الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تحولات الفكر الاستراتيجي المعاصر «5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع المفكر المصرى الراحل السيد يسن فى كتاب «تحولات الفكر الاستراتيجى المعاصر.. من الاستقلال الوطنى.. إلى الدولة التنموية» والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بقوله: لا نبالغ أدنى مبالغة لو قلنا إن الإنسانية تنتقل الآن، عبر عملية معقدة ومركبة، صوب مجتمع عالمى جديد، تحت تأثير الثورة الكونية. وهذه الثورة الكونية تأتى، فى التعاقب التاريخى للثورات المتعددة التى شهدتها الإنسانية، عقب الثورة الصناعية. وكانت البدايات الأولى تتمثل فى بزوغ ما أطلق عليه، الثورة العلمية والتكنولوجية، والتى جعلت العلم، لأول مرة فى تاريخ البشرية، قوة أساسية من قوى الإنتاج. تضاف إلى الأرض ورأس المال والعمل. وبالتدريج بدأت ملامح المجتمعات الصناعية المتقدمة تتغير، ليس فى بنيتها التحتية فقط، ولكن أيضا فى أسلوب الحياة، وأنماط التفكير، ونوعية القيم السائدة، وأساليب الممارسة السياسية. ومنذ الستينيات ذاع مصطلح جديد، أطلقه بعض علماء الاجتماع الغربيين، من أبرزهم «دانيل بل» لوصف المجتمع الجديد، وهو «المجتمع ما بعد الصناعى» غير أنه مع مرور الزمن تبين قصور هذا المصطلح عن التعبير عن جوهر التغير الكيفى الذى حدث. 
ومن هنا صك العلماء الاجتماعيون مصطلحا آخر رأوا أنه أوفى بالغرض. وأكثر دقة فى التعبير، وهو مصطلح «مجتمع المعلومات». وذلك على أساس أن أبرز ملمح من ملامح المجتمع الجديد أنه يقوم أساسا على إنتاج المعلومات وتداولها من خلال آلية غير مسبوقة هى الحاسب الآلى، الذى أدت أجياله المتعاقبة إلى إحداث ثورة فكرية كبرى، فى مجال إنتاج وتوزيع واستهلاك المعارف الإنسانية. 
فى ظل هذه التطورات الكبرى فى مجال المعرفة والاتصال، وانتقالنا من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات أخذ يتشكل ببطء، وإن كان بثبات، ما يمكن أن نطلق عليه «الوعى الكونى»، والذى سيتجاوز فى آثاره، كل أنواع الوعى السابقة علية كالوعى الوطنى، بكل تفريعاته من وعى اجتماعى ووعى طبقى والوعى القومي، سيبرز «الوعى الكونى» متجاوزا كل أنماط الوعى السابقة عليه، لكى يعبر عن بزوغ قيم إنسانية عام، تشتد فى الوقت الراهن المعركة حول صياغتها، واتجاهاتها، ولابد فى مستقبل منظور، أن ينعقد الإجماع العالمى عليها. 
أن مجتمع المعلومات الكونى، ليس فى الواقع حلمًا، بقدر ما هو مفهوم واقعى، وهو المرحلة الأخيرة من مراحل تطور مجتمع المعلومات. وهناك أدلة تؤكد هذا القول: منها، أن العولمة هى روح الزمن فى مجتمع المعلومات. ويرجع ذلك إلى الأزمات الكونية المتعلقة بالنقص فى الموارد الطبيعية، وتدمير البيئة الطبيعية، والانفجار السكاني، والفجوات العميقة الاقتصادية والثقافية بين الشمال والجنوب. 
بالإضافة إلى إن إنتاج السلع المعلوماتية سيتجاوز إنتاج السلع المادية، بالنظر إلى قيمتها الاقتصادية الإجمالية، وسيتحول النظام الاقتصادى من نظام تنافسى يقوم على السعى إلى الربح إلى نظام تأليفى ذى طابع اجتماعى يسهم فيه الجميع. 
ومن التحديات التى تواجه تشكيل مجتمع المعلومات الكونى، هو تنمية الذكاء الكوني، وهو يعنى القدرة التكيفية للمواطنين فى مواجهة الظروف الكونية المتغيرة بسرعة. والذكاء يمكن تعريفه – بشكل عام – بأنه القدرة على الاختيار العقلانى الإنسانى لحل المشكلات. ويبدأ الذكاء بالمستوى الشخصى لدى الأفراد، ثم يتطور ويتعمق إلى مستوى الذكاء الجمعى. 
وداخل الجماعة يفترض أن الذكاء الشخصى للأفراد سيتألف وينسق بنيه لتحقيق الأهداف العامة لتغيير البنية الاجتماعية، وهو ما يطلق عليه «الذكاء الاجتماعى». وهو بذاته الذى يمكن أن يتطور ليصبح ذكاءً كونيًا، والذى سيتشكل من خلال الفهم الكونى المتبادل، الموجه لحل المشكلات الكونية، كما ظهر أخيرا فى الجهود العالمية لمواجهة أزمة البيئة الإنسانية، التى تشارك فيها مختلف الدول فى الوقت الراهن. 
ويتساءل السيد يسن كيف نفهم عملية تغيير العالم؟.. العالم يتغير تحت أبصارنا بعمق، والنظام العالمى يتحول تحولات كيفية غير مسبوقة. كيف نفهم الآثار التى ستنجم عن نشوء مجتمع المعلومات الكونى، وكيف نحلل الصراع المحتدم فى الوقت الراهن حول النظام العالمى الجديد؟ 
هذا سؤال جوهري، وهو لا يطرح مجرد قضايا مجردة يشتغل بها العلماء الاجتماعيين، ولكنه يثير موضوع قدرتنا كمواطنين وبشر معنيين فى العالم المعاصر، حيث تنهمر علينا الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل ساعة، عبر شاشات التليفزيون، بكثافة عالية، وبطريقة عشوائية لا يجمعها نسق. هل تصلح المناهج السياسية والاقتصادية بمفردها لأن تقدم لنا إطارًا يسمح لنا بالفهم؟ فى تقديرنا أن هذه المناهج – التى عجزت عجزًا تاما عن أن تتنبأ بما حدث – تقصر عن أن تكون مرشدنا فى فهم ما يحدث. ومن هنا قناعتنا المؤكدة فى أننا بحاجة إلى تبنى منهجية التحليل الثقافى لكى يساعدنا على أن نفهم ونفسر التغيرات العالمية الكبرى، والتى ربما كان رمزنا عام ١٩٨٩، حين سقطت الأنظمة الشمولية سقوطا مدويا. وانفتح بالتالى باب جديد من أبواب التاريخ الإنساني. 
وللحديث بقية