السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

دولة الإمارات.. نموذج راق في فن العمارة والعمران

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم قيامى بزيارة أبوظبى عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، عدة مرات على وجه السرعة، إلا أننى اكتشف فيها كل مرة ما لم اكتشفه من قبل.. اكتشفت فيها رصانة الدولة وعاصمة الحكم وعمق الأصالة وعبق التاريخ.. أبوظبى مدينة لها مذاق مختلف وطبيعة حنون تشعر أنها تحتضنك منذ نزولك إلى المطار وحتى مغادرتك له.
ذات مرة نزلت مع بعض زملائى في أبوظبى في فندق «جراند ميلينيوم» Grand Millenium وهو أحد الإنشاءات الضخمة لنادى «الوحدة» الإماراتى ضمن مجموعة إنشاءات ضخمة أخرى مجاورة منها «الوحدة مول» ومبنى مخصص للمؤتمرات والاجتماعات واللقاءات ومبنى ثالث للشقق الفندقية، وهو ما يدر عائدًا ضخمًا يُنفق من خلاله على نادى «الوحدة» الإماراتي، وهو ما لم يفعله أى رئيس نادٍ مصرى رغم أن معظمهم من رجال الأعمال..!. 
زرت في أبوظبى خلال زياراتى المتكررة لها معلمين رائعين أولهما «مسجد الشيخ زايد الكبير»، وهو تحفة معمارية بكل المقاييس، ومعجزة في العمارة الإسلامية بقبابه ومآذنه وثرياته ونقوشه، ووجدت فيه عندما زرته وفودًا من مختلف دول العالم تحرص على زيارته والتقاط الصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو له، وثانيهما «قصر الإمارات» الذى يعيد للأذهان قصور «ألف ليلة وليلة»، وهو الفندق الأشهر الذى ينزل فيه ضيوف الدولة من الرؤساء والملوك والأمراء، علاوة على من يستطيع أن يدفع تكلفة الغرف والأجنحة الفندقية، والتى تتراوح بين 5 آلاف درهم (نحو 25 ألف جنيه) و61 ألف درهم (نحو 274 ألف جنيه) لليلة الواحدة، ومهما حكيت عن «قصر الإمارات فلن أستطيع وصفه لأنه أسطورة تستحق المشاهدة، وهو مفتوح للزيارة كمزار أثرى معمارى ليس له مثيل في دولة الإمارات أو المنطقة بأكملها، وقد نشرت على صفحتى الشخصية على فيس بوك صورًا رائعة لهذين المعلميْن، وهو ما لاقى استحسانًا من العديد من أصدقائى في مختلف الدول العربية.
وقد يقول قائل إن عوائد البترول هى التى يمكن أن تخلق كل هذه الأجواء الأسطورية في هذا البلد العربى الشقيق، ولكن هذا غير حقيقي، وإلا كانت الدول الخليجية الأخرى قد حققت لنفسها ما حققته دولة الإمارات لنفسها ولمواطنيها، فالأموال وحدها لا تفعل الشىء الكثير دون عقول واعية توجهها الوجهة الصحيحة. إننى اكتشفت أن السر يكمن في التعليم الذى يشهد طفرة كبيرة في دولة الإمارات؛ فقد أُنشئت عديد من الجامعات الجديدة خلال العقد الماضي، وتحرص هذه الجامعات على أن تقدم تعليمًا متميزًا وخريجًا مؤهلًا لسوق العمل، كما تحرص وزارة التربية والتعليم فيما يخص شئون التعليم العالى والبحث العلمى بالدولة ومفوضية الاعتماد الأكاديمى التابعة لها على ضمان جودة التعليم، وما لم يعرفه كثيرون أن دولة الإمارات كان لها قصب السبق في الاهتمام بجودة التعليم وتطبق في سبيل ذلك معايير صارمة يتابع تنفيذها فرق مراجعة أكاديمية من مختلف البلدان العربية والأجنبية ومفوضون من هيئة الاعتماد الأكاديمي، ولعل هذا التعليم المتميز هو ما يعطى هذه الدولة كل هذه الثقة في خطواتها الواثقة نحو المستقبل.
