الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رأيت الكعبة.. بيت الطمأنينة والخشوع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن أن أصف الشعور الغريب الذى تملكنى وأنا أرى الكعبة المشرفة عن قرب، وكأننى في حلم بين اليقظة والمنام!..فقدسية المكان تضفى رهبة هائلة، وتختلط مشاعر الخشوع والخضوع ولهفة اللقاء، فنهرول حول بيت الله الحرام، الذى أتينا إليه بعد اشتياق، بهمومنا وذنوبنا ورجائنا، حتى نتلمس بركاته ونتخفف مما يكبل رقابنا، فنهرب من صخب الحياة وضجيجها إلى الطمأنينة والخشوع، في هذا المكان المقدس الذى رفع قواعده أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل عليهما أفضل الصلاة والسلام.. ثم أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج، فقال تعالى في سورة (الحج): «وأَذِّنْ في النّاسِ بِالْحَجِّ يأْتُوكَ رِجَالًا وعَلَى كُلِّ ضَامِرِ يْأتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق».. ونستحضر ما قرأناه عن رد سيدنا إبراهيم وقوله: «يا رب وما يبلِّغ صوتي؟ فقال الله تعالى: أذن يا إبراهيم وعليَّ البلاغ، فوقف على جبل أبى قبيس، وأخذ ينادي: أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فأسمع من في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فأجابه من آمن وسبق في علم الله تعالى أن يحج إلى يوم القيامة، قائلين لبيك اللهم لبيك».. نتحسس خطوات الأنبياء والأتقياء على مر الزمان، ونهيم على وجوهنا بين أنّات ودموع المسلمين الذين أتوا من كل فج بالكرة الأرضية.. ونتفكر في ندائنا «لبيك اللهم لبيك» في الحج أو العمرة، وندرك أننا نلبى دعوة الله وضيافته لنا في بيته المشرف.. لا شك أن الله تعالى موجود في كل مكان وكل لحظة، وأنه أقرب لعباده من حبل الوريد، وهو بالتأكيد في غنى عن عبادتنا وتقربنا، ولكننا نحن أصحاب الحاجة، نذهب إليه لنحتمى، ونرمى أحمالنا ومتاعب الحياة التى أثقلتنا، فنتحسس بخطواتنا هذه البقعة الطاهرة، والتى ننسى فيها الضغائن والشرور، ولا نتذكر سوى عبوديتنا لله تعالى.. هنا الحجر الأسود الذى يقال إن النبى صلى الله عليه وسلم هو آخر من وضعه بيديه الشريفتين في مكانه هذا، فيقبله المسلمون أسوة بالنبى، وتدمع عيوننا وتبكى قلوبنا محبة ووجلا.. وبعد الطواف بالكعبة نصلى أمام مقام إبراهيم ركعتى الطواف، عملا بقوله تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ».. ومقام إبراهيم هو ذلك الحجر الذى قام عليه خليل الله لبناء الكعبة، ثم وقف عليه بعد إتمام البناء ليؤذن للناس بالحج، ويشهد هذا الحجر أثر قدمى سيدنا إبراهيم.. ثم نستشعر عظمة الخالق، وسعة رحمته التى وسعت كل شيء، ونحن نسعى بين الصفا والمروة، في الطريق الذى سلكته أمنا «هاجر» المصرية، التى تركها زوجها سيدنا إبراهيم في هذا المكان مع رضيعها، وخاطب الله تعالى قائلا: «رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ»..وظلت تسعى السيدة هاجر وهى ترجو رحمة ربها، حتى رزقها ماء زمزم.. هذا الماء الرقراق العذب الذى سنظل ننهل منه دون أن ينضب، ليذكرنا تعالى أن رحمته أيضا لا تنضب، مهما قسى البشر واشتدت الظروف، واعتقدنا أنه ليس بيننا وبين الهلاك سوى خطوات، حتى يغمرنا فرجه تعالى ونتيقن أننا في معيته في كل وقت وحين.. كنت أتعجب ممن يكثرون الحج والعمرة، وأؤيد الرأى الذى يحثهم على إنفاق أموالهم فيما ينفع الناس بعد إسقاط الفريضة.. ولكننى بعد أن جربت تذكرت التعبير الشهير عند أهل التصوف: «من ذاق عرف ومن عرف اغترف ومن اغترف اعترف ومن اعترف أدمن ما عرف».. فهى لذة لا يشعرها إلا من ذاقها، ولا يشبع منها من يجربها، بل تزيده ظمأ.. وقد تذكرت وأنا أودع الكعبة على أمل اللقاء القريب، كيف كان لمصر شرف صناعة كسوة الكعبة المشرفة على مدار7 قرون، وكيف تم الاستعانة بمهندسين مصريين في إعادة بناء وإعمار الكعبة المشرفة في عهد محمد على باشا، بعد أن أصابت السيول الكعبة وأضعفت بنيانها.. كذلك باب الكعبة المشرفة، الذى صممه المهندس المصرى منير الجندي، وصُنع من الذهب الخالص..ورغم هول اللحظات التى تجعل القلوب تتجرد من كل شيء، إلا أننى لا أنكر تعجبى من أمر بعض المسلمين، والذين لا ينتمون للدول العربية، بل إلى دول شرق آسيا، والذين يدفعون من حولهم بكل طاقتهم حتى يخلوا طريقهم إلى الكعبة، لا يلتفتون لمن يدوسون عليهم أو يقعون في طريقهم حتى يصلوا لمبتغاهم ويمسكون بأستار الكعبة المشرفة، ويقبلون الحجر الأسود.. وهو ما يستدعى التوعية بجوهر الدين ومضمونه، والذى يعتبر إماطة الأذى ومنعه عن الناس من أفضل العبادات.. لذلك نعود إلى قضية الوعى وغيابه، والتى جعلتنا نرى المسلمين وقد ألم بهم التقهقر والانحدار، بعد أن غفلوا عما أمرنا الله به في أولى آياته (اقرأ) والتى نزلت على خير الأنام رسالة ربانية فيها الشفاء من كل داء.. ولن نستعيد قوتنا إلا بالخضوع لأمر الخالق العليم العظيم.