كشفت الدراسة الحديثة التى قدمها الدكتور طارق الحصرى نائب وزير التخطيط السابق، عن مدى ضخامة الجهاز الإدارى فى بلادنا، وهى التى تظهر المشكلات المتعددة التي تعاني منها الدولة المصرية.
حيث بلغ عدد الوزارات ٣٣ وزارة، مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية التى بها ١٥.. فرنسا ١٦.. اليابان ١٠ وزارات فقط.
جاء ذلك وفق نتائج الدراسة التى أصدرها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، التى وضحت أن الجهاز الإدارى للدولة المصرية يتكون من ٢٤٤٣ كيانًا، يشمل ٣٣ وزارة، ملحق بها ١٤ مصلحة تابعة، و٢١٧ هيئة عامة.
ويضاف إلى هذا الجهاز الإدارى للدولة المصرية المترهل ٢٧ محافظة.. ١٨٨ مركزًا.. ٢١٧ هيئة عامة.. بينما يصل عدد الأحياء المحلية ٩١ حيًا، و١٣٢٥ قرية، هذا إلى جانب ١٥ جهاز مدينة تابعًا لوزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، ويبقى أن داخل كل محافظة ١١ مديرية خدمات.
ومن هنا يتعاظم حجم العاملين فى الدولة؛ حيث تتصدر الإدارة المحلية ٥٠.٥٪ من عدد الموظفين، والباقي موزع بين الهيئات الخدمية والاقتصادية وباقى الوزارات.
كما كشفت الدراسة مدى الترهل لهذا الجهاز الإدارى الذى يعانى البيروقراطية، الإهمال، الفساد.. الذي ينخر داخله، فضلا عن تداخل الاختصاصات بين الوزارات والهيئات المختلفة، كما أن هناك خللا تشريعيا فى القانون رقم ٦١ لسنة ١٩٦٣، وهو المنظم لإنشاء الهيئات العامة، والذى لم يتم تعديله أو تطويره منذ ٥٦ عامًا.
ومن هنا نكتشف مدى تعطل حاجات المواطنين والإهمال فى تلبية احتياجاتهم وتدني مستوى الخدمات التي يعانيها المواطنون، ولعل هذه الدراسة قد نشطت لى الذاكرة عن القصة التى قدمها ابن السويس المفكر الدكتور حسين مؤنس، والتى قدمها تحت عنوان «إدارة عموم الزير»، وهى التى تحولت إلى مسرحية بعد ذلك.
حيث تكشف المسرحية أن حاكما عادلا فى إحدى الولايات، قد رأى وهو يستريح فى جولاته أن الناس ينحدرون إلى النهر ليشربوا ويبللوا وجوههم لاتقاء حرارة الجو، فكانوا ينزلون إلى النهر ثم يصعدون فى مشقة بسبب تعرج الأرض، ومن هنا أمر الحاكم العادل بضرورة وضع زير ماء بحمالة وغطاء وبعض أكواز تحت شجرة، حتى ييسر على الناس شرب المياه، وقام بدفع ١٠ دنانير لحارسه الخاص لشراء الزير، وطالب له أن يتعاون مع زميل له فى ملء الزير كلما فرغ فى نوابات متعاقبة، ليكون فى تناول الناس كلما مروا فى المنطقة.
ومرت الأيام والشهور والأعوام حتى رأى الحاكم فى حديقة قصره زيرًا صغيرًا تحت شجرة فتذكر أمر الزير الأول العمومى، فسأل وزيره؟ فأخبره أن الفكرة رائعة لكن بعد مدة وجدنا الطلب على الزير يزداد من الناس للشرب منه؛ فقررنا تحويله إلى مرفق عام شعبى، وأنشأنا له إدارة عامة توضع فيها الأموال ومبنى للموظفين لإدارة الشئون المالية من أجل صيانة الزير وتوفير الكيزان من أجل أن يشرب الناس، وخوفا من أن ينكسر الزير والغطاء من التلف، قررنا زيادة عدد الأزيار خدمة للناس، ومن أجل ذلك أنشأنا إدارة للفخار مختصة بشئون الزير، وإدارة للحديد مختصة للحماية، وإدارة للخشب مختصة بالغطاء، وإدارة للصفيح مختصة بالكوز.
وتساءل الحاكم: والماء أليس له إدارة؟ واسترد الوزير بأنه أمر بإنشاء مبنى بتكلفة ١٠٠ ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير، لتكون هناك إدارة للخدمات، لما يؤديه الزير من نفع للأمة، وهذه الإدارة على اتصال مع مختلف دوائر الدولة مع وزارة الإشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية.