وإذا أردت أن تخبر دولة فاسأل عن العمران فيها كما علمنا عالم الاجتماع العربى ابن خلدون، وبالفعل سألت، وكانت الإجابة مذهلة، فقد اكتشفت أن ثلاث جزر تابعة لإمارة أبوظبى كانت مجرد رمال صفراء منذ عدة سنوات فقط، وهى اليوم جزر عامرة بالمبانى والطرق والحدائق والخدمات والشركات والعمالة الوافدة، وتستضيف إحداها أحد أشهر سباقات السيارات في العالم وهى جزيرة «ياس»، واستطاعت هذه الجزر أن تستوعب العمالة الوافدة من دبى في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
ويزين جبين دولة الإمارات العربية المتحدة في الآونة الأخيرة مَعْلَمَان مهمان جديدان أولهما هى تلك المدينة التى أُنشئت خصيصًا وشُيدت على مدى سنوات لاستضافة معرض «إكسبو 2020» بدولة الإمارات، والذى يتم تنظيمه كل خمس سنوات، وتسابق الإمارات الزمن لوضع اللمسات الأخيرة على معرض إكسبو 2020، الذى يعتبر أضخم حدث دولى تشهده منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والذى سيفتح أبوابه للعالم اعتبارًا من شهر أكتوبر المقبل ليستمر ستة أشهر كاملة، ويأتى المعرض تحت شعار «تواصل العقول وصنع المستقبل» لإبراز القيم الأساسية التى تتبناها معارض «إكسبو» الدولية، بينما تمثل المواضيع الفرعية الثلاثة: الفرص والتنقل والاستدامة ومحركات التقدم الرئيسية للبشرية، وسيوفر المعرض لملايين الزوار الفرصة لإقامة الروابط وتجديدها والاستمتاع بعديد من البرامج والفعاليات المميزة.
أما المَعْلَم الثانى الذى أصبح درة التاج الإماراتى فهو قصر «الوطن» الذى فاق «قصر الإمارات» عمارةً وفنًا ورونقًا وبريقًا، وهو القصر الذى نزل به الرئيس عبدالفتاح السيسي في زيارته الأخيرة لدولة الإمارات تكريمًا له، وهو قصر لا تكفيه بضع كلمات لأنه تحفة معمارية بكل المقاييس. 
ورغم كل هذا الاهتمام بالعمارة، فلم تُسقط الإمارات من المعادلة الاهتمام بالمواطن الإماراتى والوافدين وكل مَن تطأ قدماه هذه البقعة من حاضرة العرب، فالطرق تم رصفها وفقًا للمواصفات العالمية، ووفرة في الفنادق والمنتجعات والمطارات، ومترو للأنفاق بدون سائق يحافظ على حياة الركاب الذين يقفون على أرصفة المحطات لوجود عوازل بين القضبان ورصيف المحطات، والخضرة في كل مكان، والتكنولوجيا تيسر للمواطنين والوافدين تعاملاتهم مع الحكومة الإلكترونية، والسعادة لها وزارة، وكذلك القوة الناعمة للدولة وإدارته يتم من خلال جهة مختصة بذلك. إن دولة الإمارات تهتم بالعمران كعلم أسسه ابن خلدون ويمزج بين عمارة الأرض والبشر الذى يعيشون عليها. 
إن عديدًا من الدول مازالت للأسف تعتمد على تاريخها وتعانى عديدًا من المشكلات في الحاضر وليس لديها رؤية للمستقبل، وهى بذلك تظل تتأمل نقوشًا على زمن قد ولى وفات، في حين أن دولة مثل الإمارات ترنو بناظريها إلى المستقبل وتضع الخطط لترسم خارطة الدولة في العام 2030، وهى بالتالى حريصة على أن تحفر نقوشًا بارزة وعلامات مضيئة على زمنٍ آت، لتظل نبراسًا لكل من يريد أن يتطلع إلى المستقبل في المنطقة والعالم.