ليس كل من يهاجم إسرائيل عدوًّا لها، فمن الأحبة ما يهجو بأفظع العبارات سياساتها تجاه الاستيطان والاحتلال وعرقلتها لحل الدولتين سواء كانوا أمريكيين أو أوروبيين أو حتى حركة السلام ومن على شاكلتها داخل إسرائيل، ولا تعجب أن هناك من يقطن داخلها ويحمل هويتها يقاتل من أجل سلام حقيقي يؤدي لقيام دولة فلسطينية يساويه الكثير من الشعوب العربية برافضي السلام ومناصري الاحتلال والاستيطان، فأصبحوا أعداء لصانعي سياسة الاستيطان وكذلك لمناصري السلام من العرب.
ولعلنا بالعودة إلى التاريخ نجد أن أول مرة يكون لعرب الداخل دور مؤثر في صنع القرار بإسرائيل وإجبار ساستها على السلام كان في عام 1992 م عندما انسحب آنذاك حزب شاس الديني من ائتلاف الحكومة التي يقودها إسحاق رابين، وبات انهيار الحكومة قريبا إلا أن الأصوات العربية الخمسة في الكنيست وقتئذ اتفقت مع رابين وبيرس على فتح آفاق للعملية السلمية مع منظمة التحرير الفلسطينية ومنحها حكما ذاتيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، فكانت اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية مقابل الإبقاء على الحكومة وعدم الذهاب إلى انتخابات جديدة.
ولم يتجاهل أبو عمار دور من خدم قضية بلاده فعين طلب الصانع ومن بعده أحمد الطيبي مستشارا سياسيا له كنوع من التكريم لما قدموه من خدمات جليلة للسلام ولفلسطين.
وعقب توقف العملية السياسة في عهد بيرس بعد مقتل رابين تقلص الدور العربي وبعد وصول بنيامين نتنياهو للحكم في عام 1996 اعتبر أن قوة عرب الداخل خطر تهدد سياسة الاستيطان والتوسع واستمرار الاحتلال فحرص على تكوين كتلة يمينية تحيط به حتى لا يتعرض للضغوط السياسية من العرب، وبدأ بالتحريض المباشر على العرب واتهامهم بأنهم إرهابيون في الكنيست، ونجح في استغلال التفرق العربي الداخلى فغذى بقوة الصراع الخفي بين الأحزاب والكتل السياسية العربية المؤثرة بالداخل.
ويعلم ساسة إسرائيل من اليمين المتشدد الذين يتشدقون بالسلام وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو الذى يصنع ملايين العراقيل في الواقع لوأده، أن الصوت العربي في الداخل هو القادر على خلق معادلة ثانية لتحقيق السلام مع الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم المسلوبة، لذا حشد كل أدواته الإعلامية والسياسية لخلق فزاعة لدى الناخب الإسرائيلي من التصويت للقوائم والأحزاب العربية، بل ذهب إلى تمويل ناشطين عرب بنشر دعوات المقاطعة العربية للانتخابات، وذلك لأن في خسارة منح صوت للقائمة العربية هو زيادة صوت لليمين المتشدد.
ولعلنا نعلم جميعا أن عرب الداخل نجحوا ولأول مرة منذ عام 1948 في التوحد في قائمة موحدة لخوض انتخابات الكنيست ونجحوا رغم المشاركة الهزيلة من الجمهور العربي في إسرائيل إلى حصد 13 مقعدا في الكنيست كادت أن تقضي على أحلام نتنياهو عن كرسي الحكم، إلا أن نتنياهو مع الأحزاب اليمنية الأخرى فضلوا الذهاب لانتخابات ثالثة لأول مرة في تاريخ إسرائيل على دعم العرب لبني جانتس والتأثير القوى في صنع القرار.
ومن المعروف أن 4 أحزاب عربية شاركوا في الانتخابات التي أجريت في سبتمبر الماضي في قائمة موحدة وهم حزب "الحركة العربية للتغيير" بقيادة أحمد الطيبي وحزب الجبهة بقيادة أيمن عودة، والحركة الإسلامية برئاسة الدكتور منصور عباس والحزب الرابع المسمى بـ"التجمّع الوطني الديمقراطي" بقيادة مطانس شحادة الانضمام للقائمة الموحدة، رغم ضعف المشاركة العربية وتصويت جزء منها لحزب الليكود والبيت اليهودي.
وعلى العرب في إسرائيل والذين يمثلون 21% من مجمل سكانها أن يتحدوا خلف القوائم العربية الداعمة لحق إقامة دولة فلسطينية وسلام حقيقي في المنطقة، ويشاركوا بكثافة في الانتخابات التى ستجري في 2 مارس 2020.
وسنستعير مقولة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتصرف "لا تبنوا سعادتكم على شقاء الفلسطينيين، وشجعوا أصوات تنادي بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل، بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية، فإنَّ ذلك لن يحقق أبدًا السلام الدائم، العادل، الذي يلحّ العالم كله اليوم عليه".