وكان الحاكم يقاطعه بين الحين والآخر، متسائلا عن الماء، ماذا عن الماء، وما دخل وزارة الخارجية فى هذا الأمر؟؟ أجاب الوزير من أجل المشاركة فى المؤتمرات؛ لأن إدارة عموم الزير أصبحت لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات فى باريس ولندن ونيويورك.. وتساءل الوالي الحاكم، وهل توجد فى الدول الأخرى إدارات لعموم الزير!!؟
أجاب الوزير: لا يا مولانا، نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة، وراح يشرح كيف تم تنفيذ هذه الفكرة العبقرية التى ستخرجنا من عنق الزجاجة، وننتقل إلى مصاف الدول المتقدمة، أضاف مفتخرًا أنها التجربة رائدة كان لا بد من استحداث مديرية للإحصاء، قمنا بتصميم وإعداد ٤ استمارات: الأولى «بيضاء» للذين يمرون بالزير مصادفة ويشربون مرة واحدة ولا يعودون، والثانية «حمراء» للذين يشربون مرة واحدة بانتظام، والاستمارة الثالثة «صفراء» لمن يعتمدون على الزير فى شربهم، أما الرابعة «زرقاء» ترسل إلى إدارة الحاسب الآلى من أجل أن يكون هناك إحصاء دقيق للخدمات.
ومن هنا كان لا بد من الحاكم أن يزور المنطقة ويعاين على الطبيعة إدارة عموم الزير بنفسه، وكانت المفاجأة الصادمة حين شاهد المبنى الفخيم الشاهق الذى كتب على مدخله من الخارج «إدارة عموم الزير»، وهناك من الموظفين والسكرتيرات والفراشين والعمال ومديرى الخشب والحديد والفخار وملفات وأوراق وصوانى شاى وقهوة، وموظفين يقرأون الجرائد والمجلات، بينما المدير العام كان مسافرا يحضر مؤتمرًا هو وابن شقيقة الوزير؛ لأنه الوحيد المتخصص فى هذا المجال.
وفى النهاية كشفت هذه القصة المسرحية التى جاءت مقدمة من دار المعارف، عن تخليص كتاب الدكتور حسين مؤنس نموذجا ساخرا عن مفارقات الإدارة فى عرف البيرقراطية المصرية.
وبعد.. نحن ما زلنا طواقين إلى سياسة الإصلاح الإدارى فى بلادنا باعتبارها خدمة للمواطنين تسهل حياتهم بدلا من سماع «فوت علينا بكره»، و«ختم النسر مش موجود»، و«عاوزين دامغة»، و«دواخينى يا لمونة»، و«السيستم واقع»، و«السيستم متعطل»، و«حسين أفندى فى إجازة النهاردة» وبهدلة المواطنين من أجل قضاء مصالحهم الخاصة فى وسط إهمال وفساد ورشوة وقلة ضمير.
فى النهاية نحن فى حاجة إلى إصلاح شامل يضمن للمواطنين خدمات أفضل تليق بهم فى بلادنا التى نريدها أفضل وأرقى، وتليق بكرامة وحق المصريين فى حياة أفضل.
ويضاف إلى هذا الجهاز الإدارى للدولة المصرية المترهل ٢٧ محافظة.. ١٨٨ مركزًا.. ٢١٧ هيئة عامة.. بينما يصل عدد الأحياء المحلية ٩١ حيًا، و١٣٢٥ قرية، هذا إلى جانب ١٥ جهاز مدينة تابعًا لوزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، ويبقى أن داخل كل محافظة ١١ مديرية خدمات.
ومن هنا يتعاظم حجم العاملين فى الدولة؛ حيث تتصدر الإدارة المحلية ٥٠.٥٪ من عدد الموظفين، والباقي موزع بين الهيئات الخدمية والاقتصادية وباقى الوزارات.
كما كشفت الدراسة مدى الترهل لهذا الجهاز الإدارى الذى يعانى البيروقراطية، الإهمال، الفساد.. الذي ينخر داخله، فضلا عن تداخل الاختصاصات بين الوزارات والهيئات المختلفة، كما أن هناك خللا تشريعيا فى القانون رقم ٦١ لسنة ١٩٦٣، وهو المنظم لإنشاء الهيئات العامة، والذى لم يتم تعديله أو تطويره منذ ٥٦ عامًا.
ومن هنا نكتشف مدى تعطل حاجات المواطنين والإهمال فى تلبية احتياجاتهم وتدني مستوى الخدمات التي يعانيها المواطنون، ولعل هذه الدراسة قد نشطت لى الذاكرة عن القصة التى قدمها ابن السويس المفكر الدكتور حسين مؤنس، والتى قدمها تحت عنوان «إدارة عموم الزير»، وهى التى تحولت إلى مسرحية بعد ذلك.
