هى إحدى أشهر عمليات المخابرات على المستوى المصرى – الإسرائيلى وربما على المستوى العالمى أيضا، جرت العملية في أوائل الخمسينيات في مصر، يطلق عليها أيضا «فضيحة لافون» في إشارة إلى بنحاس لافون وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق غير أن الاسم الحقيقى للعملية هو «سوزانا».
تم التخطيط للعملية بحيث يقوم مجموعة من الشباب الإسرائيلى المدرب بتخريب بعض المنشآت الأمريكية الموجودة في مصر بهدف زعزعة الأمن المصرى وتوتير الأوضاع بين مصر وأمريكا.
في هذا العام استقال بن جوريون من رئاسة الوزارة ووزارة الدفاع، وتوجه إلى الاستيطان في (مستوطنة) سد بوكر في النقب.
وجاء بدلا منه موشى شاريت في رئاسة الوزراء وبنحاس لافون في وزارة الدفاع، في الوقت الذى أصبح وضع إسرائيل دوليا في منتهى التعقيد، فالاتحاد السوفييتى أصبح دولة عظمى معادية، وبريطانيا على وشك سحب قواتها المرابطة في منطقة السويس، والإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس ايزنهاور تنكرت جزئيا لإسرائيل، على أمل فتح قنوات جديدة مع النظام المصرى بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر.
وضعت المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلى – وهى المختصة بتفعيل شباب اليهود - خطة للتخريب والتجسس في مصر تقوم باعتداءات على دور السينما والمؤسسات العامة، وبعض المؤسسات الأمريكية والبريطانية، وكان الأمل معقودا على أن تؤدى هذه الأعمال إلى توتر العلاقات المصرية الأمريكية، وعدول بريطانيا عن إجلاء قواتها من السويس. وفى يوم الأربعاء الثانى من يوليو ١٩٥٤، انفجرت فجأة ثلاثة صناديق في مبنى البريد الرئيسى في الإسكندرية ملحقة أضرارًا طفيفة وعثرت السلطات المصرية على بعض الأدلة عبارة عن:
- علبة أسطوانية الشكل لنوع من المنظفات الصناعية كان شائعا في هذا الوقت اسمه «فيم».
- جراب نظارة يحمل اسم محل شهير في الإسكندرية يملكه أجنبى يدعى «مارون أياك».
وكان من تولى التحقيقات هو الصاغ ممدوح سالم وزير الداخلية فيما بعد ثم رئيس الوزراء ثم مساعدان لرئيس الجمهورية.
وفى الرابع عشر من يوليو انفجرت قنبلة في المركز الثقافى الأمريكى (وكالة الاستعلامات الأمريكية) في الإسكندرية. وعثر في بقايا الحريق على جراب نظارة مماثل لذلك الذى عثر عليه في الحادث الأول، غير أن السلطات المصرية رأت أن الشبهات تنحصر حول الشيوعيين والإخوان المسلمين. وبرغم أن الصحافة لم تتجاهل الموضوع هذه المرة لكنها أشارت إلى الحريق باعتباره ناتجا عن «ماس كهربائي»!.
وفى مساء اليوم نفسه انفجرت قنبلة أخرى في المركز الثقافى الأمريكى بالقاهرة وعثر على جرابين من نفس النوع يحتويان على بقايا مواد كيميائية.
وفى الثالث والعشرين من يوليو (الذكرى السنوية الثانية للثورة) كان من المفترض وضع متفجرات في محطة القطارات ومسرح ريفولى بالقاهرة ودارى السينما (مترو وريو) في الإسكندرية، غير أن سوء الحظ لعب دوره واشتعلت إحدى المتفجرات في جيب العميل المكلف بوضع المتفجرات بدار سينما ريو فأنقذه المارة ولسوء حظه تواجد رجل شرطة في المكان تشكك في تصرفاته فاصطحبه إلى المستشفى بدعوى إسعافه من آثار الحريق وهناك قال الأطباء إن جسم الشاب ملطخ بمسحوق فضى لامع وأن ثمة مسحوقا مشابها في جراب نظارة يحمله في يده ورجح الأطباء أن يكون الاشتعال ناتجا عن تفاعل كيميائي.
وبتفتيش الشاب عثر معه على قنبلة أخرى عليها اسم «مارون أياك» صاحب محل النظارات. وتم اعتقاله، وبمواصلة التحريات تم القبض على:
صمويل باخور عازار يهودى الديانة يبلغ من العمر ٢٤ عاما مهندس وهو مؤسس خلية الإسكندرية وزعيمها لبعض الوقت قبل أن يتنازل عن الزعامة لفيكتور ليفى الذى يفوقه تدريبا.
