الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

«ميت كنانة».. قرية تصدر منتجاتها للعالم.. 10% من السكان يعملون في صناعة الشماسي من أعواد «التمر حنة»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواجه الحرف اليدوية في مصر صراعًا من أجل البقاء، فهى تندثر مع مرور الزمن رغم أنها تحمل طابعًا ثقافيًا مصريًا، وترمز لحضارتنا العريقة، وتعبر عن الهوية المصرية، ويعتمد الحرفى على مهارته وخبرته التى اكتسبها أثناء عمله بالوراثة والممارسة، باستخدام الخامات البدائية المتوافرة، ليصنع تحفًا فنية تحمل في طياتها عراقة مصر وأصالتها. 
ورغم اندثار الحرف اليدوية في مصر، فإن هناك قريًة بسواعد أبنائها أضاءت نورًا وأملًا ليخترق العتمة، فهنا في قرية «ميت كنانة» التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، يعمل أكثر من 10% من أهلها في صناعة الشماسى والمشنات وأسوار الكافيهات وتزيين حدائق الفيلات وصناعة التندات والأبواب من أعواد «نبات التمر حنة»، فتمثل «الصنعة» باب رزق أساسيا لأصحاب هذه الأنامل الذهبية ليعبروا بفنهم خارج أسوار قريتهم ومصر بأكملها، إلى القرى السياحية في دول الخليج واليونان والعديد من الشواطئ العالمية. 



صابر سعيد: موسم «بيع الشماسى» شهرين في السنة 
يقول صابر سعيد، أحد أبناء القرية التى تتخذ حرفة الصناعة من أعواد تمر الحنة مهنةً لها: «ميت كنانة هى القرية الوحيدة على مستوى العالم التى تتنج مصنوعات يدوية وفنية بهذا الشكل، بعد أن يحصلوا عليها من إدفو وأسوان، ويتم نقعها في الماء لمدة عشر أيام حتى تلين ليتم تشكيلها على هيئة مشنات وحصر وشماسى وأبواب خشبية وتندات».
وأضاف «سعيد»: «عشقت الحرفة منذ أن كان عمرى عشرين عامًا، وظللت أتعلمها مدة عامين حتى أصبحت صناعة منتجات أعواد تمر الحنة أسهل ما يمكن القيام به، حيث أستطيع صنع شمسية بقطر تسعة أمتار خلال تسع ساعات، وتستغرق المشنة ساعة أو ٤٠ دقيقة، والحصيرة بقطر ٣ أمتار تستغرق ٥ ساعات»، وأشار «صابر» إلى أن المشنات التى تستخدم للخبز أو الفاكهة ليس لها مردود مادى يغطى تكاليف الخامات، لذلك طور الأهالى مهنة الآباء والجدود، وابتكروا صناعة الشماسى التى تستخدم للشواطئ والمقاهى والحدائق العامة، وكذلك الأبواب الخشبية والتندات، لأن لها مردودا ماديا مناسبًا ومرضيًا، ويغطى تكلفة الإنتاج والمجهود اليدوى في الصنع. 
وأكد «صابر» أن موسم بيع هذه المنتجات هو شهرا يوليو وأغسطس، فيتم صناعة المنتجات طيلة العام وبيعها للمستثمرين ليوزعوها على القرى السياحية وغيرها، مضيفا أن المستثمرين يشترون منه في شهور الشتاء ويبيعونها بسعر كبير، مشيرًا إلى أنه يبيع بسعر أقل حتى يستطيع شراء خامات جديدة، وأنه لا ينتظر للبيع في موسم الصيف لأنه هو ومعظم ممتهنى الحرفة لا يعرفون طرق التوزيع والاستثمار والتعاقدات مع الشركات والقرى السياحية. 
وعن صناعة الشماسى يقول: «الواحدة منها تحتاج إلى ٥٠ كيلو من حطب تمر الحنة الذى يتم تجهيزه وتنظيفه، ويتراوح سعرها ما بين ٣٠٠ و٤٠٠ جنيه شاملة مصاريف النقل والتوريد والتركيب في أى مكان وخاصة القرى السياحية والنوادى المكشوفة، ويستغرق العامل يومًا كامًلا في تصنيعها، ويتقاضى ٧٥ جنيهًا بعد الانتهاء منها». 



