الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

7 دول خارقة.. شعب رائع وضع دولته على منصة الانطلاق «7»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاهدت دولًا مدهشة بدأت معنا أو بعدنا ووصلت اليوم إلى قمة النجاح والرفاهية فى قصة كفاح مذهلة. فجيل واحد بدأ فقيرًا وانتهى ثريًا نتيجة علمه وعمله وطموحه. وكتبت عن شعب كلٍ من كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وماليزيا وتايلاند وفيتنام، وأواصل اليوم حديثى عن قصصهم التى عرفتها لعلنا نتعلم منها شيئًا!!
حين دعيت هذه المرة لزيارة الفلبين لم أتردد لحظه واحدة لحرصى الشديد على متابعة هذه الدولة التى تنطلق بسرعة الصاروخ للأمام! فمنذ رأيتها لأول مرة منذ نحو عشر سنوات وهى تقفز قفزًا بين كل زيارة وأخرى وبصورة لا يمكن استيعابها أو حتى تصديقها!! فكيف استطاعت هذه الدولة ذات السبعة آلاف جزيرة تحقيق هذه المعجزة؟ والفلبين هى أقرب الدول مقارنةً بمصر من حيث تعداد السكان الذى تجاوز المائة مليون ولكن الفلبين تختلف عن مصر حيث حرمها الله من نعمة الراحة فجزرها تقع على حلقة النار الآسيوية وهى المنطقة التى لا تهدأ فيها الأعاصير السنوية والزلازل والبراكين ففى كل عام يزورها ثلاثون إعصارًا، وأثناء زيارتى هذه المرة زار بعض جزرها ثلاثة زلازل! ولكن فى المقابل حباها الله شعبًا بجينات نادرة يكافح ليحيا ويعمل ليل نهار بلا توقف. وفوق كل ذلك هو شعب فى غاية الأدب والتواضع مثل جميع شعوب المنطقة فهو يحيرك بأخلاقه القويمة وخجله الجم وقدرته على التضحية. لقد عانى الشعب الفلبينى كما لم يعان شعب آخر فى آسيا فمن الاحتلال الإسبانى لمدة ٣٠٠ عام إلى الاحتلال الإنجليزى واليابانى والأمريكى وبعد مقتل مئات الآلاف منه فى القرون الثلاثة الماضية نال استقلاله فى عام ١٩٤٦ ليدخل بعد ذلك فى معاناة أخرى من الحكم الديكتاتورى المستبد والذى لازمه لعقود فازداد الفساد وانتشرت المخدرات مما أفقر هذا الشعب ومنع تطوره فتوقف ولم يلحق بركب التقدم الذى حققته النمور الآسيوية الأربعة من حوله. ولكن الشعب الفلبينى لم يرض بواقعه المرير فأطاح بديكتاتوره ماركوس وزوجته ذات الألف حذاء ولم يترك ميادينه حتى أسس لديموقراطية حقيقية يتنافس فيها ثلاثة أحزاب منها حزب الرئيس المخلوع والفاسد. كان أمام الفلبين اختيار صعب ليبنى مستقبل أجياله ما بين الاستثمار فى التعليم أو الاستثمار فى البنية التحتية المتهالكة واختارت حكومته الطريق الشاق والصعب وهو الاستثمار وبشدة وإخلاص فى التعليم. فلم أر فى حياتى حكومة فى العالم فعلت ما فعلته الفلبين حين جعلت التعليم كما قال طه حسين قديمًا كالماء والهواء ولكن ليس كلامًا ووهمًا ولكن فعلًا ويقينًا. فجميع مدارسها مجانية تمامًا دون مليم واحد بل وتدفع الحكومة ثمن الكتب والكراسات والأقلام وحتى الزى المدرسى والحذاء العادى والرياضى ثلاث مرات فى العام. ولم تكتف بذلك بل أطعمت الطلاب فى المدارس لتجعل العقل السليم فى الجسم السليم. ومدارسها توقع الكشف الطبى والغذائى سنويًا على جميع الطلاب وترسل لأسرهم عدة كيلوجرامات من الأرز كل شهر إذا وجدت التلميذ ضعيفًا صحيًا. ولم تكتف حتى بذلك بل شجعت الطلاب على التفوق والنبوغ. فالحكومة تدفع للطلاب المتفوقين مرتبات شهرية من الابتدائى وحتى الجامعة وترسلها لأسرهم شهريًا من خلال بطاقة ائتمان بشرط عدم الغياب عن المدرسة. بل وترسل لهم نقودًا للعلاج إن مَرِضوا. تنفق الفلبين على التعليم ١٣،٢٪ من دخلها القومى فماذا كانت نتيجة هذا الاستثمار؟ أخرجت الفلبين عددًا هائلًا من المتعلمين والفنيين والأيدى العاملة الرخيصة والمدربة على أعلى مستوى وصدرتها لجميع دول العالم!! فإن عملت فى الخليج أو فى العديد من الدول الأخرى وجدت الممرضة الفلبينية البارعة كذلك العامل الفنى والمهنى المُدرب بامتياز وجميعهم يتكلم بطلاقة عدة لغات من بينها الإنجليزية التى يتعلمونها من الحضانة، وفوق كل ذلك الأدب الجم والرقى فى المعاملات والإخلاص فى العمل. يحول الفلبينيون لبلدهم رقمًا مهولًا يربو على ٣١ مليار دولار سنويًا. واستطاعت الدولة استثمار المتعلمين فيها من الشباب للنمو السريع فقد حولت اقتصادها فى سنوات معدودة من اقتصاد زراعى إلى اقتصاد صناعى وخدمى، وجذبت الاستثمارات الضخمة من اليابان وكوريا الجنوبيه والولايات المتحدة لرخص عمالتها. وقد وصل الدخل القومى للفلبين مقومًا بالقدرة الشرائية إلى نحو ٢ تريليون دولار مما جعلها الاقتصاد رقم ٣٦ فى العالم ومن المتوقع أن يصل اقتصادها إلى رقم ١٦ على العالم والخامس فى آسيا عام ٢٠٥٠، وصادراتها وصلت فى ٢٠١٧ إلى ٦٣،٢ مليار. وبعد تمام مهمة التعليم ودوران عجلته بنجاح بدأت الدولة فى الخطوة التالية وهى إصلاح البنية التحتية من طرق ومطارات جديدة وخطوط للمترو ومبان شاهقة. وحددت الدولة مبلغًا هائلًا يقدر بـ ١٦٠ مليار دولار لتحديث البنية التحتية حتى عام ٢٠٢٢. وبدأ رئيسهم الحالى والذى اختاروه من بين أفضل المحافظين بالضرب بيد من حديد على الفساد فسجن السياسيين المتعاونين مع الفساد وفضحهم على شاشات التليفزيونات، وعزل الآلاف من الموظفين الفاسدين، وضاعف مرتبات رجال الشرطة وأطلقهم فى الشوارع بدلًا من الجلوس بالأقسام ليقضى بهم على المخدرات والجريمة ويحقق بهم الأمن والأمان. قررت الحكومة تنفيذ القوانين بصرامة مؤلمة وبعدالة حاسمة وسريعة فهى تهدف بجدية لاقتلاع الفساد إلى الأبد ومن جذوره كما فعلت سنغافورة وكوريا الجنوبية فهو الضامن الرئيسى لسرعة النمو. والآن تتوقع الفلبين نهضة اقتصادية تفوق كل جيرانها وبمراحل فما زالت تتمتع بالأيدى العاملة المدربة والرخيصة جدًا. فالمؤشرات العالمية تضعها من بين الدول العشر الواعدة. ومن المؤكد عودة معظم الفلبينيين العاملين فى الخارج لبلدهم كما فعل شعب كوريا الجنوبية وماليزيا من قبل مع استمرار ارتفاع مستوى دخل الفرد؛ فهى مسألة وقت ليس إلا. والسؤال الهام كيف حققت الفلبين هذه المعجزة؟ لقد حققت الفلبين الموازنة الصعبة فى مؤشراتها الاقتصادية. فلقد استطاعت الفلبين فى سنوات قليلة خفض دينها العام للنصف فنصيب الفرد من الدين العام انخفض إلى ١١٨ ألف دولار وزاد الاحتياطى النقدى لديها بمقدار الضعف ليصل إلى ٨٥ مليار دولار. وضغطت الفلبين إنفاقها العام فهى تنفق فقط ٥٩ مليارًا سنويًا مما خفض عجز ميزانيتها إلى أقل من نصف فى المائة. وانخفض التضخم مع تحسن المؤشرات الاقتصادية إلى ٤.٥٪ وانخفضت البطالة إلى ٢،٥٪ واستمر معدل النمو عند حدود ٦،٢٪ وفى الفلبين تتساوى المرأة مع الرجل تمامًا فى جميع المجالات فالفلبين تحتل المركز السابع عالميا فى المساواة بين الجنسين. أعتقد أنه من المفيد أن ندرس تجربة هذه الدولة الناهضة ونتعلم منها الكثير فمن المؤكد أن الفلبين حكومة وشعبًا يعرفون جيدًا ماذا يريدون ويعملون بلا كلل للوصول إليه مهما واجهتهم الأعاصير والزلازل والبراكين، فثقافة شعبهم وتعليمهم وقدرتهم على العمل تجعلهم جاهزين على منصة الانطلاق!.