الجمعة 20 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"الردح الكروي" في مصر!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المذهل أن هناك في مصر من يرى أن هذا الصخب الركيك الذى يجرى في ملاعبنا هو كرة قدم!
ومن العجب أن يتصور البعض أن هذا الضجيج والزعيق والتلاسن الإعلامى بعد كل مباراة هو تحليل كروى ونقد رياضى!
الحقيقة المحزنة أن كل هذه الفوضى العارمة الممتدة من الملاعب إلى الميكروفونات إلى أحاديث وخناقات المقاهي، هى مجرد أوهام نطلق عليها زورًا كرة قدم ودورى ومنافسات حقيقية!
إن هذا السيرك الذى نراه على شاشات التليفزيون، هو في أغلبه تمثيلية سخيفة، أبطالها مجموعة من أصحاب المصالح تحقق شهرتها وتصنع مكانتها بالصوت العالى وبإرهاب الآخرين، وهم عادة ينهشون في لحم الجميع ويتكلمون في كل شيء ما عدا كرة القدم.
وأعترف أنى أكتب هذا الكلام وأنا في حالة غضب شديد، بعد أن شاهدت على شاشة التليفزيون أسوأ وصلة ردح رأيتها في حياتي، ولم أصدق أن هذا الذى أسمعه وأراه يحدث على شاشة تليفزيون يشاهده الملايين، شباب وأطفال ونساء!! وبصعوبة بالغة تبينت بين أكوام السباب والطعن في الشرف والتهديد وتشويه السمعة أن هذا الكلام هو تعليق على مباراة لكرة القدم!!
واسمحوا لى أن أتناول هذه الحالة الكروية الإعلامية من زوايا أخرى غير الحديث عن «الأخلاق الحميدة»:
هل الرياضة قضية أمن قومي؟.. نعم بكل تأكيد، فهناك دول في العالم صنعت سمعتها وتبوأت مكانتها على الخريطة بسبب كرة القدم والرياضة عمومًا، الاتحاد السوفيتى القديم، والصين وأوروبا الشرقية في سنوات الحرب الباردة قاومت الدعاية الغربية وهزمت حملات التشويه وكسرت طوق الحصار الاقتصادى بالتفوق في البطولات الرياضية الكبرى وتمكنت من هزيمة الغرب في ميدان آخر غير ميدان السياسة!.. وهنا لن أكرر ما كتبه كثيرون غيرى عن نموذج محمد صلاح، الذى يتغنى ملايين الإنجليز باسمه مقرونًا بهويته المصرية.
وكما أن الرياضة قضية أمن قومي، فهى أيضًا قضية أمان اقتصادي، ورخاء سياحي، وتدر عائدات بالملايين على الدول التى تحترم الرياضة والرياضيين، والتى استطاعت تحويل الرياضة من الردح والعصبية والهوس إلى صناعة مهمة يعمل بها آلاف المؤهلين فنيًا وإعلاميًا وتسويقيًا.
واذهب إلى إسبانيا، ستكون زيارتك لها ناقصة دون زيارة إلى برشلونة وإلى الكامب نو، وستعود إلى بلدك محملًا بالهدايا والتذكارات والحكايات الممتعة.
أين نحن من هؤلاء الذين يعتمد دخلهم السياحى على الرياضة كأحد عوامل الجذب الهائلة في العالم اليوم؟!
هل تعمل أجهزتنا ومؤسساتنا المسئولة عن الرياضة على إستراتيجية لدعم السياحة بالرياضة؟!!.. سياح يزورون- مثلًا- نادى القرن، أو يشاهدون منشآت رياضية عملاقة، أو يقابلون أبطال الأسكواش ورفع الأثقال ورموزًا حققت إنجازات دولية مذهلة؟!.. إنها مجرد أفكار بسيطة حققت منها دول الملايين من جراء تسويق النوادى والأكاديميات والتذكارات التى يقبل عليها الناس في كل مكان.
وإذا حدث وسافرت إلى ألمانيا وزرت بايرن ميونخ، أو إلى باريس سان جيرمان، أو مانشستر يونايتد وليفربول في إنجلترا.. ستعرف أن الذى عندنا شيء آخر غير نوادى كرة القدم.
وإذا قرأت مقالًا واحدًا من بين مئات الصحف والمجلات الرياضية في العالم، وإذا شاهدت في أى تليفزيون البرامج والتحليلات الموضوعية المحترمة والخبراء بعلمهم وأرقامهم، ستكتشف أن الذى عندنا ليس إعلاميًا رياضيًا، بل هو شوبير ورضا عبد العال ومصطفى يونس والغندور ومداخلات مرتضى منصور.. فقط!! الإعلام الرياضى عندنا تجارة تشبه أحيانًا الأفلام الإباحية، هدفها الإثارة وتحقيق أعلى نسب المشاهدة دون رسالة ولا مضمون!
ونحن نظلم كثيرًا الشباب عندما يتعصب ويغضب ويثير الفوضى في الملاعب، نظلمه بإغلاق الملاعب في وجهه، ونظلم الشعب كله الذى نعاقبه بالحرمان من مشاهدة المباريات في المدرجات، والأهم أننا نظلم البلد ونحرمها من دخل هائل من شأنه أن يسهم في تطوير الرياضة ورفعتها.
وأظن أن الدواعى الأمنية والأسباب السياسية التى كانت وراء منع الجمهور من دخول الملاعب انتهت تمامًا أو زالت نسبيًا، فالشباب الذى كان يثير الشغب سنة ٢٠١٢ أيام حادثة بورسعيد كبر سنهم سبع سنوات، والذين أثاروا فتنة الدفاع الجوى تخرجوا في الجامعات وتزوجوا، ثم إن علاج الأزمة بالمنع والإغلاق والإجراءات الأمنية وحدها لن يحل المشكلة، العلاج يبدأ بالتربية ومن المدرسة والجامعة، وبأن تقوم المؤسسات الرياضية والتربوية بمسئوليتها في توعية واحتواء الشباب، وأى علاج بإهدار العائدات التى تحققها كرة القدم ليس علاجًا!
ومنع الناس من كرة القدم نفسها التى وقودها تشجيع الجماهير في المدرجات، ليس علاجًا!
والأزمة بعد كل هذه السنوات، شاهدنا كيف تفاقمت وظهرت آثارها في أدائنا في كأس العالم، وفى المنافسات القارية التى أصبحت فرقًا مغمورة تحرجنا فيها، وتلحق العار بتاريخنا العظيم على المستوى الأفريقي!
كتبت هذا المقال بمناسبة «وصلة ردح صارخة» على شاشة التليفزيون أبطالها إعلاميون ورياضيون ومسئولون عن الرياضة في بلدنا.
ولا أتصور أن هذا المشهد المؤلم وهذا النزيف الأخلاقى سينتهى من تلقاء نفسه!!.. لا بد من التدخل.. التدخل فورًا من الجهات الرقابية، ومن المؤسسات الرياضية العليا وحتى من المؤسسات المتخصصة في تربية النشء.
من فضلكم.. تدخلوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
سمعة البلد كلها باتت في خطر وأصبحنا فُرجة أمام العالم!!