الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ديسمبر - عيدالنصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الأسبوع الماضى وفى نفس هذه الزاوية تحدثنا عن إعلان الحماية البريطانية على مصر،ذلك القرار الذى اتخذته الحكومة الإنجليزية في ديسمبر 1914، قبيل الحرب العالمية الأولى، ويبدو أن لشهر ديسمبر ذكريات تاريخية أخرى متعلقة بالإنجليز وقوى الاستعمار، فعلى مدى أكثر من ستين عاما كان الشعب المصرى يحتفل في الثالث والعشرين من ديسمبر كل عام بعيد النصر والذى يوافق ذكرى تلك الملحمة الرائعة التى سطرها أهالى بورسعيد في صمودهم ومحاربتهم للعدوان الثلاثى الغاشم في 1956، والذى جاء نتيجة لقرار الرئيس عبدالناصر تأميم قناة السويس، بعدما رفض صندوق النقد الدولى تمويل بناء السد العالى، وواقع الأمر أن طلب الحكومة المصرية لقرض من صندوق النقد في 54 هو أكبر دليل على كذب من ادعوا أن مصر الملكية كانت تعيش عائمة على كنوز من ذهب، وكانت تنعم بالخيرات وتقرض الدول المتقدمة، حتى جاءت ثورة 23 يوليو لتهدر ثروات مصر وتدفع البلاد إلى الهاوية، هذه الأكذوبة الكبرى التى اخترعها أعداء عبدالناصر وأعداء الجيش، فمصر لم تكن أبدًا دولة غنية يضاهى اقتصادها الدول العظمى كما يدعى البعض، بل الحقيقة الثابتة أن مصر في عهد الخديو إسماعيل اضطرت لبيع حصتها في قناة السويس كى تنفق على المشروعات التى أراد إسماعيل تنفيذها، وقد أدى الاقتراض المستمر إلى تخوف الدول الدائنة، فدفعهم هذا إلى إقرار وجود مراقب مالى من بريطانيا وآخر من فرنسا وذلك لمتابعة الاقتصاد المصرى ولضمان سداد الديون في موعدها، وجاء الاحتلال البريطانى في عام 1882 بحجة حماية الأقليات في مصر ووأد ثورة عرابى ولضمان حق الدول الدائنة، وبقى الحال على ما هو عليه حتى قيام ثورة 52 وبعدها بعامين فقط قرر عبدالناصر البدء في مشروع السد العالى لحماية أرض مصر من الفيضانات وتخزين المياه واستثمارها في إنتاج الكهرباء بغية دخول مصر إلى عالم الصناعة، ولأن المشروع يحتاج لأموال كثيرة لا تستطيع خزانة الدولة -آنذاك - أن توفرها فكان من الطبيعى أن يلجأ ناصر إلى البنك الدولى كى يمنحنا قرضًا، لكن إدارة البنك رفضت هذا لأن المؤشرات الاقتصادية وقتها لم تكن واضحة المعالم، خاصة وأن دخل مصر العام كان يعتمد فقط على تصدير القطن وأفلام السينما وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى إلى جانب السياحة التى لم تكن رائجة منذ الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين، ولم يكن أمام عبدالناصر سوى البحث عن مصدر آخر للمشاركة في تمويل بناء السد من ناحية وللمساهمة في زيادة حصيلة الدخل العام، وكان هاجس قناة السويس يؤرقه كثيرًا، بل كان يؤرق الجيش المصرى بأكمله منذ استغلها المحتل الإنجليزي أثناء دخوله مصر بعدما خدعت إدارة القناة الزعيم أحمد عرابى وأقنعته بأنها لن تسمح للأسطول الإنجليزي أن يستخدمها في احتلال مصر ولكنها فعلت ذلك، فظلت هذه الواقعة في خلد كل ضابط بالجيش المصرى على مدى أجيال متعاقبة، وتجدد الأمر عقب انسحاب قوات الاحتلال وفق معاهدة (36) لتبقى في مدن القناة بحجة تأمينها، فصارت مدن القناة محتلة دون مصر، ثم وقعت أحداث الإسماعيلية في 25 يناير 1952 والتى راح ضحيتها خمسون شهيدًا من ضباط وجنود الشرطة المصرية على يد قوات الاحتلال البريطانى التى طلبت منهم إخلاء مبنى المحافظة فرفضوا، ولا شك أن عبدالناصر كان يشعر بغصة بداخله تجاه قناة السويس وإدارتها التى كانت تشكل دولة داخل الدولة، إلى جانب إيمانه بحق مصر التاريخى في هذه القناة التى حفرت بدماء المصريين، فقام بتأميمها في 26 يوليو 1956 مما تسبب في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على مصر لاستعادة القناة مرة أخرى، وبدون أى سبب مقنع قررت إسرائيل خوض الحرب إلى جانب الدولتين، وبالفعل تقدمت بقواتها عبر سيناء فانشغل الجيش بها، في الوقت الذى توالت فيه الغارات الجوية على القاهرة والإسكندرية ومدن القناة من خلال الطيران البريطانى والفرنسى، وعقب هذه الغارات المتتالية بدأت عمليات الإنزال الجوى بالمظلات للجنود الإنجليز والفرنسيين الذين كانوا على قناعة تامة بأن المسألة ما هى إلا نزهة لطيفة تحتاج ساعات قليلة للسيطرة على بورسعيد ثم بقية مدن القناة، ولكن أهالى بورسعيد كانوا أسودًا فقاموا بمواجهة عملية الإنزال وقتلوا وأسروا عددا كبيرا من جنود بريطانيا وفرنسا الذين صاروا يهربون كالفئران أمام أبطال المقاومة الشعبية، وكما كتب أحمد شفيق كامل وتغنى عبدالحليم «كنا نار أكلت جيوشهم، نار تقول هل من مزيد، وانتصرنا ولسه عارهم ذكرى في تراب بورسعيد» وأسقط البرلمان الإنجليزي حكومته التى دخلت حربًا غير مدروسة فتكبدت خسائر فادحة في الأرواح ونجحت الدبلوماسية المصرية في حشد أكبر عدد من دول العالم لإصدار قرار من الأمم المتحدة بوقف العدوان، وبالفعل صدر القرار وامتثلت له إنجلترا وفرنسا، وفى الثالث والعشرين من ديسمبر 56 انسحبت القوات البريطانية والفرنسية، وانتصرت بورسعيد في ذلك اليوم المشهود الذى سمى بعيد النصر والتى كانت مصر تحتفل به كل عام على مدى أكثر من ستين سنة، لكن إعلامنا تناساه ليتحول من عيد النصر لكل المصريين إلى العيد الوطنى لبورسعيد، فما أحوج شبابنا إلى معرفة مثل هذه الأحداث التى تمثل صفحة ناصعة في تاريخ مصر.