ومن اعترافات عازار وصلت السلطات إلى ماير موحاس ذى الأصل البولندى وهو يهودى الجنسية عمره ٢٢ عاما يعمل كوسيط تجارى (مندوب مبيعات).
وكان أخطر ما اعترف به موحاس هو إشارته إلى جون دارلينج أو أبراهام دار الذى اتضح فيما بعد أنه قائد الشبكة ومؤسس فرعيها بالقاهرة والإسكندرية وأحد أخطر رجال المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت.
في أعقاب سقوط الشبكة في مصر وما صاحبها من دوى عالمى أصدر موشى ديان رئيس الأركان في ذلك الوقت قرارا بعزل مردخاى بن تسور من قيادة الوحدة ١٣١ وتعيين يوسى هارئيل بدلا منه فما كان من الأخير الا أن اتخذ أحد أكثر القرارات غرابة في تاريخ المخابرات بأن استدعى جميع العملاء في البلاد العربية وأوقف جميع النشاطات.
في الحادى عشر من ديسمبر عام ١٩٥٤ جرت محاكمة أفراد الشبكة في محكمة القاهرة العسكرية التى أصدرت أحكامها كالتالي:
الإعدام شنقا لموسى ليتو مرزوق وصمويل بخور عازار (تم تنفيذ الحكم في ٣١ يناير ١٩٥٥).
الأشغال الشاقة المؤبدة لفيكتور ليفى وفيليب هرمان ناتاسون.
الأشغال الشاقة لمدة ١٥ سنة لفيكتورين نينو وروبير نسيم داسا.
الأشغال الشاقة لمدة ٧ سنوات لماير يوسف زعفران وماير صمويل ميوحاس.
براءة إيلى جاكوب نعيم وسيزار يوسف كوهين.
وتجاهل الحكم ماكس بينت لأنه كان قد انتحر في السجن!، وأعيدت جثته لإسرائيل بعد ذلك بأعوام.
في أعقاب المحاكمة حاولت إسرائيل استرضاء مصر للإفراج عن التنظيم بعد أن وصل الشارع الإسرائيلى إلى مرحلة الغليان، والعجيب أن الولايات المتحدة وبريطانيا اشتركتا في هذا الطلب فقد بعث الرئيس الأمريكى ايزنهاور برسالة شخصية إلى الرئيس عبدالناصر يطلب الإفراج عن المحتجزين «لدوافع إنسانية» وبعث أنتونى إيدن وونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطانى ومسئولين فرنسيين بخطابات وطلبات مماثلة غير أنها جميعا قُوبلت بالرفض المطلق.
وفى ٣١ يناير ١٩٥٥ تم تنفيذ حكمى الإعدام في موسى ليتو مرزوق (دُفن بمقابر اليهود بالبساتين) وصمويل بخور عازار (دُفن بمقابر اليهود بالإسكندرية) وعلى الفور أعلنهما موشى شاريت «شهداء».. ووقف أعضاء الكنيست حدادا على وفاتهما وأعلن في اليوم التالى الحداد الرسمى ونكست الأعلام الإسرائيلية وخرجت الصحف بدون ألوان وأطلق اسما الجاسوسين على شوارع بئر سبع.
واستمرت الفضيحة في إسرائيل..
فقد اتضح أن موشى شاريت رئيس الوزراء لم يكن على علم بالعملية على الإطلاق!، وكان لا بد من كبش فداء واتجهت الأنظار إلى بنحاس لافون وزير الدفاع الذى أنكر معرفته بأى عملية تحمل اسم «سوزانا»!.. وتم التحقيق معه لكن التحقيق لم يسفر عن شيء.
واستقال بنحاس لافون من منصبه مجبرا وعاد بن جوريون من جديد لتسلمه، كما عزل بنيامين جيلبى مسئول شعبة المخابرات العسكرية ليحل محله نائبه هركافى.
وفى بداية عام ١٩٦٨ تم الإفراج عن سجناء القضية ضمن صفقة تبادل للأسرى مع مصر في أعقاب نكسة يونيو. واستقبلوا في إسرائيل «استقبال الأبطال» وحضرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بنفسها حفل زفاف مرسيل نينو بصحبة وزير الدفاع موشى ديان ورئيس الأركان.
وتم تعيين معظم هؤلاء الجواسيس في الجيش الإسرائيلى كوسيلة مضمونة لمنعهم من التحدث بشأن القضية.
وبعد ٢٠ سنة من أحداث عملية سوزانا ظهرت مارسيل نينو وروبير داسا ويوسف زعفران للمرة الأولى على شاشة التليفزيون الإسرائيلى وهاجموا الحكومات الإسرائيلية التى لم تكلف نفسها عناء البحث عن طريقة للإفراج عنهم!!.
«من أوراق دانيال البرزى»