دوما يمكنك رؤيتهم كل يوم، الشعر الأشيب يعلو رأسهما، يجلسان بجوار بعضهما تحت ظل شجرة تطل على نهر النيل، ينظران للنيل ويتذكران معا حكايتهما معه «جابر وعبدالرحيم»، ويقول جابر:
«دوما كنت أحب الجلوس فى ذلك المكان برفقة صديقى جابر، أنزوى جانبًا، أخلع عنى جلبابي، تدوس قدماى الأرض حافيًا، أتوجه نحو النيل لاصطياد الأسماك، ثم أجلس فى زاوية أمد جسدى بعد عناء لأستريح، وكأنى فى فندق خمس نجوم.
تقدم العمر، وأصبحت المياه الأكثر دفئًا مصدر إصابتى بالشيخوخة، كان على أن أترك النيل بأحزانه وأفراحه، وأن أعمل فى مهنة أخرى.. مظاهر المدنية الحديثة سلبت من العجوزين شغفهما، والشيوخة قضت على ما تبقى من شغف، فى الاصطياد من مياه النيل، مزارع الأسماك جعلت عبدالرحيم يتجه إلى مهنة أخرى، وعملت فى الصيد من ٥٠ عامًا، أحمل من الذكريات الكثير.. ولكن كل شيء أصبح كبخار الماء، شغف الحياة، الاستيقاظ فجرًا، السعى والجري، ورمى الشباك لم يعد كما كان، المزارع السمكية جعلت مطاعم السمك تجلسنا فى البيت، فسعر السمك البلدى أغلى عن مزارع الصيد، والناس لا تفرق بين طعم البلدى والمزارع.
لم يعد كل ذلك يشغل اهتمام الصديقين ولكنهما يقدمان كل يوم صباحا، يجلسان وأمامهما بعض الفاكهة، يتسامران ويعودان بالزمن، وينتظران «الزبون» ويصيحان فى المارة: امتى تفرقوا بين البلدى والمزارع؟
«دوما كنت أحب الجلوس فى ذلك المكان برفقة صديقى جابر، أنزوى جانبًا، أخلع عنى جلبابي، تدوس قدماى الأرض حافيًا، أتوجه نحو النيل لاصطياد الأسماك، ثم أجلس فى زاوية أمد جسدى بعد عناء لأستريح، وكأنى فى فندق خمس نجوم
ما يحدث الآن على الساحة الأمريكية من سيناريو ضعيف يحاول من خلاله الساسة الأمريكيون إيهام العالم بأن بلاد العم سام هى أم الديمقراطية.
وفى حقيقة الأمر فإن المسرحية الهزلية التى يديرها مجلسا الشيوخ والنواب لعزل الرئيس دونالد ترامب ما هو إلا صراع فاضح بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى حيث سبق وتكرر هذا المشهد فى الساحة الأمريكية بمعطيات مختلفة مع الرئيسين نيكسون وبيل كلينتون ولم يتم عزل أى منهما حيث استقال نيكسون وتولى نائبه جيرالد فورد منصب الرئيس وعفا عنه فى قضية وتر جيت الشهيرة فى السبعينات ولم يفلح مجلسا الشيوخ والنواب فى عزل بيل كلينتون هو الآخر.
كل ما هنالك إجراءات وشو إعلامى صهيونى للدعاية للديمقراطية الأمريكية الزائفة وفى نفس الوقت يلهون العالم عن قضايا حقيقية تهم البشرية تتعلق بالأمن والسلم العالمى والتنمية المستدامة ومحاولة إنهاء الحروب التى أشعلتها الديمقراطية الأمريكية تحت مسمى حروب الجيل الرابع.
وكعادة السياسة دائما تجد البعض يلعب فوق الطاولة وهناك من يدبر ويخطط أسفلها!!
فالشواهد التى تشير إلى زيف السياسة الأمريكية كثيرة وكلنا يتذكر كيف أوهم الأمريكان العالم بأن العراق يمتلك قنابل نووية بتواطؤ مع بعض المسئولين فى وكالة الطاقة الذرية التى هى المسئول الأول عن هذا الملف فى العالم وليس الشرطى الأمريكي.. وكعادة الإنجليز اللعب دائما أقاموا أدوارا إستعمارية فى السياسة العالمية قاموا بطبخ وجبة احتلال العراق على نار هادئة فى ١٠ داون ستريت وهو مقر الحكومة البريطانية فى لندن وتحالف شياطين العالم لبدء مخطط تقسيم الشرق الأوسط لصالح إسرائيل وقاموا بغزو العراق واحتلاله ونهب ثرواته وخلفوا وراءهم دمارا شاملا وأكثر من مليون قتيل ومصاب، وفتحوا الباب على مصراعيه للتدخل الإيرانى فى شئون العراق الذى لا يزال يعانى من أمراض الأمريكان والإنجليز والإيرانيين.. ولم يكتفوا بذلك بل ابتدعوا حروب الجيل الرابع وكشفوا عن وجه داعش القبيح الذى بدأ مرحلة جديدة لإنهاء العراق.
ولأن الأمة العراقية يسبقها حضارة عظيمة قدمت للعالم الكثير فى العصور السابقة فإن تلك الحضارة هى سلاحها القوى الذى تستمد منه قوتها وهى كفيلة بعودتها إلى سابق عهدها وحضن أمتها العربية وإحدى البوابات المهمة التى تحمى الأمة العربية.
لذلك أعود وأقول إن مسرحية محاكمة الرئيس الأمريكى ترامب ومحاولة عزله من منصبه سوف تنتهى هزلية كما بدأت لأنها وصلت إلى المحطة الأخيرة حيث التصويت من قبل مجلس الشيوخ الذى يضم أغلبية من الحزب الجمهورى الذى ينتمى له ترامب وبالتالى سيصوت الأغلبية ضد قرار عزل الرئيس الأمريكى والذى قد يصل بعدها إلى ما هو أبعد من ذلك ويفوز بدورة ثانية للرئاسة الأمريكية حيث يعشق الأمريكان البدع، وبالتالى لا تستبعد أن يصوتوا لصالح ترامب الذى لا يمتلك أى قدرة سياسية ولكنه يقود أمريكا بأسلوب إدارة الشركات الكبرى بصفته رجل أعمال ناجح.
لكن هناك دروسا مهمة يجب أن نتعلم منها الشىء الكثير فيما يحدث داخل المجتمع الأمريكى وما تجعله يعيش متماسكا ويتصدر المشهد العالمى حيث يأتى فى مقدمة هذه الدروس ضرورة العمل على تحويل الدولة إلى دولة مؤسسات وليست دولة تدار بفكر أفراد ليس لها استراتيجية واضحة وراسخة ينبثق منها أهداف مرنة يمكن تغيير بعضها حسب المعطيات الموجودة والظروف التى تعيشها الدولة والعالم المحيط وفق ما يحميها من استراتيجية تجعل تغيير الأفراد على حسب القدرة على تنفيذ العمل المؤسسى مع وضع خطط قوية للنهوض بالصناعة والتعليم والبحث العلمى والصحة وأيضا دعم مؤسسات المجتمع المدنى بالصورة التى تجعلها تخدم المجتمع.
وأتصور أننا بدأنا المضى فى الطريق الصحيح لكنه يحتاج مجهودات شاقة لتغيير بعض الثقافات البالية التى تتعلق بالفساد ووضع الرجل غير المناسب فى المكان الذى لا يستحقه والابتعاد كليا عن تفضيل أهل الثقة على أصحاب الكفاءة والعلم.
والله من وراء القصد.