الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. اتفاق السراج - أردوغان محاولة لشرعنة الاحتلال العثمانى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدرك الأطراف الموقعة على ما سمى بـ«اتفاق التعاون الأمنى والعسكرى والنفوذ البحرى بين أنقرة وسلطات طرابلس قبل غيرها» استحالة تطبيق بنود تلك الاتفاقية، خاصة ما يتعلق بادعاءات تركيا بشأن وجود حدود بحرية تجمعها مع الدولة الليبية.
فمن ناحية لا وجود على أرض الواقع لتلك الحدود؛ حيث تشكل جزيرة «كريت» اليونانية حاجزا جغرافيا، يؤكد أن حدود ليبيا البحرية لا تتقاطع سوى مع اليونان ومصر وقبرص، غربا وتونس شرقا؛ وقد أكد تلك الحقيقة الموقف الموحد للجانب المصرى واليونانى والقبرصى الذى اعتبر تلك الاتفاقية والعدم سواء.
ومن ناحية أخرى، يشترط تصديق مجلس النواب الليبى المنتخب والمعترف به دوليا، على هذا النوع من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الدولية، وقد رفض «النواب الليبي» مذكرة التفاهم واعتبرها خيانة عظمى للوطن، علاوة على انتفاء الحق القانونى لفائز السراج رئيس ما تسمى بـ«حكومة الوفاق» فى التوقيع منفردًا أو حتى مع بعض وزرائه على الاتفاقيات المبرمة مع أطراف دولية بموجب اتفاق «الصخيرات» على نحو ما أوضح بيان وزارة الخارجية المصرية.
ورغم إعلان أردوغان صباح الثلاثاء الماضى، أن اتفاقية النفوذ البحرى - بحسب وصفه - مع فائز السراج أمر سيادى غير قابل للنقاش، فإنه يدرك استحالة دخول تلك الاتفاقية حيز التنفيذ دون موافقة البرلمان الليبي، ومن ثم دون اعتمادها من قبل الأمم المتحدة؛ كما أن الجانب المصرى واليونانى والقبرصى لن يقبل الدخول فى عملية تفاوض حول هذه المسألة.
فلماذا إذن تم توقيع مذكرة التفاهم الأمنى والبحرى بين السراج وأردوغان؟!
يعتقد الرئيس التركى أن إثارة ادعاءات جديدة حول حقوق اقتصادية بحرية تمتد إلى الحدود الاقتصادية الليبية، قد يكسبه ورقة ضغط سياسية فى صراعه على غاز شرق المتوسط ومساعيه للاستيلاء على حقوق قبرص؛ وأنه بذلك قد يفلح فى الضغط على حكومات مصر واليونان بالدرجة الأولى للتخلى عن دعمها للحقوق القبرصية، وذلك بإدخاله ليبيا كطرف فى الصراع.
وربما كان تراخى الاتحاد الأوروبى فى دعم قبرص لوقف محاولات أردوغان لسرقة حقوقها الاقتصادية، كان السبب فى توهمه القدرة على خلق ورقة ضغط جديدة فى غرب منطقة شرق غاز المتوسط، خاصة أن تهديده الدائم بفتح حدود بلاده أمام ملايين اللاجئين السوريين وعشرات الآلاف من الدواعش لغزو أوروبا قد نجح فى تخفيف حدة الضغوط والمواقف الأوروبية إزاء عدوانه على شمال شرق سوريا والمناطق البحرية الاقتصادية لقبرص.
وفيما يتعلق باتفاقية التعاون الأمنى والعسكرى، والتى تتيح لتركيا- وفقًا لمصادر ليبية- دخول أجواء وموانئ ليبيا دون استئذان، وإقامة قواعد عسكرية، فإنها لا ترتب واقعًا مختلفًا على الأرض من حيث إمدادات السلاح والدفع بالعناصر الإرهابية وضباط الجيش التركى، بل حتى إقامة قواعد عسكرية؛ لكنها محاولة يائسة لشرعنة الاحتلال العسكرى التركى المباشر، والمعلن للأراضى الليبية، والالتفاف على قرار حظر التسليح الأممى الصادر عام 2011.
