تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
مؤرخون عدة يؤكدون أن المفكر والصانع الحقيقي للفكر المعتزلي والذي دافع عنه قولاً وكتابة هو شيخ المعتزلة “,”أبوالهذيل العلاف“,”، وهو أحد مؤسسي علم “,”الجدل“,” وسمي “,”أبوالمعتزلة وأستاذهم“,”، درس بالبصرة وأخذ الالتزام عن أحد تلاميذ ابن عطاء ثم ما لبس أن تفوق على الجميع.
ويقوم فكر المعتزلة على عدة أسس:
الأول: القول بنفي الصفات عن الله سبحانه، مثل صفة العلم والقدرة والإرادة، فهم يرون أن وجود الصفات يعني تعدد خلود القديم، فإذا قلنا إن “,”سبحانه وتعالى“,” قادر، فهذا يعني أن القدرة بذاتها لازمت “,”سبحانه وتعالى“,” منذ الأزل، ولا أزلي أو قديم أو خالد إلا هو “,”سبحانه وتعالى“,”، ولهذا يرون أن هذه الصفات ليست قائمة بذاتها ولا مستقلة عن الذات الإلهية، بل هي والذات الإلهية شيء واحد.. وهذا هو معنى التوحيد عندهم.
والثاني: القول بالقدرة.. أي قدرة الإنسان على الفعل والاختيار، أفعاله تأتي من اختياره، ومن هنا تأتي مسئوليته عنها.. ويقول “,”الشهر ستاني“,”: كانوا يقولون إن “,”الله تعالى“,” حكيم عادل، ولا يجوز أن ينسب إليه شر أو ظلم، ولا يجوز أن يريد من عباده ما يخالف أوامره.. فالعبد هو فاعل الخير والشر، والطاعة والمعصية، ويثاب أو يعاقب على فعله، وهذا معنى العدل عندهم.. ولهذا لخص الفقهاء الفكر المعتزلي بالعدل والتوحيد.
والحقيقة أن الجاحظ قد برز بعد ذلك كواحد من أبرز مفكري المعتزلة، وللجاحظ آراء شديدة الجرأة، فقد رفض أن يعالج الحديث عن الصحابة عبر تقديسهم أو منحهم مكانة خاصة، بل يتعين على من يؤرخ لهم أو لزمانهم أن يستخدم العقل كميزان لتقييم أفعالهم، وأكد الجاحظ أن سب الحاكم الظالم ليس بدعة، وعجب من قول البعض إن “,”من قتل مؤمنًا عمدًا ملعون ويعاقب على فعلته“,”، فإذا فعلها السلطان سكتوا، وقال بضرورة الخروج على الحاكم الظالم وإحلال عادل محله دون إحداث مفسدة تزيد عما يتحقق من منفعة بهذا الخروج، والمعتزلة هم أرباب علم الكلام في شئون العقيدة.. يقول أحد خصومهم “,”هم أرباب الكلام وأصحاب الجدل والتمييز والنظر والاستنباط والحجج على من خالفهم، وهم المفرقون بين علم السمع وعلم العقل، والمنصفون في مناظرة الخصوم.. لكنهم ما لبثوا أن قالوا بخلق القرآن“,”.
“,”لمزيد من المعلومات عن فكر المعتزلة راجع (ابن جرير الطبري.. الجامع لأحكام القرآن، الجزء الثالث – صـ118وما بعدها.. وأحمد أمين، فجر الإسلام، صـ291“,”.
ويمكن تلخيص الفكر المعتزلي بأنه بدأ بالعدل والتوحيد وإخضاع كل شيء للعقل وإرادة الإنسان في كل ما يفعل.. قالوا بالحرية والعدل والعقل ثم استخدموا السيف لردع كل من خالفهم، فوضعوا “,”لَبِنَة“,” في عملية استبعاد العقل وظلمة الفكر، وذلك عبر تكفير من لم يوافق رأيهم، مستندين إلى سجون وظلم وسيف “,”الخليفة المأمون“,”.. ونقرأ “,”بدأت محنة القول بخلق القرآن بأن أمر المأمون فرض هذا القول فرضًا، وأمر بحرمان من ليس من مذهبه من تولي الوظائف أو الإفتاء أو قبول شهادته في أي خلاف.. فالقول بقدم القرآن وإنه غير مخلوق يشبه الشرك بالله، ومن ثم يجب العمل على رد الناس عن هذا الشرك، كما يرد الكافر عن كفره، فإن أبى يُقتل كالمرتد، وإذا كان علماء الكلام هم القدوة في العقائد وجب البدء بهم بتصحيح عقائدهم وعقابهم إن أصروا على موقفهم بل وقتلهم أحيانًا“,”.
“,”أحمد أمين، ضحى الإسلام، صـ175“,”.
ويرسل المأمون كتابًا إلى واليه اسحق بن إبراهيم يصف فيه الرافضين للقول بخلق القرآن بأنهم “,”الجهلة الذين سهلوا السبيل لعدو الإسلام وليس لمن قال هذه المقالة حظ في الدين ولا نصيب من الإيمان واليقين، ولا يحل أحد منهم محل الثقة في ذمته ولا عدالة له ولا شهادة، ولا صدق في قوله ولا حكاية، ولا يتولى شيئًا من أمر الرعية“,”.
“,”المرجع السابق، صـ178“,”.
ويسمع المأمون أن بشر ابن الوليد، يرفض القول بخلق القرآن، فيأمر بسجنه ثم لا يكتفي بذلك بل يأمر واليه بأن يستدعيه ثم يأمره “,”فإن أصر على الشرك ولم يقل بخلق القرآن فاضرب عنقه وابعث برأسه، وإن تاب أشهر توبته“,”، ويرفض ابن العوام القول بخلق القرآن فيرسل المأمون إلى واليه قائلاً “,”إن ابن العوام سيحسن الإجابة في القرآن إذا أخذه التأديب، فإن لم يفعل كان السيف وراءه“,”.
“,”المرجع السابق، صـ183“,”.
وكذلك كان الحال مع الإمام ابن حنبل، فلما تسلل إليه في السجن عمه إسحاق طالبًا منه مجاراة المأمون لينقذ نفسه رفض قائلاً “,”يا عماه إذا أجاب العالم بالباطل والجاهل يجهل فمتى يعلم الناس؟“,”.
ولعله من المفيد أن نشير هنا إلى اعتقادنا بأن مسألة خلق القرآن أي أنه لم يكن موجودًا في البدء ليست “,”اكتشافًا معتزليًا“,” لكنها فيما أعتقد منسوخة بغير إتقان عن نزاع نشب بين رجال الدين المسيحي عندما قال آريوس “,”إن يسوع لم يكن موجودًا في البدء لكن الله خلقه فيما بعد“,”، وتطلب هذا الخلاف عقد مجمع نيقيه [325 ميلادية] الذي حكم بتكفير آريوس، وأصدر قرارًا محددًا يقول “,”إن يسوع المسيح ابن الإله الوحيد الموجود قبل كل الوجود والذي نزل من السماء إلى الأرض من أجل خلاصنا“,”.
“,”راجع للتفاصيل كتاب السغكسار الجزء الأول“,”.
.. وهكذا كان الفكر المعتزلي أساسًا لتأسلم من نوع ساد فيما بعد.. أن تقول إسلامًا وتفعل تأسلمًا ألم يحذرنا الرسول (ص) “,”سيخرج من أصل هذا الدين قوم يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية“,”.
ونواصل..