تعلمنا «المعارضة» من العظماء الكبار «خالد محيى الدين وضياء الدين داود وفؤاد سراج الدين»، كان ثقلهم السياسى كبيرا، ومكانتهم محفوظة، وكانت آراؤهم سديدة، وكلمتهم مسموعة، كانت السلطة - في ذلك الوقت- تستمع لهم وتوقرهم وتحترمهم، كانت أحزابهم «التجمع والناصرى والوفد» كيانات لها تواجد في الشارع ويثق فيهم الشعب، وأصبحوا مفرخة لقيادات سياسية نكن لهم جميعًا كل احترام وتقدير، ظهر في «حزب التجمع» كل من «الدكتور رفعت السعيد وسيد عبدالعال وأبوالعز الحريرى وحسين عبدالرازق وصلاح عيسى والبدرى فرغلى»، كما ظهر في «الحزب الناصرى» كل من «فريد عبدالكريم وسامح عاشور وعبدالعظيم المغربى وصابر عمار ومحمد أبوالعلا وكمال أحمد»، وفى «حزب الوفد» لمع نجم كل من «مصطفى شردى وجمال بدوى وطلعت رسلان ونعمان جمعة وسعيد عبدالخالق ومحمود أباظة».. كل هؤلاء قمم سياسية لهم «شنة ورنة»، لم يكن من بينهم أى شخصية تُزايد على الوطن، لذلك أثروا فينا.. وقد حكى الأستاذ محمد حسنين هيكل قصة مثيرة توضح لنا قيمة وقدر قيادات المعارضة في مصر وكيف كان لها قيمة كبرى لدى النظام؟، القصة ذكرها «هيكل» في كتابه بعنوان (مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان) وهى كالآتى كما حكاها: في أوائل يناير ١٩٩٠ زارنى «فؤاد سراج الدين» رئيس حزب الوفد وكان يريد من وراء زيارته لى أن أستمع إلى شريط مُسجل وصل إليه لحديث وزير الداخلية وقتها اللواء زكى بدر أثناء مؤتمر شعبى أُقيم في «مدينة قليوب»، وسمعت الشريط، وإذا بوزير الداخلية ينهال بالسباب والشتائم على قيادات حزبية معارضة كبرى، اتصلت بـ «الدكتور أسامه الباز» في حضور «فؤاد سراج الدين» وطلبت منه الحضور فورًا وَقُلْت لـ «الباز»: إنت فين دلوقتى ؟ فـرد «الباز»: في مكتبى في مبنى وزارة الخارجية القديم، فقلت له: يا دوب تأخد خمس دقايق وتكون عندى في مكتبى بجوار شيراتون القاهرة.. لم يعط «هيكل» الفرصة لـ «أسامه الباز» لكى يستفسر عن الأمر وطالبه بالحضور مسرعًا، وخلال أقل من خمس دقائق كان «الباز» في مكتب «هيكل»، وهناك وجد «فؤاد باشا سراج الدين» زعيم حزب الوفد يجلس بجوار «هيكل»، وبعد السلامات والتحيات بدأ «هيكل» بالحديث وقال لـ «الباز»: إسمع شريط الكاسيت دا ؟ رد «الباز» وقال: يا أستاذ «هيكل» إنت جايبنى من مكتبى علشان تسمعنى شريط كاسيت. لكن «هيكل» أسرع وقال: لا، دا شريط كاسيت هتسمع اللى فيه ولازم تبلغ «الرئيس مبارك» بما سمعته بل أطالبك بأن تقوم بعرض الشريط كاملًا على الرئيس. وبسرعة مذهلة كان «أسامه الباز» هو الذى قام بالضغط على زر الكاسيت للبدء في سماع الشريط.. وكانت المفاجأة، كان شريط الكاسيت يحتوى على تسجيل صوتى لشتائم صادرة من وزير الداخلية اللواء زكى بدر لرموز المعارضة وسب وقذف وإهانات غير مسبوقة واتهامات لفؤاد باشا سراج الدين زعيم حزب الوفد، وإبراهيم شكرى رئيس حزب العمل، ومصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار.. وتعهد «الباز» بأنه سيأخد الشريط إلى «الرئيس مبارك» وقال: أثق أن الرئيس مبارك لن يرضى بإهانة أحد خصوصًا وهم من رموز المعارضة في مصر.. وبالفعل استمع «مبارك» للشريط وقرر على الفور «إقالة اللواء زكى بدر وزير الداخلية».. كانت «المعارضة» قديرة، خائفة على الوطن من الفتن، تمارس دورها بشرف، تتحدث في الحق.. واختلفت أوضاع «المعارضة» منذ عام ٢٠٠٠ نتيجة لتقلبات السياسة، وبعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ طفى على السطح مجموعة سياسيين وأطلقوا على أنفسهم «نشطاء»، وأصبح بعض السياسيين «يلعبون بالبيضة والحجر» وبعضهم يرفع شعار «فتح عينك تأكل ملبن»، بعضهم نُشطاء ضد الدولة ويتشفون فيها وينالون منها ويزايدون عليها ويطعنون في مصداقيتها ولا يعرفون كيفية حماية الدولة وكيفية المساهمة في بنائها لأن هدفهم الهدم وغرضهم تكسير عزيمتنا وإحباطنا وليست لديهم حلول لمشكلات المجتمع أو حتى لديهم القدرة على وضع خطط مستقبلية.. تقول لهم: القاهرة مزدحمة ولا بد من إبعاد الوزارات عن القاهرة، يردون عليك ويقولون: أى محاولة لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة إهدار للمال العام.. تقول لهم: أرفض حصول الأغنياء على دعم البنزين ولا بد أن يصل الدعم لمستحقيه، يردون عليك ويقولون: إلا الدعم.. تُنهى على العشوائيات فتجدهم لا يلتفتون لذلك ويُقللون من النجاحات التى تحققت والإنجازات التى تمت في ربوع مصر.. أخطر ما يزعجنى من تصرفات وسلوكيات بعض المعارضين هو سيرهم في نفس طريق جماعة الإخوان الإرهابية، تبرير تطرف الإخوان ومساندتهم في مظلوميتهم وتصديق كذبهم بل والترويج له، طريق معاداة الدولة بما فيها، طريق التشفى في الدولة، طريق يضع الدولة المصرية في كفة وجماعة الإخوان الإرهابية في كفة أخرى.. وهذا الطريق يُسمى «طريق الندم»، نعم سيندمون بعد أن يفيقوا ويجدوا أنفسهم مقبوضا عليهم بتهمة مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق خططها وأهدافها.. فالأحزاب السياسية المعارضة تعارض بشرف وتمارس دورها بشرف، أما واضعو يديهم في يد الجماعة الإرهابية فهم - بِحُكِم القانون - شركاؤهم، وقتها (لن ينفع الندم).
آراء حرة
كيف تصبح معارضا؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق