يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا - دائمًا - كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عامًا من الأخلاق.
الواقع - الآن - في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
.................................................
والى مصر يجرى تغييرات بالجيش قبل المواجهة على أبواب إسطنبول (24)
قبل أن يلتقى الجيشان في ميدان المعركة الحقيقى كانت الدبلوماسية مازالت تلعب أدوارها المعلنة والخفية، حيث سعى قنصل فرنسا لدى تركيا إلى الصلح بين مصر وتركيا ونزول السلطان على مطالب الوالى، وكالعادة أرجأ السلطان الرد لأسبوع كامل قبل البت النهائى في مطالب مصر، وهنا اتضح لسفير فرنسا نوايا تركيا العدائية تجاه مصر، إلا أن الباب العالى لم يتركه يقف على حقيقة الأمر بل دفع إليه صديقه ريس أغندى الذى فسر له أن الانتظار ليس مماطلة وإنما جاء بعد موافقة المجلس في تركيا، وإن من يقوم بالتعطيل والكخيا برتو الصديق المقرب من السلطان، ولم تقف روسيا موقف المتفرج بل بادرت بارسال أسطولها إلى البحر المتوسط تحت إمرة تركيا في حربها ضد مصر، وأبلغ الجنرال موارفيف السلطان بانتظار أوامره لدعم الأسطول العثمانى ضد نظيره المصرى، وعلى الطرف الثانى من ميدان المعركة الدبلوماسية كان والى مصر يسير بجناحين الأول التشاور مع الدول الكبرى في شأن مطالبه من السلطان في ضم سوريا إلى مصر والثانى كان دعمه المتواصل للجيش المصرى حيث أرسل فرقة من المشاة مكونة من ستة أورطة مشاة بقيادة الميرالاى كانى بك، ولم تكن تلك الفرقة الوحيدة بل أمد والى مصر الجيش المصرى بفرقة أخرى بقيادة اللواء محمد بك ناظر الجهادية، وأحدث تغييرا في قيادات الجيش حيث عين لنظارة الجهادية إبراهيم بك الذى كان مديرا للمهمات وذلك لحاجاته لقادة أكفاء على دراية باحتراف فنون القتال، فضلا عن بناء الأسطول المصرى لعدد من السفن جاوز العشر سفن حربية، ودعم إبراهيم باشا بعدد 600 فارس من عرب الجوازى و300 من عرب أولاد على، كما عين والى مصر كلا من سليمان أغا فبجى ناظرا لأعمال تحصين عكا، وأحمد باشا يكن قائدا للقوة العسكرية بالحجاز، واللواء اسماعيل بكأميرا على مكة، وللدعم المعنوى للمقاتلين المصريين وقاداتهم أرسل إلى قائد الجيش نيشانا من الألماس محفور عليه «لك عون الله».
وبهذا أتم والى مصر خطته الدبلوماسية وأتم استعداده حال أن تؤدى السياسة إلى الحرب التى رأى أنه لا مفر من وقوعها.
أما القائد إبراهيم فقد بادر بالتنسيق مع الأمير بشير ليعاونه في تحصين الشام وأطلق يده في تعيين المتسلمين على ولايات الشام وخاصة في صور وصيدا وطرابلس واللاذقية والتى عين عليهم أبناء عمومته أمراء الشهابية ليضمن الولاء للجيش المصرى في إمارات الشام.
واستجلب القائد إبراهيم المقاتلين من بلاد أدنة وكرمانيا وعمل على تدريب الجيش على قتال الجبال والمرتفعات وتنفيذ خططه في مواجهة عسكر السلطان العثمانى حتى أتم الجيش بكامله الاستعداد للمواجهة.
وسنوالى في عدد قادم إن شاء الله تفاصيل المداولات بين القادة المتحاربين وسير المعارك.