الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العشوائيات.. أزمة مكان أم إنسان؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك حكمة صينية تقول: «إذا أردت عاما من الرخاء والثراء، ازرع حبوبا.. إذا أردت عشر سنوات من الرخاء، ازرع أشجارا.. إذا أردت مئات السنوات من الرخاء، ازرع أناسا».. والمقصود بالحبوب والأشجار ما يطرحونه من ثمار تؤدى إلى الخير والنماء، ولكن رغم الفوائد التى تنتج عما تطرحه الثمار، إلا أن الحكمة جاءت لتؤكد أن الاهتمام ببناء الإنسان هو أولى الأولويات، لأن الإنسان هو الضامن لاستمرار الخير لمئات الأعوام، وهو الذى يمكنه أن يزرع ويصنع ويبنى ويستثمر ويطور.. لقد تذكرت هذه الحكمة بعد أن شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعي، هجوما ضاريا على مواطن مصرى بسيط النشأة والحال، يعيش في أحد المساكن الآدمية التى وفرتها الدولة، لسكان المناطق العشوائية التى تخطط الدولة للقضاء عليها في كافة أرجاء مصر.. وسبب الهجوم هو قيام هذا المواطن الذى يسكن بالطابق الأرضى، بتشويه واجهة المبنى، حيث قام بتقسيم شقته إلى ثلاثة أجزاء، جزء داخلى للسكن، والجزء الخارجى على الواجهة أنشأ به جراجا لسيارة واحدة، واقتطع جزءا لمحل تجارى!! بالطبع ما قام به المواطن هو مخالفة جسيمة، ولا شك أنه أدى لتشوه تلفظه الأنفس، ولا تقبله العين، ولكن أى نفس وأى عين؟!.. هل نلوم من تربى على القبح بكل أنواعه؟! ونشأ في مكان غير مؤهل للبشر واعتاد بحكم الضرورة والأمر الواقع على سرقة المياه والكهرباء، ودون دفع مقابل للسكن غير الآدمى أساسا؟!! هل الذنب يقع على هذا المواطن، الذى لم يؤهل لاستقبال صور الجمال، وبالتالى لا يستوعب ما نراه من قبح وتشويه؟! وهل لو وضعنا أنفسنا مكان هذا المواطن بنشأته وظروفه سنحكم عليه بهذه القسوة؟! والتى جعلت البعض يتلفظون بأقبح الكلمات والصفات، ويطالبون بسجن الرجل وتغريمه وسحب الشقة منه!! فماذا لو فكرنا بعقله وبمستوى تعليمه، والذى قد لا يتعدى حد الأمية أو أعلى قليلا!! ربما فكر كيف يتكسب من هذا المنزل الجميل الذى منحته له الدولة، فقرر تقسيم الشقة، واكتفى بجزء صغير مقتطع من الشقة للسكن، طبقا لما تعود عليه من قبل، أو ربما هذا الجزء أكبر مما كان يعيش فيه!! وقسم الجزء الباقى حتى يسترزق منه، فجعل جزءا كجراج لسيارة يمكنه تأجيره والتكسب منه، وجزءا آخر كمحل يبيع فيه ويوفر له عملا شريفا.. ووفق تفكيره لم يخطئ أو يؤذ أحدا، لأنه بهذا يتصرف فيما يملكه، عملا بمبدأ «من حكم في ماله فما ظلم».. وبالتالى قبل أن نقسو على هذا المواطن وغيره، يجب أن نتساءل، هل تمت توعيتهم بحدود مسئولياتهم وحقوقهم وواجباتهم؟!.. رائع أن تقوم الدولة بهذا الواجب تجاه أبناء الوطن، وتوفر لهم مناطق آدمية يعيشون فيها، بعد أن كانوا يعيشون في عشوائيات تتأفف النفوس من العيش فيها.. ولكن هل تمت دراسة سكان هذه المناطق واحتياجاتهم؟! وهل تم جمع البيانات الكافية عنهم، كنسب الأمية والبطالة وعدد الأطفال والمسنين والمرضى.. وغيره؟! وهل الجهات المعنية بالرعاية الاجتماعية والصحية والثقافية قامت بواجباتها تجاههم، ووفرت له ما يحتاجونه من رعاية وتوعية؟.. هل تم وضع خطط من أجل هؤلاء المواطنين، حتى يتم تأهيلهم للحياة في بيئة مختلفة ونمط مختلف؟! وهل تأكد المعنيون بهذه المناطق أن هذا المواطن وغيره لديه عمل يمكن أن يوفر له ولأسرته حياة شبه كريمة؟! بالتأكيد أخطأ المواطن، ولكن خطأه ليس هو المسئول عنه، بل هو مسئولية كل من يتولون الجهات المعنية بهذه المناطق؟! لقد قام رئيس الجمهورية بتنفيذ وعده، ووفرت الدولة المدن والمبانى والشقق.. ولكن أين باقى المسئولين في الدولة؟ وأين دور باقى الأجهزة المعنية بتطوير الإنسان ووعيه ورعايته اجتماعيا؟! وأين الخطط التى وضعوها من أجل الارتقاء الاجتماعي والثقافى والعلمى بسكان هذه المناطق، حتى نضمن أن التحضر لن يكون في الشكل الخارجى فقط دون الجوهر؟! وإلى متى سنظل نحكم على بعضنا البعض بقسوة ودون رحمة، ونقوم بدور الأوصياء والقضاة والجلادين، فنحاكم ونحكم دون هوادة أو رحمة؟! ودون أن نسمع أو نمنح الفرصة لمن يذنب أن يدافع عن نفسه أو يبرر موقفه؟! لقد جاءت هذه الصورة القبيحة لتكشف لنا قبح النفوس، وفساد الضمائر التى لا تقوم بواجباتها، وتترك الوطن والمواطن للجهل والقبح والعوز.. فما نبنيه الآن يمكن أن يتحطم بفعل الجهل والعشوائية والاعتياد على القبح.. وآن الأوان أن نعى وندرك أننا لا يمكن أن نبنى وطنا دون أن نبنى المواطن أولا، وكما تقول الحكمة: «أفضل وقت لزراعة شجرة كان منذ 20 عاما، وثانى أفضل وقت للزراعة هو الآن».. فعلينا أن نبدأ بأقصى سرعة، ويجب أن نفكر ونخطط للقضاء على العشوائية داخل المواطن، بالتوازى مع القضاء على العشوائية في المبانى والشوارع، حتى لا نكون وكأننا نبنى بيوتا على الرمال، فتأتى الأمواج لتهدمها!