حيث تكشف المسرحية أن حاكما عادلا فى إحدى الولايات، قد رأى وهو يستريح فى جولاته أن الناس ينحدرون إلى النهر ليشربوا ويبللوا وجوههم لاتقاء حرارة الجو، فكانوا ينزلون إلى النهر ثم يصعدون فى مشقة بسبب تعرج الأرض، ومن هنا أمر الحاكم العادل بضرورة وضع زير ماء بحمالة وغطاء وبعض أكواز تحت شجرة، حتى ييسر على الناس شرب المياه، وقام بدفع ١٠ دنانير لحارسه الخاص لشراء الزير، وطالب له أن يتعاون مع زميل له فى ملء الزير كلما فرغ فى نوابات متعاقبة، ليكون فى تناول الناس كلما مروا فى المنطقة.
ومرت الأيام والشهور والأعوام حتى رأى الحاكم فى حديقة قصره زيرًا صغيرًا تحت شجرة فتذكر أمر الزير الأول العمومى، فسأل وزيره؟ فأخبره أن الفكرة رائعة لكن بعد مدة وجدنا الطلب على الزير يزداد من الناس للشرب منه؛ فقررنا تحويله إلى مرفق عام شعبى، وأنشأنا له إدارة عامة توضع فيها الأموال ومبنى للموظفين لإدارة الشئون المالية من أجل صيانة الزير وتوفير الكيزان من أجل أن يشرب الناس، وخوفا من أن ينكسر الزير والغطاء من التلف، قررنا زيادة عدد الأزيار خدمة للناس، ومن أجل ذلك أنشأنا إدارة للفخار مختصة بشئون الزير، وإدارة للحديد مختصة للحماية، وإدارة للخشب مختصة بالغطاء، وإدارة للصفيح مختصة بالكوز.
وتساءل الحاكم: والماء أليس له إدارة؟ واسترد الوزير بأنه أمر بإنشاء مبنى بتكلفة ١٠٠ ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير، لتكون هناك إدارة للخدمات، لما يؤديه الزير من نفع للأمة، وهذه الإدارة على اتصال مع مختلف دوائر الدولة مع وزارة الإشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية.
وكان الحاكم يقاطعه بين الحين والآخر، متسائلا عن الماء، ماذا عن الماء، وما دخل وزارة الخارجية فى هذا الأمر؟؟ أجاب الوزير من أجل المشاركة فى المؤتمرات؛ لأن إدارة عموم الزير أصبحت لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات فى باريس ولندن ونيويورك.. وتساءل الوالي الحاكم، وهل توجد فى الدول الأخرى إدارات لعموم الزير!!؟
أجاب الوزير: لا يا مولانا، نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة، وراح يشرح كيف تم تنفيذ هذه الفكرة العبقرية التى ستخرجنا من عنق الزجاجة، وننتقل إلى مصاف الدول المتقدمة، أضاف مفتخرًا أنها التجربة رائدة كان لا بد من استحداث مديرية للإحصاء، قمنا بتصميم وإعداد ٤ استمارات: الأولى «بيضاء» للذين يمرون بالزير مصادفة ويشربون مرة واحدة ولا يعودون، والثانية «حمراء» للذين يشربون مرة واحدة بانتظام، والاستمارة الثالثة «صفراء» لمن يعتمدون على الزير فى شربهم، أما الرابعة «زرقاء» ترسل إلى إدارة الحاسب الآلى من أجل أن يكون هناك إحصاء دقيق للخدمات.
ومن هنا كان لا بد من الحاكم أن يزور المنطقة ويعاين على الطبيعة إدارة عموم الزير بنفسه، وكانت المفاجأة الصادمة حين شاهد المبنى الفخيم الشاهق الذى كتب على مدخله من الخارج «إدارة عموم الزير»، وهناك من الموظفين والسكرتيرات والفراشين والعمال ومديرى الخشب والحديد والفخار وملفات وأوراق وصوانى شاى وقهوة، وموظفين يقرأون الجرائد والمجلات، بينما المدير العام كان مسافرا يحضر مؤتمرًا هو وابن شقيقة الوزير؛ لأنه الوحيد المتخصص فى هذا المجال.
وفى النهاية كشفت هذه القصة المسرحية التى جاءت مقدمة من دار المعارف، عن تخليص كتاب الدكتور حسين مؤنس نموذجا ساخرا عن مفارقات الإدارة فى عرف البيرقراطية المصرية.
وبعد.. نحن ما زلنا طواقين إلى سياسة الإصلاح الإدارى فى بلادنا باعتبارها خدمة للمواطنين تسهل حياتهم بدلا من سماع «فوت علينا بكره»، و«ختم النسر مش موجود»، و«عاوزين دامغة»، و«دواخينى يا لمونة»، و«السيستم واقع»، و«السيستم متعطل»، و«حسين أفندى فى إجازة النهاردة» وبهدلة المواطنين من أجل قضاء مصالحهم الخاصة فى وسط إهمال وفساد ورشوة وقلة ضمير.
فى النهاية نحن فى حاجة إلى إصلاح شامل يضمن للمواطنين خدمات أفضل تليق بهم فى بلادنا التى نريدها أفضل وأرقى، وتليق بكرامة وحق المصريين فى حياة أفضل.