بعضنا يتحدث كثيرًا عن ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية كخطوة أولى وضرورية على طريق التقدم، ولكن أحدًا منا لم يتطرق إلى مشكلة حقيقية وخطيرة يعانيها مجتمعنا فى السنوات الأخيرة، ألا وهى «التربية» فنظرة بسيطة لمدة دقائق معدودة على مواقع التواصل الاجتماعى ستكشف لنا خطورة ما وصل إليه مجتمعنا من تدنى لغة الحوار والتراشق بالألفاظ والكبرياء والغرور مع السطحية والجهل وافتقار القيم التى تربينا عليها كاحترام الكبير وتوقيره حتى وإن أخطأ،وكذلك قيم الرحمة والرفق والتسامح،والأمر ذاته ستجده واضحًا بمجرد أن تسير لدقائق أخرى فى الشارع المصرى،حيث ستستمع لشباب ينادى بعضه بأقذر الألفاظ،ولا تكاد تخلو جملة واحدة فى حديثه من سب الدين، ونعت الأم بلفظ يخرق الآذان حتى وإن كان على سبيل المزاح، وصار من الطبيعى أن تستمع فى الشارع إلى أصوات خارجة من الأنف ومن الفم كنا حتى وقت قريب نعتبر فاعلها مارقًا ومجرمًا ولابد من اجتنابه ونبذه لأن أحدًا من أهله لم يعلمه الأدب، وكنا نعتقد أن هؤلاء هم أبناء أسر مشردة وغير راقية فإذ بنا نكتشف اليوم أن فاعل هذه الأشياء ومردد تلك الألفاظ إنما ينتمى إلى أسر كبيرة وميسورة،وأنه يرتدى آخر الثياب ويقود أغلى السيارات،وما انتشار ظاهرة التحرش وما نراه من فيديوهات على تطبيق «تاك توك» لبناتنا وشبابنا إلا خير دليل على ما وصلنا إليه من تردى أخلاقى نتيجة إغفال الآباء عن تربية أبنائهم منذ الصغر وذلك لانشغالهم بالبحث عن لقمة العيش وكذلك انشغال المدرس بالمنهج وبمواعيده المزدحمة ما بين السنتر والبيوت ليجد الابن نفسه فريسة للإنترنت الذى أصبح يجالسه أكثر من أى شىء آخر،فيدخل إلى هذا العالم الافتراضى وهو بعد لم يجد من يعلمه العيب والحرام والخطأ والصواب، وهو لا يعلم أيضًا أن الإنترنت يصدر ثقافة مغايرة لثوابتنا، فتجد به لعبة تعلم الأطفال السرقة، ولعبة أخرى تعلمهم القتل وكلما قتلت حيوانًا أو بشرًا أخذت نقاطًا وتم تسجيل اسمك فى سجل المنتصرين الذى يطالعه كل من يمارس هذه اللعبة الإلكترونية،هذا بجانب المواقع الإباحية التى تطاردك ومواقع الإلحاد والتطرف،والصفحات الداعية لليأس والانتحار،وهكذا فنحن حين نعطى أبناءنا هاتفًا ذكيًا فإنما نهديه قنبلة موقوتة ستقضى عليه وتخلق منه كائنًا مشوهًا.. شرسًا، لا يعرف شيئًا عن الرحمة والتسامح واحترام المرأة والكبير،هذه القيم النابعة فى الأساس من الأديان السماوية ومن تراثنا الإنسانى والتى تضمن وحدة المجتمع، والتعايش السلمى مع الآخرين والتى إن افتقدناها سنصبح على شفا حفرة من نار وسيصير المجتمع هشًا قابلًا للكسر فى أول محنة تقابله،وهذا ما رأيناه واضحا فى أحداث يناير 2011 وما بعدها، حين حمل أحدهم لافتة فى التحرير كتب عليها «ارحل يا حمار الطيارة فى المطار» وحين راح الناس يسرقون المحال والمولات وماكينات الصرافة، وحين حرق بعض الذين يسمون أنفسهم ثوارا المجمع العلمى وأقسام الشرطة،وحين كنا نتقاتل فى الشارع دون رحمة،وحين أعلنت الجماعات المتأسلمة الحرب على المصريين الشرفاء الذين خرجوا فى 2013 للوقوف ضد مؤامرة تدمير الدولة المصرية،وحين قام أحدهم بإلقاء الأطفال والصبية من فوق سطح أحد المنازل..والتربية يا سادة هى مسئولية المجتمع بأكمله وليس الآباء فقط،صحيح أنها تبدأ بالآباء ولكن المدرسة تشترك فيها وكذلك الجيران والأقارب،ولأننا نسينا فكرة التربية خلال السنوات الأخيرة وصلنا إلى ما نحن فيه من تدن أخلاقى يظهر جليًا فى تعاملاتنا اليومية،وأصبح من النادر أن تجد شخصًا مهذبًا لا يتفوه بألفاظ بذيئة ومن النادر أيضًا أن تجد أمًا توجه صغيرها بكلمة «لأ.. عيب كده» أو «هذا لا يصح» بل هناك من تحفز ابنها على ضرب زميله إذا قام بالاعتداء عليه أو مبادلته الشتائم،وهناك من تربى ابنها على أن السرقة شطارة وأن الكذب نصاحة وأن النصب ذكاء،ويشب الطفل داخل الأسرة التى أصبحت تلوك هذه الألفاظ البذيئة فيحفظها عن ظهر قلب ويرددها بشكل طبيعى،ولست أنسى أننا عندما كنا أطفالًا لم يكن أحدنا يجرؤ على التلفظ بأى كلمة سيئة لأننا تربينا على قول النبى صلى الله عليه وسلم «أقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» ومن الضرورى أن ننتبه لهذه الظاهرة التى تضرب أساس المجتمع المصرى وتجعله قابلًا للانهيار، وصدق شوقى حين قال: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا» فإذا أردنا الحفاظ على هذه الأمة وكيانها فعلينا أن نهتم بالتربية قبل التعليم،وإذا كانت الأسرة لا تربى أبناءها فعلى المدرسة أن تقوم بهذا الدور فهى وزارة التربية والتعليم،أى أن التربية مقدمة على التعليم،فأين هى التربية؟ إننا بحاجة ماسة لمن يقول لنا هذا عيب وهذا خطأ وهذا حرام،فبدون هذه الأخلاقيات ستجد من يعذب حيوانًا دون رحمة ويفاخر بذلك فى فيديو مصور تمامًا كما حدث مع كلب المطرية هذا الأسبوع، هؤلاء الذين نسوا أن النبى صلى الله عليه وسلم حدثنا عن امرأة دخلت النار فى هرة وعن رجل دخل الجنة لأنه سقى كلبًا.
آراء حرة
واحة الخميس.. التربية ودور الأسرة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق