تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ما من مناسبة تأتى أو تروح إلا ويقدم «رجب طيب أردوغان» نفسه كحفيد للعثمانيين، وبأنه قد جاء لإعادة أمجاد هذه الدولة التى انهارت في الأول من نوفمبر 1923، على يد مصطفى كمال أتاتورك حين أعلن تأسيس الدولة التركية الحديثة، ثم سرعان ما أعلن في 1924 عن سقوط الخلافة العثمانية واستقلال جميع البلدان التى احتلتها تركيا وطرد السلطان عبد المجيد- آخر الخلفاء- من البلاد، وذلك بعد ما يقرب من ستمائة عام على انتزاع تلك الأسرة الدموية للخلافة الإسلامية من العباسيين الذين أثبت التاريخ أيضا أنهم ليسوا بخير عن العثمانيين، فقد بنوا سلطانهم أيضا على القتل والدم والظلم والغدر، وكم من خليفة قتل والده وكم من واحد قتل شقيقه طمعا في كرسى الحكم، ولا شك أن المسلسل التليفزيونى الرائع «ممالك النار»، والذى عرض مؤخرًا للكاتب الصديق محمد سليمان عبدالملك، قد سلط الضوء على حقائق تاريخية حاولت بعض الجماعات جاهدة أن تخفيها، وأن تصور لنا الدولة العثمانية باعتبارها دولة عز ومجد ونصر ورخاء، وهذا غير حقيقى بالمرة، بل إن المصريين تحديدًا ظلوا ينظرون للتركى باعتباره غازيًا ومحتلًا منذ دخول سليم الأول مصر في 1517، وإعدامه طومان باى ومن قبله عمه قنصوه الغورى، وفى هذا يقول ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور»: «لم تقع في مصر شدة أعظم من هذه الشدة»، وهو يقصد دخول «العثمانية»- على حد قوله- أرض مصر، هؤلاء الذين اقتحموا الأزهر الشريف وداسوا أرضه بخيولهم واقتحموا مسجد أحمد بن طولون، وخربوا ضريح السيدة نفيسة، ويصف ابن إياس كيف قام سليم الأول أو سليم خان بقتل نحو عشرة آلاف من عوام المصريين في يوم واحد، ويروى أيضًا كيف كان جنود العثمانلية يجاهرون بشرب الخمور في الأسواق، ويسخرون ممن يرتادون المساجد ويعتدون على النساء والغلمان، وكانوا يسرقون المحال والغلال وينهبون شون القمح، وقبل أن يغادر سليم أرض مصر قام باعتقال أمهر العمال من أرباب الحرف وساقهم إلى اسطنبول ليبنوا له مدينة شبيهة بالقاهرة، وليس سليم وحده من كان دمويًا في أبناء عثمان؛ فقد سطر التاريخ حكايات وحكايات عن معظم السلاطين العثمانيين الذين أقاموا مذابح لعامة البشر، وليس ببعيد عنا ما حدث للأرمن من مذابح جماعية أبان الحرب العالمية الأولى، كما يروى لنا التاريخ قصة الملكة صفية زوجة السلطان مراد الثالث العثمانى، والتى كانت جارية فعشقها سيدها وتزوجها وصارت ملكة، ثم جعلت زوجها ألعوبة في يديها خاصة بعدما أنجبت له ولدًا هو محمد خان، وحين توفى زوجها أقعدته على كرسى السلطان، مستقبلًا المعزين بصفته السلطان الجديد، في حين أن له أخوة ثمانية من أمهات أخريات، وكانوا جميعهم الأحق بخلافة أبيهم، والغريب أن هؤلاء الإخوة لم يظهروا أثناء مراسم العزاء والمبايعة، ولم يكن يعلم محمد خان أن أمه «صفية»، قد طافت عليهم في جنح الليل تباعًا، وقامت بخنقهم داخل غرفهم، وحين سألها ابنها عن سبب فعلتها تلك، قالت «خلصتك منهم حتى لا ينازعك أحدهم على السلطنة ها أنت وحدك الآن السلطان دون منازع، وعليك أن تعلم أن أباك السلطان مراد خان قد فعل نفس الأمر مع إخوته الخمسة حتى لا يزاحموه الحكم بعد وفاة أبيه سليم الثانى»، وبالمناسبة؛ فإن ثمة مسجدًا شيد في القاهرة، وتحديدًا في شارع محمد على اسمه مسجد السلطانة صفية؛ حيث كانت قد أرسلت أحد جنودها لبناء هذا المسجد تخليدًا لذكراها، تمامًا مثلما خلدت الإدارة المصرية على مر العصور اسم سليم الأول، بإطلاقه على أحد أهم شوارع القاهرة، وأظن أنه قد آن الأوان لمراجعة مثل هذه الأمور فلا يصح أن يظل هذا الشارع حاملًا لاسم ذلك السلطان الدموى المحتل الذى قتل الآلاف من المصريين البسطاء، وأعدم حاكمها طومان باى، وقد بات ضروريا أن نراجع أسماء الشوارع التى تحمل أسماء لمحتلين وقتلة، بينما يتم تجاهل أسماء أبناء مصر الذين حاربوا واستشهدوا في معاركنا عبر التاريخ، لا سيما في السادس من أكتوبر 73.