تحمل طارق عامر المسئولية محافظًا للبنك المركزي في أصعب وقت بعام 2015، كانت نسبة نجاحه لا تتعدى 15%؛ حيث عانى الاقتصاد المصرى كثيرًا نتيجة للهزة التى أصابته بعد ثورة يناير 2011، وما تلاها من أزمات مختلفة بسبب انهيار السياحة المصرية، وإحجام الاستثمار الأجنبى عن الدخول فى السوق المصرية، نتيجة لتضارب الوضع، وهروب المستثمرين وارتفاع التضخم وظهور السوق الموازية للدولار.
وقتها قرر "عامر" المواجهة بصدق، وخاض المواجهة بإيمان راسخ، ولم يترك للخوف فرصة ليتملكه حتى عبر باقتصاد الوطن لبر الأمان، وعمل على تنفيذ تغيير شامل للسياسات لأول مرة، والإصرار عليها فى مواجهة خوف البعض من كل ما هو جديد، والإصرار على تنفيذ الإصلاح وتحمل مسئوليته أمام المجتمع من أجل إنقاذ موقف كاد يعصف بالاستقرار العام، لقد كانت معركة من أجل البقاء، ومن أجل تأمين الدولة من شريان الحياة، متمثلة فى جذب تدفقات النقد الأجنبى، واستعادة قدرات الاقتصاد الإنتاجية، وفتح الأسواق الخارجية أمام الإنتاج المصرى، وإنهاء احتكار الواردات، وإطلاق القدرات الاقتصادية الهائلة الكامنة، والتى قوضت سنوات بسياسات أخذ منها الخوف من المواجهة ما أدى إلى فقدان مواردنا من النقد.
لقد كانت خطة برنامج الاقتصاد المصرى تقوم على ثقة فى قدرات مصر الاقتصادية ووعي المجتمع ومساندته، وإيماننا أننا سوف نحقق سياسات الاعتماد على النفس، وليس الاعتماد على المعونات والمنح، لقد استطعنا أن نوفر فى خلال أصعب أزمة نقدية مرت بِنَا كل مستلزمات الحياة والعمل الاقتصادى، وفى نفس الوقت متطلبات التنمية.
وليس هناك مكافأة لهذا الرجل أعظم من ثقة الرئيس والتجديد له، فمثله لم يخذل شعبنا ولم ينشغل بما حوله من مهاترات، بالرغم من تشكيك الكثيرين فيه فى خضم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ولكن ثقة السيد الرئيس فى البنك المركزى ودعمه غير المحدود وشجاعة اتخاذه القرار بقوة وتصميم، أنقذ الموقف.
كما أن عامر أدى ما عليه، وكان على قدر المرحلة، وعلى وعي تام وثقة بالبرنامج الاقتصادى المصري، مما أدى إلى نجاح الخطة.
النجاح لم يكن وليد الصدفة، ولكنه نتج عن التخطيط والتكاتف، ولقد كان التجرد من أى أهواء أو أغراض سبيلا لإعلاء المصلحة العامة، لقد وضعنا سمعتنا وتاريخنا المهنى على المحك، ولكن مصر تستحق التضحية بالحياة نفسها، والبناء المؤسسى الذى تم فى البنك المركزى جعل هذه المؤسسة على أعلى مستوى مهنى فى العالم.
ولا أحد يستطيع إنكار أن التجربة فريدة وغير كلاسيكية، وأوضحت أننا يجب أن نغير تماما فى أسلوب عملنا وثقافة العمل وتوجهاتنا.
وما زلت أقول: إن الخوف من الإصلاح وتوابعه وأثره على مكاسب البعض هو عائق أمام تقدمنا الاقتصادى، ولا مجاملة فى المصلحة العامة، مهما كان هناك من هجوم أو مقاومة، إيماننا بالإصلاح وحق الشعب أقوى من صراع المصالح والمواطن، وثق بالتوجهات وأعطانا القوة لتحمل ما كان لا يمكن تحمله، لقد ثبت أن الشعب لديه حس وإدراك ووعى أعلى بكثير من المراقبين، والبنك المركزى سوف يستمر فى التطوير والإصلاح لا يتوقف حتى نلحق بالأمم التى سبقتنا.
ولو لم يكن عامر على ثقة في قدرات الاقتصاد المصري لما أقبل على تحمل المسئولية فى هذه الظروف، لم يلتفت إلى أصوات الهدم فتحمل المسئولية، وكان أهلًا لها، واستطاع أن يكتسب ثقة المصريين فيه.