السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صحفيات في الميدان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان السؤال الرئيس بالملتقى الدولى لإعلاميات عربيات بتونس الشهر الماضي، عن ما أهمية وجود صحافيات لتغطية الأحداث في الميدان؟ ما شهد نقاشات مثلث سيرة عمل، وعرض تجارب حية لهن، وعمل الصحفية كمراسلة على الأرض، وإن تأخر في تاريخ العمل الصحفى ثم التليفزيونى عربيا قياسا بزميلها (الصحفي)، وذلك لاعتبارات مجتمعية مُحافظة (عادات وتقاليد)، قيدت حركة المرأة في أكثر من مهنة تتطلب انتقالا من مكان إلى آخر، وليست الصحافة فحسب، وفى العموم الموانع لم تكن لها علاقة بقدرتها وكفاءتها، فمن تصيغ الخبر داخل صالة أو قاعة «مطبخ» الأخبار، ستملك إجرائيا ذات الأدوات لتحرر خبرها وتقريرها في الميدان، ولمادتها مسجلة أو نقلا مباشرا، ولعل المستجد اليوم هو اضطلاع الصحافيات بالمهمة في تاريخ وتوقيت مفارق.
مع ما نشهده من متغيرات غير مسبوقة في بلداننا، كنموذج لتعقد المشهد فيها: سوريا والعراق، واليمن، وليبيا، حيث الجماعات المسلحة تهدد عمل الصحفى كما الصحفية. وإن بعضها نفذ من حرب داخلية خارجية، ولكن الإرهاب طالها وهدد استقرارها. وقد سُجلت حوادث قتل وانتهاكات كاعتقال وتهديد وعنف من ميليشيات مسلحة، بل بعضها تواجد كحرس لمؤسسات سيادية تتبع الحكومات الانتقالية مارسوا مواجهة عنيفة تجاه من يغطون الأخبار وفيهم صحافيات، وغالبا ما أفلت مرتكبوها من العقاب. 
وبملتقى تونس حضرت الإجابة عن السؤال، إذ قدمت الكاتبة والصحفية اللبنانية (زهرة حنكيل) كتابها «نساؤنا على الأرض» لمراسلات ميدان عربيات من دول مصر، ليبيا، سوريا، لبنان، العراق، اليمن، قاربن العشرين صحفية مراسلة، كن على الأرض، كما طُرحت نماذج حية حكتها صحافيات من ليبيا، والعراق، وسوريا والجزائر، تجاربهن في نقل ومتابعة الخبر، وتوصيف مجرى الوقائع على الأرض كما مهمة التصوير، من خلال شهود العيان الذين يمثلون مصادر للحدث، حتى وكل من زاويته وأحيانا موقفه أيضا، وهو توثيق لما يمثل متغيرا شابهُ النزاع والتوتر والحرب بين أطراف محلية أو خارجية، فالمراسلة الصحفية عن أوضاع الأهالى عقب تحرير (الموصل) بالعراق، من التنظيم الاجرامي (داعش) بقوى محلية وتحالف دولي، غطت عبر إجابتهم عن الأسئلة، تاريخ دخولهم، والأوضاع التى أدت إلى السيطرة على المؤسسات وإعلان المكان كإمارة إسلامية، ثم ما آلت إليه أوضاعهم، وقد افتقدوا أبسط مقومات حياتهم اليومية الغذاء والعلاج ووظائفهم. 
الصحافيات في مجتمعاتنا تدرجن في أدائهن الوظيفى لمهنة المتاعب، وقد اجتزن خطوات متقدمة في مجال العمل الصحفى الإعلامي، مع ما نشهده من تعدد المواقع الإلكترونية، ومحطات الراديو، والقنوات الفضائية وما تشغله الإعلاميات من حضور به داخل الاستديو، وخارجه، وكلنا يبدأ يومه مع الريموت كنترول، وكلما قلب الواحد منا مستعرضا القنوات طالعته وجوههن في الأخبار، وتحليلاتها، وحواراتها، وحتى وهن داخل الأستديو، لكن أيضا لم يعد وجودهن خارجه عملا خارقا أو مستغربا، منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، صحيح أن المحطات الغربية قدمت صك عبور للمُراسلة العربية في بقاع العالم، فبعضهن كن مراسلات عربيات لفضائيات شهيرة مثل CNN وBBC، ومواقع رويترز وفرانس برس وغيرها.
اليوم هن في الميدان يمارسن ذلك بخيارهن، وربما لإمكانياتهن الجديرة بذلك، يعافرن ويواجهن كل مخاطر العمل ويبدين شجاعة وإقداما، ليس لأجل السبق بل مهمة ومسئولية إيصال الحقيقة، وفيهن ضحايا وفقيدات مهنة، كما معتقلات يزج بهن في السجون، عن قصد أو غير قصد حين لايدرك ولا يعى أهمية المهمة الصحفيـة. 
ولعل اللافت في مهمة الصحفية، في ميادين النزاع والحرب ببلداننا مؤخرا، هى الآليات التى أتبعنها عبر اللقاءات في قلب ميادين الصراع أو النزوح، برصد وتكشف أحوال «الفتيات» داخل مجتمعهن المحلي، واللاتى تعرضن للعنف الجسدي، إذ شبكن مع منظمات مجتمع مدني، وشاركن بالإشراف على عقد جلسات شفوية أو كتابية سردن فيها الضحايا همومهن، وما واجهن من جماعات متطرفة، وبعض هذا صدر في كتب، وما كتبن أزاح ثقلا أبعدهن عن أمراض وعلل نفسية، ترسخ فقط صورتهن كضحايا مفجوعات، وذلك ما يبقى أثر ما تعرضن له إلى مدى أبعد، تجارب الكتابة جعلت نصوصهن نماذج وقدوة، في تجاوز المحن والمطالبة بالعدالة والإنصاف، وذلك مبتدأ مفاهيم حقوقهن.