شاهدت دولًا مدهشة بدأت معنا أو بعدنا ووصلت اليوم إلى قمة النجاح والرفاهية فى قصة كفاح مذهلة.
فجيل واحد بدأ فقيرًا وانتهى ثريًا نتيجة علمه وعمله وطموحه، وكتبت عن شعب كلٍ من كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، وأواصل اليوم حديثى عن قصصهم التى عرفتها لعلنا نتعلم منها شيئًا!!
قلت لهم كيف طورتم بلدكم إلى هذا الحد؟ قالوا ألم يقل لنا ديننا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فلقد غيرنا ما بنفسنا! قلت لهم وكأنى أسمعها لأول مرة.
فبعد أن أنهيت محاضرتى فى أكبر جامعة بماليزيا سألنى طالب ماليزى وبمنتهى التواضع إيه رأيك فينا؟ فنظرت إليه محتارًا كيف أجاوبه، فلربما لايدرى أن بلده قد سبقت العالم بمراحل! ففى حين يغفو العالم أو يتقدم ببطء تقفز ماليزيا بأسرع من البرق، فحين زرت الجامعة لم أصدق نفسى من التطور التكنولوچى والجو التعليمى المبهج والإصرار على الامتياز وبتواضع جم.
لم أر عواجيز داخل الجامعة سوى عدد يعد على أصابع اليد والغالبية العظمى من الشباب الصغير النشط والمتفتح على العالم، شباب يملك طاقة لا تضاهى وببساطة شديدة. وسبب انطلاقة وتميزه هو السلام مع النفس ومع الآخرين فقلوبهم صافية بلا حقد أو كراهية ولسانهم العف وأدبهم الجم يذهلك.
عرفوا أن العلم طريقهم الوحيد للنهوض فحرصوا عليه وعلى جودته «ويطلبون العلم ولو فى الصين» إذا صح هذا الحديث الشريف.
فرغم أن كليات الطب مكلفة جدًا ولا تقبل إلا عددًا محدودًا لا يزيد على مائة طالب للكلية الواحدة لضمان كفاءة التعليم وجودته سافر من لم يجد مكانًا منهم إلى العديد من دول العالم مثل الهند وباكستان ومصر وبنجلاديش وإندونيسيا للتعلم رغم الفارق الشاسع فى مستوى التعليم.
فخريج الطب فى كلياتهم يمكنه تكملة دراسته مباشرة فى بعض كليات الطب الأمريكية دون اختبار وهو ما يصعب حتى على خريجى الجامعات الأمريكية حيث يحتاج المتخرج النجاح فى امتحانات إضافية بالإضافة إلى فترة عمل فى الأبحاث لسنة أو اثنين حتى يُقبل إن كان محظوظًا. لقد حولوا بلدهم إلى جنة بمعنى الكلمة.
فبرغم تباطؤ معدلات النمو فى دول العالم المتقدم -باستثناء الصين- إلى نحو ٢٪ حافظت ماليزيا على معدل نمو نحو ٥.٨٪ ووصل نسبة المواطنين تحت مستوى الفقر إلى ٤،.٪ وهى أقل نسبة فى العالم وزاد التصدير إلى ١٧٥ مليار دولار سنويًا بفائض سنوى نحو ٣٠ مليار دولار وانخفاض البطالة إلى ٣.٤٪ والتضخم إلى ٣.٦٪ ووصل متوسط دخل الفرد بمعدل شراء نحو ٣٠ ألف دولار سنويًا. والآن تستعد ماليزيا للثورة الصناعية الرابعة بعصر الروبوتات والثورة الرقمية والذكاء الصناعي.
كل ذلك لشعب ثلث تعداد سكان مصر ومعظمهم من المسلمين.
لقد تقدمت ماليزيا لأنها آمنت بأهمية التعليم كمحرك الاقتصاد الأول وآمنت بإعطاء الفرصة للشباب للعمل فإنتاجية العامل الماليزى نحو ضعف إنتاجية الدول المجاورة! لم يضعوا وقتهم فى مهاترات العراك الدينى والتعصب! فكلهم فى الوطن إخوة ماليزيون فالدين لله والوطن للجميع. لذا فقد دخلوا مع العالم فى منافسة غير متكافئة كسبوا فيها الدنيا والدين، جنة على الأرض وأخرى فى السماء لأنهم آمنوا بأهمية العلم والعمل! فمتى نفعل مثلهم؟