تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
المتابع للشرائح العمرية لمن يسمون أنفسهم نشطاء سياسيين أو نشطاء المجتمع المدني، خصوصا الحقوقي، يلمح بوضوح أن الأغلب الأعم منهم لم يتجاوزوا الثلاثين من أعمارهم، وهذا في حد ذاته ليس عيبا، ولكن أن يتمتع هؤلاء مبكرا بموهبة عقد التحالفات التي ترجع عليهم بمصالح خاصة، فهذا أمر لافت للانتباه، ولا يمكن تفسيره بنضج مبكر ولكن تفسيره الصحيح هو تمتع قطاع عريض من هؤلاء بانتهازية مبكرة، وهو أمر في غاية الخطورة عليهم وعلى مستقبلهم، هذا إذا كان لأحدهم مشروع مستقبلي مستقل.
هذه الظاهرة لم تولد بين يوم وليلة فقد بدأت رحلة الإفساد منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما ابتكر البعض ربط النضال بالدولار والتمويل، حدث هذا عندما بدأت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والتي كانت في بدايتها عملا جماعيا تطوعيا، ثم تصارع عليها المحترفون حتى انتهت إلى جمعية ورثها أحدهم، والشركاء في المصرية الأم لم يخرجوا صفر اليدين ولكن صار لكل واحد مركز ومؤسسة، وصار المتمول للمتمول كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فهذا يرشح ذاك للخواجة، وهذه تدعم تلك للمانح.
المهم هو أن هذه السوق راجت بضاعتها، وعرف المناضلون سكة الفنادق ذات النجوم الخمسة والمطبوعات الفاخرة الملونة التي يكتبون فيها كلامهم، أما عن المطارات وعواصم العالم التي دهسوها فكانت تحصيل حاصل، وسبحان العاطي الوهاب، لو قارنوا بين صورهم وهم طلاب واعدون في الجامعات وبين صورهم اليوم لعرفوا وعرفنا معهم الفارق بين الزمنين، وعرفنا حجم التغير المالي المترهل الذي طرأ عليهم.
والمضحك في هذه الأجواء هو أن كل من ساقته قدماه نحوه تلك المؤسسات للعمل براتب شهري، لا يكمل عاما أو عامين حتى يخرج من المؤسسة ليؤسس لنفسه مركزا خاصا، فهو قد فهم "الفولة" وعرف من أين تؤكل الكتف، ولم تستثن تلك النكتة من كانوا يعملون في مواقع متواضعة كسكرتير أو سكرتيرة للرد على التليفونات مثلاً، كلهم خرجوا وصاروا أصحاب مؤسسات، شعارهم "ملك الملوك إذا وهب.. لا تسألن عن السبب".
طبعاً الكلام ليس في مطلقه وتعميمه فهناك من عمل بتلك المنظمات، وسرعان ما تركها، منهم صديق لي شاعر كبير انتقل إلى جوار ربه مؤخرا، فعندما ضاقت عليه الحياة، انضم إلى واحدة من تلك المنظمات لمدة عام كامل، وعندما تركها سألته، لماذا تركت الراتب الكبير؟ أجابني.. لقد تأكدت أنها ليست مؤسسات للدفاع عن حقوق الإنسان، ولكنها مؤسسات للدفاع عن حقوق العاملين في مجال حقوق الإنسان.. هنا الفرق واضح تماما.
العجيب في شأن هؤلاء قدرتهم الفائقة على شيطنة الأحزاب وتخوين المختلف معهم، فلم نر واحدا منهم ناضل في صفوف حزب ما ضد مبارك، ولما صارت المعارضة سهلة بعد يناير رأينا بعضا منهم يتسلل نحو الأحزاب التي كان هو كافرا بها في زمن مضى.
وبذلك أستطيع وأنا مرتاح الضمير أن أتهم الجيل الأول من المتمولين بإفساد جيل جديد اختار لنفسه مسمى ناشط سياسي، ذاك الناشط لم يفرق في رسالته بين حق الوطن وحقه هو في اكتساب قوته، وصار تحالفه مع الفاشية الدينية أمرا مربحا، وصار تواصله مع أجندة الخواجة هدفا وغاية.
أعرف أن كثيرين منهم غاضبون مني وأنا أكتب هذا الكلام، خصوصا أن عددا منهم اقتسم معي رغيف الفقر قبل عشرين عاما، ولكن غضبهم هذا أمر بسيط بالنسبة إلي مقابل غضبي أنا من وخز ضميري إذا لم أكتب هذا الكلام.
وأقول لهم صديقك من صدقك، لأنني أتمنى لكم صورة أجمل من هذه بكثير وأنتم تستحقونها.