الزيارة الناجحة الأخيرة للوفد البرلمانى اليمنى برئاسة سلطان البركانى ولقاؤه المثمر مع الدكتور على عبدالعال، رئيس البرلمان المصرى، الذى أشار إلى العدو المشترك للإرهاب للقطرين الشقيقين، وأن مصر تتعرض لهجمة شرسة من الإرهاب وتبذل قصارى الجهد لتأمين حدودها مؤكدًا على دعم الأشقاء باليمن واعتبره صمام الأمان وبوابة البحر الأحمر مشددًا أننا لن نفرط في هذا الالتزام.
إن الحديث عن الدور المصرى في اليمن فإن المساندة الكاملة بكل قواها، فإن مصر لم تصنع الثورات، ولم تكن إداة لصنع انقلابات لكن المساندة استجابة لحركة التاريخ تحرس التغيير الذى أحدثته قوى الشعب اليمنى بصورة محدودة ومحسوبة حماية لهذا القطر الشقيق من غدر البحر الواسع المكشوف لكل الأطراف وتركه للأعاصير الطامعة.
ورغم الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة الشقيقة فقد كان يطلق عليها إنها تمثل في الجسد خاصة الرقبة.. تفاحة آدم.. وفى اجتماع تحدث فيه الرئيس عبدالناصر حول الحقائق قائلًا: إن اليمن هو بمثابة (القصبة الهوائية) للجسد العربي.. وذكر إن المساندة العسكرية لإنقاذ اليمن من أطماع عديدة في مقدمتها بريطانيا تحاول سرقة الثورة اليمنية وتدمير حركة القومية العربية وذكر أن هناك فارقا بين الحملة الفرنسية على مصر والمشاركة المصرية باليمن، صحيح أن فرنسا جاءت للاحتلال ولا ننكر أنها جاءت أيضًا برسالة التنوير في حدود الخدمات الطبية والعلمية والثقافية، بينما اليمن في صف واحد نشارك المعارك كرجل عربى يؤمن برسالة حيث جاء الجندى المصرى مساندًا لثورة شعبية.
إن اليمن موضع اهتماماتى فقد ارتبطت برموز الثورة اليمنية التى قادها أول ضابط على عبدالغنى الذى استشهد وتسلم منه المسئولية عبدالله السلال وتعرفت على العديد من القيادات من صناع القرار بعد الثورة في مقدمتهم الرئيس السلال شخصيًا، والذى كان يعمل في مكتبه السفير المصرى محمود باشا وهو اسكندرانى ومعظم طاقم مكتبه من المصريين، وبحكم علاقاتى المباشرة بهيئة مكتب الرئيس السلال وبرعايته كنت أحظى بانفرادات تميزت موضوع في مؤتمر القمة العربى في 1964م وتغطيات صحفية وقبل المؤتمر لاقت إعجابًا وتقدير من الرئيس السلال شخصيًا وقال بالحرف الواحد في دعوته الموقعة منه شخصيًا «يصير سفر السيد محمد شاكر مندوب الأخبار المدعو لحضور احتفالات صنعاء على الطائرة الخاصة برفقتي».. وحظيت بلقاءات متصدرة مع الدكتور عبدالرحمن البيضانى، نائب الرئيس، الذى أفاض علىَّ من أحاديثه وعلمه الغزير وآخر اللقاءات بالقاهرة كان بمنزل اللواء النبوى إسماعيل، نائب رئيس الوزراء بحضور البرلمانى اليمنى محمد الحبيشي، لا ننسى أحد الأبطال القادة الذين تشرفت بمقابلتهم اللواء صدقى الغول، ومن حظى أن يكون صديق الطفولة الدكتور إبراهيم موسى، الذى أصبح خبير الأمم المتحدة في منطقة الفاو لكى يتولى الإشراف على ثورة النخيل هناك لعشرات السنين وتنقل بين واشنطن وصنعاء وروما واستطاع أن يكسب ثقة المجتمع العلمى اليمنى بإنجازاته، وإذا تحدثنا عن اليمن الواحد فإن الأخ النائب اليمنى محمد الحبيشى قال لى معلومات مهمة مطولة وثابتة وهي: إنه وبعد وقت وجيز من قيام دولة الوحدة في اليمن عام 1990م أعلن النظام السياسى عدة خطوات لبناء اليمن الجديد في مقدمتها التعددية السياسية وقيام الأحزاب وتعهد باستكمال خطوات الوحدة خلال فترة انتقالية مدتها 30 شهرًا وكذلك إجراءات انتخابات برلمانية في ذات الشهر باعتبارها الخطوة التى تكمل إنجازات قيام دولة الوحدة والتأهب لمرحلة جديدة تعيشها البلاد في ظل الديموقراطية.. وخلال مدة قصيرة انتعش المناخ الديموقراطى باليمن لحد أن عدد الأحزاب والتنظيمات وصل إلى 46 حزبًا وتنظيمًا وأصبح عدد الصحف والمجلات المنشورة 93 مطبوعة، ويلحظ أن الزائر لليمن آنذاك والمراقب لشئونها الداخلية أن هناك حركة واسعة للتعبير عن الرأى والنقد والمراجعة للأفكار والمفاهيم ويتم ذلك دون أى قيود، ومن الطبيعى أن يفوز هذا الحماس الزائد للديموقراطية والإسراع بعمليتها جدلًا صاخبًا ويثير المشكلات إلى حد القلق على مستقبل التجربة ذاتها ولا يخفى بعض المراقبين تقديراتهم للوضع الراهن بأنه مشابه لما كان عليه ليلة يناير 1986م عندما انفجرت الأحداث السياسية في الشطر الجنوبى وقادت صدامات دموية عنيفة.
