الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإخوان والعنف بين رسائل البنا وممارسة أتباعه (4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نجح المؤسس الأول لحركة الإخوان المسلمين حسن البنا، في بناء تنظيم مارس العنف وصدّره لغيره من التنظيمات الإسلامية التي أصبح بعضها أكثر تطرفًا من الجماعة ذاتها، فبعض هذه التنظيمات خرجت من نفس عباءة الجماعة الأم، فالجهاد حسب مفهوم البنا كان النواة الأولى التي استندت إليها التنظيمات الأكثر تطرفًا سواء المحلية أو عابرة الحدود، وهنا يمكن التأكيد على العلاقة الخفية في تصدير المفاهيم والرؤى العنيفة للمجتمع وللتنظيمات التي سارت متطرفة بمفاهيم وأفكار الإخوان.
نجح حسن البنا في صياغة الموت عبر رسائله التي تركها وراءه، فكانت بمثابة نبراس للتنظيم وقادته الذين نقلوا روحها للأتباع والحواريين عبر المحاضن التربوية، ولذلك تجد شبهًا بين كل الإخوان بلا استثناء في إيمانهم بهذه الأفكار، فالمعين واحد والأفكار واحدة.
مما قاله حسن البنا: أيها الإخوة، إن الأمة التي تُحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، ويستطرد حسن البنا قائلًا: فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت تُوهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة.
وهنا يُحرض حسن البنا على الموت حتى جعله صناعة أجادها الإخوان سواء من خلال قتل غيرهم أو ممارسة القتل الذي يُودي في النهاية إلى موت صاحبه، والنتيجة واحدة في الحالتين، دماء وأشلاء، وهذه الأفكار نجحت تنظيمات العنف والتطرف في استثمارها وتنميتها حتى وجدنا هذه التنظيمات على ما هي عليه الآن، يقتلون بطرق ما كنا نسمع عنها قبل ذلك، وهو ما يمكن ما نسميه في الاستثمار في صناعة الموت.
نلمح في رسالة البنا سالفة الذكر إلحاحه على ذكر الموت وتحريض أتباعه عليه، وكأن الله خلق هذه الحياة كي نموت فيها لا كي نعيش، وهي فلسفة كل تنظيمات العنف والتطرف والتمرد التي ملأت حياتنا، تلك التي اختصرت الحياة في الموت مستخدمة مع فهم الإخوان مواضع الموت والتي سماها الله بالجهاد في القرآن الكريم والمعلقة بأسباب غضوا الطرف عنها، حتى تم إتقان هذه الصناعة دون غيرهم فكانوا الأوائل فيها.
ورؤية حسن البنا للحياة والموت تختلف بشكل كلي مع حقيقة الإسلام التي حافظ فيها على الحياة وأعلى من قيمتها ولم يُهدر الدماء إلا بحق، فغاب عنهم وعنه هذا الحق الذي أهدره فيما بعد، فالحياة خلقت للحياة، حيث أمر الله عباده فيها بالإعمار والبناء لا بالموت والفناء حتى ولو كان ذلك من أجل نشر دعوته، فالله حفظ الدعوة ولم يأمر بنشرها إلا بالحب والتسامح لا بالسيف والكراهية.
لم يكتف حسن البنا بأنه أصلّ لمفهوم العنف عند كل التنظيمات المتطرفة فقط، وإنما جعله أحد أركان بيعة الإخوان العشرة، والتي يقسم عليها الإخوان قبل أن يكونوا أعضاءً في التنظيم، ويتم تدريسها وتشريبها لكل أفراد الجماعة، وهي بالترتيب، الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والإخوة والثقة.
جعل حسن البنا مفهوم الإخوان ضمن شعار الجماعة، مصحف ويحوطه سيفان، وقد كتب تحتهما عبارة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم"، وهنا إشارة واضحة لممارسة غابت بعض الوقت ولكنها كانت حاضرة على مستوى الفكرة والتربية معًا، وهي ما أدت في النهاية لممارسة الجماعة للعنف بهذه الصورة.
شعار الإخوان الذي يردده الأتباع في كل محفل، الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، شعار وجد صداه في ممارسات الأتباع سواء الذين مارسوا العنف علانية من خلال الميليشيات المسلحة أو الذين مارسوا العنف المخفي بأدواته المختلفة، فليس أدل على علاقة الجماعة بالعنف أكثر من شعارها الذي تُعرف به أو ما يردده الأتباع في كل أنشطتهم.
نختم هذه الحلقة ضمن سلسلة (الإخوان والعنف بين رسائل البنا وممارسة أتباعه)، بما قاله حسن البنا موضحًا سلوكه العنيف ضمن رسائله التي تستقي منها الجماعة سلوكيات العنف حيث يقول: إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يُجدي غيرها وحيث يثقون بأنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يُقدمون في كرامة وعزة ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضا وارتياح.
وهنا السؤال المُلح، ألا تُعد هذه الرسالة إعلانًا صريحًا باستخدام العنف وفق ما يفهمه الإخوان حتى ولو وضعوا عنوانًا له مختلف مثل الجهاد؛ وهل المشكلة في إنذار الناس بممارسة العنف أم في الممارسة نفسها، ولما مارست الجماعة العنف بهذه الصورة في كل مكان، لماذا لم تحتمل نتائج موقفهم كما ذكر المؤسس الأول لها بكل رضا وارتياح، كما جاء في رسالته.. وللقصة بقية.