المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، التى يؤسسها الشباب، هى كلمة السر في تنمية الاقتصاد، ومن شأنها توفير الملايين من فرص العمل، والحد من الفقر والبطالة، وإنعاش الجنيه مقابل سلة العملات الأجنبية وخاصة الدولار، من خلال زيادة التصدير.. كما تعمل هذه المشروعات على تحقيق طموحات الشباب، وتفتح لهم أبواب الأمل والنجاح، خاصة وأنها لا تحتاج لرأسمال كبير.
وتعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عصب الاقتصاد الوطنى كونها المشغل الأكبر للأيدى العاملة، وتسهم في زيادة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المتحققة من المنتجات التى تصنعها، وعند النظر إلى الاقتصاديات المتقدمة فإن المشروعات الصغيرة، أو ما تعرف بمشروعات الغلابة، قادت دولا كثيرا مثل أمريكا وألمانيا، والصين والهند واليابان، للتربع على قائمة الاقتصاد العالمي، وهى قاطرة للنمو الاقتصادي.
ففى دولة كأمريكا، يمثل إنتاج المشروعات الصغيرة ما يزيد على 50% من الناتج المحلي، ورغم أن الاقتصاد الأمريكى هو أكبر اقتصاد رأسمالى في العالم، لكنه يدعم هذه المشروعات ويساندها أمام العقبات التمويلية والتسويقية، وأحيانا كثيرة حرصت الحكومة الفيدرالية الأمريكية، على شراء منتجات هذه المشروعات، دعما لها، مما أدى إلى انتقال عدد منها إلى شركات كبرى مثل شركات «آبل، وإنتل، وفيدرال إكسبريس، وكومباك، وأمريكا أون لاين».
وتعد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أهم ركائز الاقتصادات المعاصرة، فهى تسهم في تقليل حدة البطالة، وزيادة النشاط الاقتصادي، وتطوير الصادرات وتحسين التنافسية.. فالحكومة الصينية تقدم دعمًا هائلًا لهذه المشاريع، وهى تسهم بـ59% من الدخل القومى للصين، و50% من الضرائب، و68% من مجموع التجارة الخارجية، وتستقطب 75% من العمالة، وفى هونغ كونغ بلغ عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة 330 ألف مشروع تمثل 98% من الأعمال التجارية، وتستقطب 45% من القوى العاملة، ورغم امتلاك كوريا الجنوبية لشركات ضخمة، إلا أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشهد نموًا كبيرًا وتحقق أرباحًا ضخمة نتيجة لسيطرة هذه المشاريع على نسبة كبيرة من اقتصاد البلد، ويوجد ما يقارب 3 ملايين مشروع صغير ومتوسط، يشكل 99%من الأنشطة التجارية في كوريا، ويعمل بها 87.7% من الأيدى العاملة.. وفى مصر يقوم هذا القطاع بتشغيل 75% من إجمالى القوى العاملة بواسطة أكثر من 2.5 مليون منشأة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة.
ونظرا للأهمية الكبرى لهذه المشروعات، تحرص الحكومات على توفير الدعم المادى لها حتى تتمكن من توسيع نطاق عملها، وفى هذا الإطار وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، مرات عديدة الحكومة بدعم المشروعات الصغيرة، ومولت البنوك هذه المشروعات بنحو 115 مليار جنيه من ديسمبر 2015 حتى ديسمبر 2018، ضمن مبادرة الرئيس لدعم مشروعات الشباب بـ200 مليار جنيه، وبلغ عدد العملاء المقترضين خلال هذه الفترة 491 ألف عميل أغلبهم في المشروعات الصغيرة، وكان لجهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، دور كبير في متابعة تنفيذ تكليفات الرئيس، حيث قام بتمويل إنشاء 4500 مصنع على مستوى المحافظات، ونظرًا لأهمية الجهاز قرر الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الحكومة، نقل تبعيته لرئاسة مجلس الوزراء، من أجل تقوية أدائه ودعم دوره الفاعل في تمويل مشروعات الشباب.. وقد وجه الرئيس أيضًا الحكومة بزيادة موارد الجهاز المالية لمضاعفة نشاطه ومشروعاته وخدماته باعتباره ذراعًا تنموية مهمة للحكومة لتلبية احتياجات الشباب الراغبين في تنفيذ مشروعات وأنشطة تجارية صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر، خاصة في المجالات الإنتاجية والصناعية والخدمية من خلال حزم تمويلية متنوعة تتوافق مع كل الطلبات والرغبات.
ورغم الدعم الحكومى لكن مازالت هناك الكثير من العقبات أمام هذه المشروعات، مثل صعوبة التمويل وإجراءاته، وارتفاع تكاليف الإنتاج والطاقة، وقلة وجود الدعم المجتمعى لها، لذا يجب تشجيع هذه المشروعات، وتسهيل إجراءاتها وتراخيصها، وإزالة معوقات تكلفة الضرائب والجمارك، ودفع مستويات التصدير للأمام، وتنشيط عمليات «التجارة البينية» مع الدول العربية وخاصة دول الخليج لدعم نشاط الصناعات المحلية ورواجها في الدول العربية، وإطلاق حوافز تيسيرية لقطاع الصناعة وتقليل العوائق التى تواجهه وتشجيع الشباب والمستثمرين.
ويجب التوسع في المشروعات البسيطة التى لا تحتاج إلى مصانع أو رأس مال كبير مثل محالات الخياطة والجلود التى لا تحتاج إلا إلى ماكينات صغيرة وعدد من العمالة وهى من المشاريع الناجحة والمضمونة وعن طريقها يمكن جنى الكثير من الأرباح، كما طالب بالتمكين الاقتصادى للمرأة وخاصة المرأة المعيلة، وصاحبات المشروعات الصغيرة، وخاصة بالأماكن الريفية بالدلتا والصعيد من خلال توعيتهن وتقديم الدعم المالى والمعنوى لهن، لتوفير فرص عمل دائمة ومؤقتة لهن وتحسين ظروفهن المعيشية والاقتصادية، وذلك في إطار إستراتيجية الدولة للتنمية المستدامة.
وعلى نواب البرلمان، دور مهم لدعم هذا القطاع، من خلال تعديل تشريعات المشروعات الصغيرة لتحديد مفهوم واضح لها ينهى معاناة الشباب ويقضى على الروتين والقوانين والبيروقراطية المعطلة لانطلاق هذا القطاع المهم والحيوي، وكذلك الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات في تهيئة بيئة متكاملة تهدف إلى الإسراع بتنمية القطاع وتشجيعه على الاستثمار وتعظيم فرص نجاحه، وأخيرًا هيكلة وضم الاقتصاد الموازى أو غير الرسمى أو ما يطلق عليه اقتصاد بير السلم للاقتصاد الرسمي.