ويؤمن اليمنيون بضرورة فتح جميع النوافذ أمام مختلف القوى السياسية للتعبير عن نفسها بتلك المرحلة الانتقالية التى هى بمثابة إعداد تشارك فيه جميع القوى الوطنية للمستقبل، ومن خلال الممارسة الفعلية للعملية الديموقراطية تكشفت عدة مصاعب وعقبات يتعين على جميع القوى السياسية تجاوزها لتخرج البلاد من الوضع المعقد الذى تعيشه اليوم وتحقق إنجازات متتالية على الصعيد الديموقراطى، فقد فجرت إخطار الممارسة عدة قضايا مثل جدوى كثرة الأحزاب، وما إذا كانت هذه الأحزاب تلتزم بمبادئ عامة للعمل الوطنى أم تسعى إلى تحقيق مصالح ضيقة على حساب الصالح العام ومدى احترام قواعد اللعبة الديموقراطية ودور الأحزاب في تداول السلطة سلميًا وخطر استخدام العنف في العمل السياسي، إن المجتمع اليمنى يعد فيه حمل السلاح أمرا طبيعيًا مع غياب القانون وحالة الفوضى التى يخلقها بعض الممارسات الخاطئة، فتصبح قضية العنف خطرًا حقيقيًا يعترض المسيرة الديموقراطية في البلاد وتكرار وقوع أحداثه في مجتمع يسعى لفتح صفحة جديدة من تاريخه السياسي، فلا بد من إجراء الدورات الانتخابية العامة في مواعيدها المحددة والتمسك بالنظام الديموقراطى القائم على التعددية ومكافحة أى محاولات تشطيرية أو عمل انفصالى بكل الوسائل المشروعة وإنشاء جهاز تحكيم تم اختياره من الأحزاب والتنظيمات السياسية مهمته التنسيق بين الجهات الموقعة لغرض تطبيق هذا الميثاق والتمسك والالتزام بكل ما جاء في الميثاق وتوعية الأعضاء والأنصار بمضامينه.
هناك حقائق علمية لا يعرفها العالم حتى الآن وهى مجهولة، فالثورة في باطن الأرض، فلها رئتان وأنها تتنفس ويكاد تشعر بـأن لها أذنان تسمع بهما، وأن شموخها حصون لا تقهر وهى مصيدة لكل متسلل مهما بلغت قدراته.. الزراعة.. ثروة البترول.. المعادن ثروة.. كل ما فيها يعتبر قيمة مضافة للإنسان العربى والثروة الأكبر التى هى حياتنا هو موقعها التاريخى وفى مقدمتها مداخلها الخاصة باب المندب التى اكتشفها الرئيس السادات وعزز وجودها مع القادة العسكريين، إن الشعب اليمنى حتى الآن يعشق عبدالناصر وتكاد تشعر بأن في أى مسكن ولو كان متواضعًا ستجد صورة عبدالناصر في كل غرفة وقبلها بالقلوب.
لقد جاءت اللحظة التاريخية لتفكيك الألغام على أرض اليمن، لتعلن نهاية الجراح العميقة والآلام وتتجه عروس العروبة لتعود أنوارها وتستأنف حضارتها وتجدد مجدها وتوقظ الأحلام وتستعيد آدميتها وأشعارها وتنطلق أصوات العصافير، انتهت معركة السلاح وبدأت ترفرف عليها الأعلام.. تنشر في الأراضى التنمية وتنثر السلام، سماء الشعر فيها عالم وغانم، تنطلق بحرًا وبرًا وفى الوديان وشموخ الجبال وكنوز اللولؤ والمرجان، أصبحت عيونها يقظة لا تنام، حفظك الله يا مملكة سبأ، مدرسة العروبة ومقصورة الفكر ومستودع النهضة التى تعرف معالم الطريق إلى إيمان حقيقى لا منهج عبادة الأوثان أو الأصنام.