الحاجة نادية: تنظيف حزمة الأعواد بـ25 جنيهًا
تجلس هذه السيدة الأربعينية طيلة اليوم من الساعة صباحًا وحتى غروب الشمس، لتنظيف أعواد تمر الحنة من الشوائب والزيادات الجانبية لتخلف في النهاية أعوادًا مستقيمة، ليس بها شوائب، فتقول «الحاجة نادية» إنها تقضى اليوم بأكمله في تنظيف الأعواد لتتقاضى ٢٥ جنيهًا عن تنظيف الحزمة، وتضيف أن تطهير الأعواد من الزوائد الشائكة عقب انتشالها من حوض المياه بعد نقعها لمدة عشرة أيام هو أهم مرحلة في الصناعة والتى يقوم على أساسها التصنيع والتشكيل بأكمله، مشيرة إلى أنه يمكن تنظيف من ١٠٠ إلى ١٥٠ كيلو في اليوم الواحد، ليتم تسليمها بعد ذلك إلى الفنيين بالورش لتشكيلها حسب الطلب.




نبات التمر حنة.. له أصول فرعونية.. والعطر النبوى المفضل 
نبات التمر حنة يتبع الفصيلة الزيتونية، وهى شجرة مستديمة الخضرة غزيرة التفريع ذو اللون الأحمر وفروعها طويلة ورفيعة، وتعتبر من أشجار الزينة الجميلة ويصل ارتفاعها إلى ٦ أمتار وتتحمل الحرارة وأيضا الصقيع، موطنها الأصلى شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا وتنمو بكثافة في المناطق الاستوائية الأفريقية، كما انتشرت زراعته في بلدان الحوض الأبيض المتوسط، وتعتبر مصر والسودان والهند والباكستان والصين أهم البلاد المنتجة للحناء.
كما ذكرت دراسات مصرية أن الفراعنة استعملوا مسحوق أوراقه في تحنيط جثث الموتى ولعلاج المصابين بالصداع بوضعها على جبهتهم، ولتخضيب الأيدى وصباغة الشعر وعلاج القروح، فقد وُجدت العديد من المومياوات مخضبة بالحناء، كما اتخذوا أزهاره لصناعة العطور، وذكر أن رمسيس الأول أرسل بعثة إلى آسيا للبحث عن بعض الأعشاب للتداوى فأحضروا معهم نبات الحناء. 
وكان للحناء مكانتها المرموقة عند أطبائنا المسلمين، فقد ذكر ابن القيم أن الحناء محلل نافع، وإذا مُضغ نفع من قروح الفم، كما ينبت الشعر ويقويه ويعالج البثور في الجسد، ويقال إن عبد المطلب (جد النبى محمد عليه الصلاة والسلام) أول من خضب بالحناء في مكة، وانتشر بعد ذلك بين أهل مكة، وأصبح له نوع من القدسية عند الشعوب الإسلامية فصاروا يخضبون به الشعر والأيدى والأقدام ويفرشون به القبور تحت جثث موتاهم، كما أنه كان من النباتات والعطور المحببة للنبى محمد عليه الصلاة والسلام. 
و يوجد للحناء أصناف كثيرة منها: الحناء البلدى وهو أغنى أنواع الحناء بالمواد الملونة، أوراقه متوسطة الحجم وغنية بالمواد الملونة الحمراء، والأزهار لها رائحة خفيفة، أما الحناء الشامى فأوراقها أكبر حجمًا وأزهارها أخف رائحة، وبالنسبة للحناء البغدادى فتمتاز بأوراقها الداكنة وأزهارها العطرية، وأنها غنية بالمواد القابضة، وأخيرا الحناء الشائك وتتميز بأن أزهارها أكثر عطرًا، لكن أوراقها أصغر حجمًا من بقية الأصناف.




