رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاحتجاجات في العالم.. والثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حسب التعريف السياسى التقليدى للثورة أنها إسقاط النظام وتغيير المجتمع في جميع مناحيه تغييرًا جذريًا للأحسن، كما أن هذا التغيير وتلك الثورة لا تتم ولا تكتمل بغير نُضج الظروف الموضوعية مع وجود طرف ذاتي، والظروف الموضوعية هنا هى تفشى الظلم وتجذر الاستبداد وسيطرة الفساد وتزاوج الثروة بالسلطة وغياب العدل وعدم العدالة في توزيع نتاج الدخل القومي، أما الظرف الذاتى هو وجود تنظيم يرتبط بالجماهير ويقرأ الواقع السياسى قراءة صحيحة، ويمتلك رؤية وبرنامجا ثوريا يحل بديلًا عن النظام بعد إسقاطه، وهذا الوضع شاهدناه في إطار هذا السياق في الثورة الفرنسية 1789 والثورة البلشفية في روسيا 1917، أما الثورات مثل ثورة 23 يوليو 1952 والعراق 1958 وليبيا 1969، فهذه كانت انقلابات أسقطت النظام، ولكن لأن هذه التنظيمات كانت تمتلك الرؤية والبرنامج الثورى فالتحمت بها الجماهير وتحولت من انقلاب إلى ثورة شعبية أحدثت التغيير المستهدف للمجتمع للأفضل حسب تلك الرؤية الثورية التى أنتجتها تلك التنظيمات، وعلى ذلك؛ فإن هذه النظرية وتلك التجارب كانت بنت وقتها ونتاج ظروفها وإفرازات المعطيات السياسية والاقتصادية والثقافية حين حدوثها، وحيث إن التطور هو طبيعة الوجود وسُنة الحياة منذ بدء الخليقة؛ فإن التطور الآن أصبح متسارعًا بدرجات تفوق المتابعة وتتخطى التطبيق، خاصةً بعد الثورة الصناعية الرابعة والثورة التكنولوجية الاتصالاتية التى سيطرت على الجغرافيا بجغرافيا اتصالاتية بديلًا عن الجغرافيا الأرضية، فعادة تشكيل الفكر مما غير من كثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية، وبالتالى الثقافية والاجتماعية التقليدية، هنا وجدنا أشكالا مستحدثة من التعبير عن الرأى تخطت الحواجز وأسقطت كثيرًا من الخطوط الحمراء، مما جعل الآراء الجمعية والمجتمعية في طريقها أن تكون بديلًا للديمقراطية والأحزاب التقليدية التى في طريقها إلى الاضمحلال. وفى هذا المناخ المتسارع المتغير وجدنا العالم يموج بحالة احتجاجات غير مسبوقة لم تقتصر على منطقة الشرق الأوسط فقط، ولكنها امتدت إلى كل من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مثلما اندلع الحراك الشعبى في لبنان والعراق والجزائر والسودان وإيران، كذلك حدث في دول مثل: بولندا والمجر وأوكرانيا، وقبلها فرنسا مع حركة السترات الصفراء، إضافة إلى احتجاجات أصحاب المعاشات الآن في هونج كونج وأيضًا في كولومبيا وتشيلى والإكوادور وبوليفيا إن لم يكن في معظم دول هذه القارة الجنوب أمريكيا، وبالرغم من الاختلاف في الظروف التاريخية والثقافية والسياسية لهذه الدول، بل هذه القارات إلا أن هناك ثمة قوائم مشتركة بين هذه الحالات، فهذه الاحتجاجات بدأت باحتجاجات مطلبية تأخذ الشكل الاقتصادى المرتبط بلقمة العيش وصعوبة الظروف الاقتصادية، وارتفاع الأسعار وتدنى الدخول، وزيادة نسبة البطالة، ثم تطورت هذه الاحتجاجات بربط هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، نتيجة انتشار الفساد الذى طال كل المناحى رأسيًا وأفقيًا، مما أوصل الأمر لنتيجته الطبيعية من فساد الأنظمة والطبقات الحاكمة، فكان التصعيد الطبيعى لهذه الاحتجاجات هو الانتقال لمطالب سياسية والمطالبة بإسقاط الأنظمة، هنا يمكن أن ندرك أن الظروف الموضوعية، وهى النتائج السلبية الواقعة على المواطن، موجودة في كل هذه النماذج، ولكن حتى الآن يغيب الظرف الذاتى، وهو تنظيم ثوري، وهنا لا بد أن نرصد المتغير المجتمعى الجديد الذى سيفرض وجوده على الواقع السياسى تجاوبًا وتغييرًا، فالديمقراطية المجتمعية، إذا جاز هذا التعبير، والناتجة عن انتشار السوشيال ميديا، قد أصبحت هى أداة لتكوين الرأى العام الضاغط والكاسح على الأنظمة، الشيء الذى لا يمكن لأحد تجاهله، ولكن هل هذا الرأى العام بشكله السيولى هذا يمكن أن يحقق النتائج المطلوبة؟
الرأى العام هذا هو البداية الصحيحة والمطلوبة في كل الظروف التقليدية والحديثة، ولكن التغيير السياسى الصحيح الذى يؤدى إلى الأفضل لا بد له من وحدة هدف تُبنى على رؤية سياسية وخطة ممنهجة تقف وراءها قوة سياسية موحدة الأهداف، ولذلك نرى تجربة السودان، بالرغم من تعدد الآراء وتباين التوجهات، قد وصلت مؤقتًا إلى شكل ائتلافى بين الجيش والقوى المدنية، وفى لبنان نرى صورة وطنية توحدية غير مسبوقة، ولكن لأنها لا تمتلك فكرة التوحد في الرؤية لممثلين هذه القوى الوطنية نرى قوى الاستبداد الطائفى وتجار المحاصصة لا زالوا مسيطرين بقواعدهم الطائفية المتجذرة في الواقع، أما الجزائر فقد تم انتخاب رئيس ولا تزال الاحتجاجات مستمرة ولكن بلا قيادة، فالحل هو مزيد من الحوار للوصول إلى مثال السودان، وهذا أضعف الإيمان، فهذه النماذج تعنى أن العالم قد أصبح في حالة توحد مع التعددية، وأن الاقتصاد هو المدخل للاحتجاج، وهو المدخل أيضًا للحل، فلا بديل لعدالة اجتماعية ومشاركة سياسية للجماهير ومحاربة الفساد وتطبيق القانون دون استثناء حتى تسلم الدول والأنظمة من ممارسات لا أحد يضمن نتائجها، فإذا لم تكونوا قادرين على ثورة تُسقط وتغير فلا بد من حالة إصلاحية سريعة تضع الجماهير واحتياجاتهم في وضع الاعتبار.. فالجماهير صاحبة الحق ومانحة الشرعية.