبى سوى العلاج بمخفضات الكوليسترول المعروفة بالاستاتين statin أو بعض الأدوية الحديثة بالحقن. أما الكوليسترول في الطعام كالموجود في البيض والكبد والكلاوى والمخ والجمبرى وغيره من القشريات البحرية فمساهمته قليلة في كوليسترول الدم لصعوبة امتصاصة من الأمعاء فتأثيره لا يزيد على ١٠-١٥٪ من كوليسترول الدم وهو ما وجدت هيئة الزراعة الأمريكية في ٢٠١٥ أنه لاداعى لتحديد كميته في الأكل لأقل من ٣٠٠٠ مجم يوميًا كما كان معهودًا ومنصوحًا به من قبل وهو ما طالبت به لسنوات أنا وكثير من زملائى من الخبراء في التغذية الطبية، وهو ما تم رفعه فعلًا من التوصيات فيمكن للشخص البالغ أن يتناول بيضة أو اثنتين مسلوقتين يوميًا بلا خوف. وللتأكيد مرة ثانية هذا ليس معناه أن الكوليسترول غير ضار ولكن زيادته من هذا المصدر (البيض) ضئيلة. واللبس الآخر كان في خطورة الدهون المشبعة وعلاقتها بجلطات القلب والدماغ لأنها ترفع الكوليسترول الضار في الدم. وللتوضيح: الدهون المشبعة لا تحتوى على الكوليسترول ولكن تناولها بكثرة يرفع من مستوى الكوليسترول الضار في الدم بنسبة كبيرة. وتأتى الدهون المشبعة من مصدرين رئيسيين أولهما اللحوم والثانى منتجات الألبان كاملة الدسم. فالدهون المشبعة من اللحوم تزيد بلا شك من فرص الإصابة بجلطات القلب والشرايين كما أن اللحوم نفسها وخاصة المخلقة منها كاللانشون والهوت دوجز وغيرها تزيد من فرص الإصابة بالسكر من النوع الثاني. لذا للوقاية من أمراض شرايين القلب والمخ يجب نزع دهن اللحوم الحمراء والامتناع تمامًا عن أكل اللحوم المُخَلقة processed meat ولتقليل فرص الإصابة بالسكر ينصح بالإقلال من أكل اللحوم الحمراء ككل إلى مرة أو اثنتين في الأسبوع كما كنا نأكل زمان والامتناع عن اللحوم المخلقة كليًا. أما المصدر الآخر للدهون المشبعة وهو منتجات الألبان كالزبادى والجبن والقشدة والسمن البلدى فهى ذات فائدة على عكس الدارج ولا تزيد من أمراض شرايين القلب والدماغ كما كان معتقدًا من قبل، ولقد انتهينا لتونا من بحث سيعرض في المؤتمر القادم للجمعية الأمريكية للسكر يوضح أنه لا فرق بين منتجات الألبان عالية أو منخفضة الدسم على مسببات أمراض القلب والشرايين إلا أن متناولى منتجات الألبان عالية الدسم قد زاد وزنهم لكثافة السعرات الحرارية في دهن منتجات الألبان. ومعنى ذلك أنه يمكنك تناول منتجات الألبان عالية الدسم بدون خوف ولكن احذر الكمية حتى لا يزيد وزنك وبالتالى تزيد فرصة إصابتك بمرض السكر وأمراض القلب والمرتبطة أيضًا بزيادة الوزن. يبقى نوعان من الدهون أولهما قاتل جدًا والآخر مفيد جدًا! أما القاتل جدًا فهو الزيوت المهدرجة كالسمن الصناعى والموجود في جميع المعجنات كالتورت والكحك ومعظم الحلويات والبسكويت والبطاطس المحمرة والمقليات ويكفى تناول جرام واحد منه يوميًا ليزيد فرصة حدوث جلطات القلب بنسبة ٩٣٪ كما أثبتت كلية هارفارد للصحة العامة. وللأسف مصر وباكستان أعلى دولتين في العالم في استهلاك هذا السمن المصنع من الزيوت المهدرجة والذى منعته تمامًا العديد من الدول المتقدمة لخطورته الشديدة. ويحزننى جدًا مشاهدة إعلانات السمن التى تملأ المحطات المصرية بلا وعى أو رقابة من وزارة الصحة فهو السم الغذائى القاتل في علب من الصفيح! أما الدهن المفيد فهو القادم من زيت الزيتون والكانولا والأفوكادو وهى الزيوت الوحيدة التى تخفض الكوليسترول الضار وترفع الكوليسترول الحميد في الدم. ومن أفضل الدهون أيضًا دهن السمك والموجود بكثرة في السمك البورى المصرى والقراميط وغيرهما من الأسماك الدهنية فهو يخفض مستوى الترايجليسرايد triglycerides في الدم كما أن به مادة الـ EPA المضادة للالتهاب في الجسم والموجودة في دهن الأوميجا ٣ omega-3 والمتوافرة في دهون الأسماك. والأبحاث الحديثة أثبتت أن تناول الـ EPA من دهون السمك يقلل الإصابة بجلطات القلب بنسبة ٢٥٪. فرحم الله آباءنا حين كانوا يصرون على تناولنا لملعقة زيت السمك المر كل يوم قبل الذهاب للمدرسة.
إذا ما النصيحة العامة وخلاصة القول؟
أكثر من أكل الأسماك الدهنية أو تناول زيت السمك وأكثر من زيت الزيتون والكانولا، ولا مانع من أكل البيض المسلوق واحدة أو اثنتين يوميًا، كما أنه لا مانع من شرب اللبن كامل الدسم وتناول منتجات الألبان كالجبن والقشدة والسمنة البلدى ولكن باعتدال شديد لزيادة سعراتها الحرارية مما قد يزيد الوزن، وأفضل منتجات الألبان الزبادى والجبن المخمر كالجبن الأزرق والرومى وحتى المش لاحتوائها على بكتيريا اللاكتوباسيلس lactobacillus المفيدة للجهاز الهضمى وللصحة عمومًا.
وامتنع تمامًا عن دهون اللحم وتوقف عن أكل الدهون المخلقة كاللانشون والهوت دوجز وغيرهما ولا تدخل بيتك بتاتا السمن الصناعى وكل ما دخل فيه السمن الصناعى، وتوقف عن المحمرات في الزيوت والسمن الصناعى كالبطاطس الشيبس وغيرها. وإذا أكلت اللحوم الحمراء فلا تكثر عن مرتين أسبوعيا مع نزع الدهن، وأكرر توقف عن أكل اللحوم المخلقة كاللانشون والهوت دوجز والبلوبيف إن كنت تريد أن تتمتع بقلب صحيح وشرايين سليمة. هذه رسالتى العلمية لآذان تسمع وعقول تعي!