أحمد عبدالفتاح: أصنع 3 «حصر» في اليوم
يجلس أحمد عبدالفتاح «٢٠ عامًا»، يشكل حصيرة خشبية مساحتها ٩ أمتار مربع، وتستغرق صناعتها على حسب قوله ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات، وأن الحصيرة التى يبلغ قطرها ٣ أمتار مربعة تستغرق عملا لمدة ساعة وأنه يستطيع صناعة ثلاث «حُصر» في اليوم الواحد، وأضاف أنه يمتهن هذه الحرفة منذ ١٢ عامًا وقد اتخذها كهواية ووراثة عن والده وجده وأعمامه الذين يمتهنون الحرفة جميعًا، وأشار إلى أن الحرفة مريحة نفسيًا بالنسبة له، لأن العمل ليس له مواعيد رسمية، فبإمكانه أن يعمل صباحًا فقط أو ليلًا فقط، أو يدمج ساعات الليل مع النهار، مضيفًا أنه يحب حرفته كثيرًا ويدرجها تحت بند الفنون والتراث وأنه متميز في الصناعة ويقدر مهنته ولا ينتوى تغييرها لأنها أفضل من أى عمل آخر بالنسبة له. 
وأضاف «أحمد» أن شباب القرية استطاعوا أن يحسنوا من معيشتهم من تلك المهنة فمعظمهم يعمل معنا في الورش وتربى عليها، وأن الأسوار التى نصنعها تُستخدم على الشواطئ كمصدات للرياح بالقرى السياحية وتباع بالمتر ويتراوح سعره المتر بين ٣٥ و٤٥ جنيها شاملًا التوريد والتركيب، كما توجد مساحات مختلفة منها ويستطيع العامل أن يصنع من ٨ إلى ١٠ أمتار في اليوم بما يعادل ٣ أسوار.



صاحب ورشة: الصناعة تكاملية ومنتجاتنا تصل للعالمية 
يقول «هانى محمود» صاحب إحدى ورش تصنيع شماسى من أعواد تمر الحنة بقرية ميت كنانة: الحرفة عبارة عن صناعة يدوية مائة بالمائة، وتتم على مراحل وتعاون وتكاتف بين عدة أشخاص لتصل إلى شكلها النهائي، وأضاف أنه يقوم بشراء أعواد الحطب من أسوان أو حلايب وشلاتين ونقعها في المياه لمدة عشرة أيام حتى يلين الخشب ليتم تشكيله على هيئة منتجات عديدة يتم تصديرها للغردقة وشرم الشيخ والساحل الشمالي، بل يعبر تصدير تلك المنتجات إلى اليونان والقرى السياحية العالمية، لأن قريته بسواعد أبنائها باتت هى القرية الوحيدة في العالم التى تحتفظ بالحرفة. 
وأضاف «هاني» أن الطلب على تلك المنتجات يتزايد في المدن أكثر من الأرياف التى تقتصر على شراء المشنات والحصر بمختلف مقاساتها، ولكن يتم توريد الشمسيات للشواطئ والكافيهات، والتندات والأسوار الخشبية لتزيين الفلل وبعض البيوت الواسعة وبعض الأسطح، وأشار إلى أنه في بعض الأحيان يتم بيع المنتجات مباشرة أو توريد كمية كبيرة منها لأحد المستثمرين لتوزيعها، وأن الشمسية الواحدة تتكلف ٢٥٠ جنيهًا كخامات ويتم إضافة سعر الانتقالات والتركيب وأجرة العاملين إليها لتغطى تكاليف الخامات والمجهود معًا، وأضاف أن المرحلة الأخيرة من التصنيع هى «تشميس المنتجات» لطرد الرطوبة منها حتى لا يتعفن الخشب الرطب، لتصبح بعد ذلك جاهزة للبيع. 
وأشار إلى أنه يأمل أن تتم زراعة نبات «التمر حنة» في الأرياف والمساحات الزراعية المؤهلة لذلك مع التوسع في المساحات المزروعة بمحافظة أسوان لأنه لا يُزرع إلا بالمناطق شديدة الحرارة، وأن يزيد عدد الحرفيين بهذه الصناعة وتشجيعهم من خلال تنظيم معارض دولية وإقليمية لفتح أسواق جديدة أمام منتجاتهم حتى لا تندثر تلك الصناعة المميزة والنادرة.