كذلك يسعى أردوغان من وراء الاتفاق الأمنى العسكرى مع السراج إلى خلق واقع سياسى وقانونى لوجود قواته يماثل الواقع السورى فيما يخص تواجد قوات وقواعد عسكرية روسية، حيث تعتبر موسكو تواجدها على الأراضى السورية يتفق مع مبدأ احترام سيادة الدول، ذلك أنه جاء بدعوة من الحكومة السورية الشرعية، وهذا ما يسعى أردوغان للوصول إليه، ومن ثم يشرعن تواجده العسكرى، ودعمه للميليشيات الإرهابية والعصابات الإجرامية بالأسلحة والمعدات، باعتباره جاء وفق اتفاق قانونى مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
علاوة على ذلك، يعتقد أردوغان أن هذه الاتفاقيات تدعم المشروعية السياسية لما تسمى بـ«حكومة الوفاق»، التى سقطت على وقع دوى فضائحها المتتالية بشأن قيادتها ودعمها للجماعات الإرهابية.
وعلى الجانب الآخر، يحقق هذا الاتفاق المشبوه لما تسمى بـ«حكومة الوفاق» غير الشرعية قدرة على استعادة ثقة قادة الميليشيات والعصابات المسلحة الذين بدءوا خلال الأسابيع الماضية فى الإعلان عن عدم ثقتهم فى السراج وحكومته، والاستعداد لتشكيل حكومة ميليشياوية جديدة بغض النظر عن الغطاء القانونى الذى توفره حكومة الوفاق بسبب ما تتمتع به من اعتراف دولى؛ وهو ما ظهر فى تصريح قائد سلاح المدفعية لميليشيات السراج، الذى أعلن على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، أن اتفاق السراج - أردوغان، قد أسفر عن تصدير شحنات أسلحة حديثة ومتطورة فى طريقها إلى الموانئ الليبية، علاوة على مدرعات وطائرات مسيرة، تم تدريب كوادر وعناصر ليبية عليها فى تركيا.
وإذا كان تطبيق اتفاق النفوذ البحرى -بحسب تعبير زعيم الإرهاب الدولى أردوغان- مستحيلا، فإن المسألة تبدو أكثر صعوبة وتعقيدا بشأن الاتفاق الأمنى العسكرى، خاصة فى ظل وجود تعاون إيطالى تركى غير معلن لتقديم كافة أشكال الدعم العسكرى واللوجيستى لميليشيات السراج الإرهابية، وتبقى مسألة قدرة أردوغان على إقامة قواعد عسكرية كبيرة فى المناطق الغربية للبلاد، مرهونة بقدرة الجيش الوطنى اللليبى بقيادة المشير خليفة حفتر على سرعة حسم معركة طرابلس، وعدم السماح للتدخلات التركية بإطالة أمد المعركة على تخوم العاصمة.
ويشار فى هذا السياق إلى أن القوات المسلحة الليبية تفرض حظرا جويا على كامل الأجواء، وباستطاعتها استهداف وتدمير أى طائرات أو قطع بحرية تحاول اختراق المجال الجوى والبحرى الليبى قبل وصولها إلى أهدافها، لا سيما أن الجيش الوطنى الليبى نجح فى تدمير غرف عمليات تركية إيطالية للتحكم فى الطائرات الحربية المسيرة، كما نجح أكثر من مرة فى تدمير آليات عسكرية وأسلحة تركية بعد وصولها إلى المناطق التى تسيطر عليها عصابات السراج.
صحيح أن الرهان الأكبر على الجيش الوطنى الليبى، لكن وبعد اتفاق الخيانة بين السراج وأردوغان، بات الواقع فى طرابلس يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومى المصرى بالدرجة الأولى، فلم يعد مقبولا استمرار أمد هذه الحرب؛ لأن ذلك سيمكن تركيا من خلق جيوب إرهابية تهدد الأمن المصرى والعربى، فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسى فى دول المغرب العربى، ما يحتم على جامعة الدول العربية الاستجابة السريعة لمساعى البرلمان الليبى الشرعى لإسقاط الشرعية الدولية التى تتمتع بها حكومة الميليشيات فى طرابلس.