لا شك أن التغييرات التى مرت بها البشرية ومنذ البداية كانت وستظل تغييرات متداخلة ومترابطة وتشمل جميع مناحي الحياة سواء كانت نتائج هذه التغييرات إيجابية أو سلبية، فالعصور السابقة منذ العصر الحجرى مرورًا بعصور الزراعة والصناعة والتجارة قد صحبتها تغيرات شملت مناحي الحياة الاقتصادية تلك التى تشكل النظم السياسية والتى تنسحب بمتغيراتها على النظم الاجتماعية والثقافية، مثال ذلك الثورة الصناعية بعد اكتشاف الآلة التى أحدثت تغييرًا استراتيجيًا في خلق نظام سياسى واقتصادى اجتاح العالم وأحدث، بل ما زال، يترك آثاره حتى الآن خاصةً على الدول التى خضعت لنير الاستعمار، ولذا وعلى ذلك وبعد الثورة الاتصالاتية التكنولوجية التى جعلت العالم ليس قرية صغيرة فقط بل أصبح رهن زر الكمبيوتر أو التليفون المحمول الذى يقتنيه الآن أصغر الأطفال.
أصبح هناك إرهاصات شديدة التنبؤ بمتغيرات دراماتيكية تجتاح العالم في النظم السياسية التى بدأت تنفصل عن النظم التقليدية من ديمقراطيات نيابية وأحزاب سياسية، نبذًا لما يسمى بالنخب السياسية، حيث يبزغ الآن فجر ما يسمى بالديمقراطيات الجماهيرية المواطنية والمباشرة، عودة لنشأة الديمقراطية المباشرة في اليونان، وإن كانت هذه الديمقراطية الوليدة أكثر ديمقراطية من اليونانية حيث إن الحديثة لا تستثنى طبقة دون الأخرى، لذا نشاهد رؤساء أكبر الدول الديمقراطية يأتون إلى الحكم في الوقت الذى لا علاقة لهم لا بأحزاب أو مواقع رسمية، ناهيك عن أن هؤلاء يعبرون عن مناخ شعبوى عالمى كان وسيكون نتيجة لتلك الثورة التكنولوجية.
وشجع هذا وحمس الجماهير العادية التى لا ترتبط بأحزاب ولا بمواقف سياسية بعينها، غير الارتباط والاهتمام بمصالحها الحياتية، أن تُستنفر وتخرج غاضبة ضد نُظم نخر سوس الفساد في عظامها فحولها إلى نظم لا علاقة لها بالجماهير ولا قضاياهم ولا مشكلاتهم،بل اهتمامها كل الاهتمام بمصالح النخبة الحاكمة الفاسدة التى تعتمد على ميراث الفساد والطائفية والمحاصصة،وهنا وجدنا من يستغل الهبات الجماهيرية لصالح ما يراد تحقيقه من مصالح يسعى لها دائما عن طريق المؤامرة، فما بالك إذا كان الواقع هو الذى يمهد ويهيئ لتحقيق تلك المؤامرات، فوجدنا هبات غير مسبوقة في أكثر من دولة في أمريكا اللاتينية، وجدنا هبات تتوافق في كثير من الأسباب في السودان والجزائر والعراق ولبنان.
ولا شك أن هذه الهبات والانتفاضات يجمعها ذلك الفساد المستشرى في أنظمة أسقطت أي مشاركة شعبية في اتخاذ القرار، في الوقت الذى لعبت فيه التكنولوجيا الاتصالاتية الدور الرئيسى في الرصد والحشد والاستنفار استغلالًا للوقت الذى لم يصبح فيه أحد خارج ذلك المناخ الاتصالاتي، فالتأثير والتأثر قائم بشكل تلقائى وسريع، وهنا يجب ألا ننسى ما مررنا به في 25 يناير.
ولا ننسى تلك السنة الكبيسة التى حكم فيها الإخوان، ولا ننسى تلك المواجهات القائمة والتى ستستمر ضد الإرهاب ومن هم وراءه من دول ومخابرات عالمية تستهدف مصر كرائدة وكرمانة للميزان.
هنا وبعد حالة الاستقرار وإعادة هيبة الدولة لا يجب أن نتغافل عن متغيرات وتغيرات في كثير من المناحى حتى لا نعطى فرصة لأى اختراقات معلومة ومنتظرة، وفى الوقت نفسه نعطى الثقة للمواطن الذى وقف وناضل ودفع وما زال يدفع ثمن الإصلاح واستعادة الوطن واستقراره بعد سقوط الإخوان.
هناك تغييرات وزارية وعلى مستويات متعددة، سواء حدثت قبل نزول المقال أو لم تحدث، وهنا نقول: إن التغييرات قد أصبحت وجوبية بل حتمية، فلن تستقيم الأحوال في ظل الظروف المعيشة داخليًا وخارجيًا، خاصةً أن الشارع المصرى يحتاج لكثير من الانضباط في مواجهة بقايا الفوضى التى أصيب بها الشارع بعد 25 يناير، نحتاج إلى تغيير لا يهدف إلى إبدال أحمد بالحاج أحمد، نحتاج إلى وزير سياسى يدرك ويقرأ المشهد السياسى بوعى سياسى واجتماعي وعلى أرضية اقتصادية، وزير يدرك أن الخدمات التى يجب أن تقدم للمواطن هى حق لهذا المواطن بلا مزايدة أو مَن من أحد، وزير يترك الإداريات لوكلاء الوزارة لأنه سياسى يتابع تنفيذ سياسة الحكومة التى أقرها مجلس النواب، وزير يعلم أن الفساد أخطر أمراض العصر التى تفتك بالأنظمة السياسية، نريد محافظا سياسيا بعيدًا عن إهدائه موقع نهاية الخدمة للمنظرة أو للتصوير والإعلام أو لرصف وتزيين شوارع المحافظة و«لتذهب المراكز التابعة للمحافظة للجحيم»، نريد محافظا يعلم أنه في مهمة وطنية لا تخضع لمرتب أو بدل ولا يحددها وقت صباحًا أو مساءً، محافظ يمر ويتابع مراكزه حتى لا يقبع رئيس المركز على مكتبه يتابع عمليات حضور العاملين، نريد من يدرك أن الإنتاج وزيادته وحفظ الوطن واستقراره يتوازى معهما تقديم الخدمات في إطار إنساني، يتساوى مع ذلك نظافة الشارع وتمهيده للسير فيه.
ولنعلم أن المواطن الذى ينتمى ويحمى الوطن ويعمل على زيادة الإنتاج لا بد له أن يجد الخدمات ويلاقى الاحترام ويضمن الحصول على الحق بلا محسوبية أو وسطة أو رشوة، والأهم فالوزير والمحافظ ورئيس المركز ورئيس المصلحة هو المسئول الذى يُحاسب عن وجود فاسد يخضع لرئاسته، فلا يجب ولا يصح ان يصمت رئيس على فساد مرؤوس يعلم أنه فاسد وألا يكون هو الأفسد. حمى الله مصر وشعبها وجيشها العظيم.