تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بينما رفض مجلس النواب الليبى الهيئة الشرعية الوحيدة المنتخبة والمعترف بها دوليا اتفاقيتى الأمن والنفوذ البحرى التى وقعها زعيم حكومة الميليشيات في طرابلس فائز السراج مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ما يعنى بطلانهما من الناحية القانونية والدستورية؛ سارع أردوغان إلى الحصول على موافقة وتصديق البرلمان التركي، الذى صدق الأسبوع الماضى على اتفاقية النفوذ البحرى لترسلها أنقرة بعد ذلك إلى الأمم المتحدة، مطالبة بتسجيلها والاعتراف بها.
ومطلع هذا الأسبوع، وافقت لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان التركى على الاتفاق الأمني والعسكرى، تمهيدا للتصديق عليها ومن ثم دخولها حيز التنفيذ.
وبعيدا عن ضلوع أنقرة فعليا في تقديم دعم عسكرى ولوجيستى لعصابات السراج، فإن الرئيس التركى يبدو حريصا على استكمال كافة الاشتراطات القانونية والدستورية للبدء في تنفيذ الاتفاق أو بالأحرى مواصلة دعمه العسكرى لإرهابى طرابلس في العلن على مرأى ومسمع من العالم؛ في الوقت الذى ينكر فيه على الجانب الليبى هذا الحق بادعاء أن ما تم توقيعه مذكرتى تفاهم تدخلان في صلاحيات التنفيذيين بالمجلس الرئاسى، ولا حاجة لتصديق البرلمان الليبى عليهما.
ورغم التلاعب التركى الواضح، علاوة على عدم قانونية قيام السراج بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية منفردا حتى في حال استمرار صلاحية مجلسه الرئاسى التى انتهت عمليا وفقا لرئيس مجلس النواب الليبى المستشار عقيلة صالح؛ إلا أن مخاوف الولايات المتحدة من تمدد النفوذ الروسى داخل ليبيا دفعت الإدارة الأمريكية لإعطاء الضوء الأخضر للسراج لتوقيع الاتفاقيتين، مصحوبا بصمت مريب إزاء الترتيبات التركية لإرسال عسكريين ومعدات وأسلحة إلى طرابلس، وتدشين قاعدة عسكرية تركية علنية هذه المرة على الأراضى الليبية.
وبحسب محللين سياسيين، لا يمكن فصل التحول في الموقف الأمريكى من دعم المشير خليفة حفتر، إلى الإبقاء على درجة من التوازن في الصراع بين الجيش الوطنى الليبى، وعصابات السراج الإرهابية عن محاولة واشنطن ممارسة المزيد من الضغوط على الدولة المصرية بسبب إصرارها على إتمام صفقة طائرات السوخوي ٣٥ الروسية، كما يقول الكاتب المتخصص في شئون الأمن القومى جمال طه، علاوة على ما تراه صراعا مع موسكو على الكعكة الليبية، في ظل ما تقدمه الأخيرة من مساعدات للجيش الوطنى الليبى في مجال نزع الألغام وغيره من مجالات التعاون الأمني المحدود عبر شركات أمن روسية.
تدرك الولايات المتحدة أن أى تواجد عسكرى علنى وموسع للجيش التركى الراعى الرئيسى والتقليدى لجماعات الإرهاب قد يشعل فتيل حرب إقليمية؛ سيما أن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدى أمام التهديدات التركية لحدوها الغربية.
وقد عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي عن هذا الموقف بشكل غير مباشر عدة مرات أثناء فعاليات النسخة الثالثة لمنتدى شباب العالم، عندما قال (أنا رجل مسالم جدا لكننى أيضا مقاتل شرس إذا فرض عليا القتال)، وفى قوله: (كانت مصر تستطيع التدخل بشكل مباشر في ليبيا؛ لأنها تمثل الأمن القومى المباشر لنا، لكننا لم نفعل احتراما للشعب الليبي).
وفى ظنى أن الرئيس قصد بذلك أن الصراع حتى الآن بين جيش وطنى بقيادة المشير خليفة حفتر يسعى لاستعادة الدولة الليبية، من براثن الإرهاب، وجماعات إجرامية وإرهابية اختطفت حكومة الوفاق في طرابلس؛ لذلك اكتفت مصر بالدعم السياسى والمعنوى للجيش الوطنى الليبى ومجلس النواب الشرعى انطلاقا من موقفها الثابت إزاء ضرورة استعادة الدولة الوطنية العربية لفرض الاستقرار والأمن والحفاظ على السلم الإقليمى والدولي؛ أما إذا تطور الصراع لتدخل فيه أطراف إقليمية معادية توفر ملاذات آمنة وأبواق إعلامية لجماعة الإخوان الإرهابية، فحينها لن تقف مصر بما تمتلكه من قوة عسكرية ضاربة ومصنفة عالميا أمام هذا التهديد الصريح لعمق أمنها القومى.
