سامحوني إن اختصرت لكم الحكاية، فأنا أكتبها من على مقود السيارة، هكذا يستدعيني الحرف، أينما طلب أُجيبه حتى لا يتركني، فليس لدي سواه، لذا استرضيه قدر المستطاع، متى أراد كتبته، ومتى رفض تركته حتى يزول غضبه.
آلمني ظهري ليلًا، بحثتُ عن مسكن لكن كل علب الدواء كانت فارغة، التهمت منها الكثير فأنا لا أحب طنين الوجع، وأدعو الله دائما أن ينعم عليّ بسرعة الرحيل، كما كانت تقول جدتي: «يوم نزاع ويوم وداع»، لم يعد أمامي سوى أن استشير ابنة شقيقتي، التي تدرس في كلية الطب، وتجلس في قلبي قبل أن تجلس مع جدتها في شقتها، نزلت إليه فكان لا مناص من أخذ دواء، كنت أخذت منه مرة واحدة، لكن أعراضه كانت غريبة، سألتها وأنا كثير الاستفسار في هذه الأمور، شرحت لي أنه مخدر لآلام العمود الفقري يحتوي على مادة السيروتونين المعروفة بهرمون السعادة، وقالت لي ستشعر بعد تناوله أنك سعيد.. تبسمت وانصرفت.
وقبل أن التقم إحدى حباته، سألت نفسي إذا كانت السعادة يُمكن جلبها ببرشامة، فلما نركض خلفها طيلة العمر؟ أتأتي أمنية كل البشر هكذا مجبرة بمجرد حبة دواء؟ لو كانت بالشكل البسيط هذا فلما الركض والعراك والتناحر؟!
وصفات الطب تقف عند حدود الداء العضوي أما الروحي فكيف؟ ربما تساهم هبة الدواء في استدعاء بعضا من مسببات السعادة كغياب الألم، لكن السعادة نفسها ليست فعلا عاديا.
تذكرت أني منذ سنوات كتبت قصيدة عن السعادة، كانت روحي متوقة لها تسألني عنها، واشتد حينها جدالنا في إيجادها، لم يكن إقناعها بصعوبة إيجادها أمر هين، ساقت إلى نماذج كثيرة عن أشخاص حصلوا عليها، فقلت لها تلك صورة مغلوطة فربما كان هؤلاء يبتسمون لكنهم ليسوا سعداء، فإذا كان عم «علي» صاحب الابتسامة الوضاءة والجملة الشهيرة: «تفكر تتعكر» يشعر بالسعادة، لماذا هزمه المرض؟ لماذا ارتفع ضغط الدم لديه ولم تفلح حينها ابتسامته ولا جملته؟ لماذا لم تستطع حبة الدواء دحر الداء وجلب السعادة؟
التقمت حبة الدواء وأنا أردد ما كنت كتبته من قبل:
أصل السعادة مش فعل عادي
ده فعل عايز مقاومة ومداومة
وروح وحرية وتمادي
وقلب فاضي
وأنا قلبي مليان بالهموم.
وبرغم كل ذلك صباحكم سعادة أيها السادة لعل الأيام تأتي بها دون إرغام ودون حبة دواء، فإن أتت مصفدة فقدت بريقها، لذا ندعو الله أن يأت بها طواعية.