رسائل الدولة المصرية في هذا الصدد كانت واضحة وضوح الشمس وقد جسدها الموقف الذى أعلنه رئيس مجلس النواب الدكتور على عبدالعال، عندما قال بشكل واضح وصريح إن مصر لا تعترف سوى بالبرلمان الليبى كجسم شرعى وحيد يمثل الشعب الليبى كونه الهيئة المنتخبة الوحيدة، وهو ما يعنى أن القاهرة باتت عمليا لا تعترف بشرعية حكومة الوفاق التى سقطت عنها ورقة التوت الأخيرة بانكشاف عورة فائز السراج، وانفضاح حقيقته كزعيم لميليشيات وعصابات إرهابية يعمل جاهدا على تحقيق المصالح التركية بشتى الصور على حساب دماء وأرواح وثروات الشعب الليبي.
وتكشف بنود اتفاقية التعاون الأمني والعسكرى التى نشرتها وسائل الإعلام التركية مطلع هذا الأسبوع، تلك الحقيقة، حيث تتجاوز نصوص الاتفاق تقديم السلاح والمعدات، بل وحتى إقامة القواعد العسكرية، إلى الهيمنة الكاملة على الهياكل الأمنية العسكرية والشرطية؛ فبموجب هذا الاتفاق تتولى تركيا عملية هيكلة وبناء وتجهيز الوحدات العسكرية والأمنية وإدارة الموظفين، وقد عبر مستشار أردوغان يس إقطاى بوضوح ودون موارة عن وضعية ليبيا بالنسبة لتركيا بناء على الاتفاق الأمني والعسكرى قائلا: طبقا للاتفاق الأخير ليبيا تحت مسئولية تركيا، وذلك في تصريح لقناة تناصح التركية المملوكة لمفتى الإرهاب الليبى صادق الغرياني.
وأمام التصعيد التركى والاستعداد لإرسال أسلحة ومعدات ووحدات الضباط والجنود إلى طرابلس تسعى موسكو إلى خفض منسوب التوتر وسارع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالإعلان عن ضرورة إيجاد صيغة للتعاون مع أردوغان في إدارة الملف الليبى، والعمل على التهدئة، وفى سبيل ذلك جرت عدة اتصالات هاتفية بين كل من بوتن وأردوغان خلال هذا الأسبوع، وربما يسعى الدب الروسى لإيجاد صيغة ما للتنسيق والتفاهم مع الإدارة الأمريكية عبر التوصل إلى تفاهمات معينة مع الجانب التركى الذى يعمل على رفع مستوى التوتر في المنطقة بمعيار أمريكي، بهدف الوصول إلى نقاط تفاهم وتنسيق ثلاثى بين كل من واشنطن موسكو ثم أنقرة، خاصة في ظل غياب دور أوروبى موحد حاسم فلا تزال خلافات المصالح تقف حائلا دوم اتفاق فرنسى إيطالى على كافة الملفات في ليبيا.
تبقى التساؤلات عالقة حول إلى أى مدى ستسمح الإدارة الأمريكية باستمرار التصعيد الأردوغانى، وماذا كانت ستسمح له بنوع من التواجد على الأراضى الليبية؟ أم أنها ستستخدم أردوغان كورقة ضغط مؤقتة لحين التوصل إلى اتفاق مع روسيا حول تقاسم المصالح الاقتصادية والسياسية؟!
هل ستشهد الأحداث تصعيدا يصل إلى اشتعال فتيل حرب إقليمية؟!
حتى كتابة هذه السطور تمكنت قوات الجيش الوطنى الليبى من الاقتراب من قلب العاصمة طرابلس، بحيث لم يعد يفصلها سوى بضع كيلو مترات، والمؤكد أن تحرير العاصمة بشكل نهائى والإطاحة عمليًا بعصابة السراج سيقلب موازين القوى، ويدفع الأطراف الدولية والإقليمية كافة إلى تغيير طريقة تعاطيها مع الملف اللليبي.
وحتى نصل إلى تلك اللحظة التى ربما تحل مع نشر هذه السطور بات على جامعة الدول العربية اتخاذ موقف حاسم وسريع بإعلان عدم اعترافها بشرعية ما تسمى بـ«حكومة الوفاق»، ذلك أن تأخر هذه الخطوة السياسية من شأنه مساعدة قارعى طبول الحرب في أنقرة على مواصلة أدوارهم القذرة في المنطقة.