من أكثر الانتهاكات التى تمارس ضد الإعلاميين والصحفيين فى الفترات الأخيرة، وتمثل اعتداء صارخا على حرية الإعلام والممارسة الديمقراطية التى دعا إليها الرئيس السيسى، ومن قبله دستور ٢٠١٤، هو قيام جهات معينة بانتهــاك حــق الصحفييــن والإعلاميين فــى ممارسـة عملهـم فـى مناسـبات مختلفـة، وقـد شـابت الانتهاكات حالات مـن التمييـز بين إعلاميين وآخرين ينتمون إلى وسائل إعلام بعينها، ففـى عـدد مـن الحـالات قامـت تلك الجهـات بمنـح عـدد مـن الصحفيين والعاملين بوسـائل الإعلام الإذن بالدخول للتغطيـة، ومنعـت علـى الجانب الآخر عـددًا منهـم دون سـبب واضـح، وقـد لوحظ التمييز الواضح ضـد العامليـن فـى الصحـف المصريـة الخاصـة فـى مقابـل العامليـن بالصحـف القوميـة، وكذلك لوحـظ استهداف العامليـن فـى الشـبكات والمواقـع الإخبارية الإلكترونية بالتزامـن مـع اسـتمرار أزمـة القيــد فــى نقابــة الصحفييــن، والتــى تلاحق الصحفيين الإلكترونيين فــى عــدد مــن المناسـبات فـى ظـل عـدم اعتـراف القانـون بكونهم صحفيين رسـميين. كما جاء فى تقرير المرصد الإعلامى المصري.
وكما جاء فى الدراسة التى أعدها المرصد الإعلامى المصرى فى هذا الصدد، أن وسائل الإعلام تعد إحدى المسارات الأساسية التى يتم من خلالها نقل الأحداث إلى الجمهور، والتى يستقى منها المعلومات فى شتى المجالات المختلفة، فهى من أهم الطرق لتشكيل الوعى الجماهيرى فى كافة المواضيع اليومية. وقد اكتسبت التغطية الإعلامية أهمية بالغة لدورها فى الوصول إلى الحقائق وإيصالها للمتابعين، مما يؤهلها للعب دور أساسى فى تكوين الأفكار وصناعة التحليلات والرؤى لدى المواطنين، ومن خلال تلك التحليلات يستطيع الجمهور تكوين وجهات نظر ومواقف تجاه القضايا المختلفة.
من المفارقات فى هذا الشأن، أن الحكومة المصرية أطلقت فى نهاية شهر مايو عام ٢٠١٧ حملة «حق المواطن فى المعرفة»، بهدف توعية المواطن لانتقاء المصادر التى يستقى منها المعلومات، وبينما تدشن الحكومة هذه الحملة؛ فإن جهات فى الدولة تقوم فى الوقت نفسه بانتهاك هذا الحق بالانتقاص من حق العاملين فى الصحف ووسائل الإعلام تحت مظلة تشريعية تكفلها القوانين المصرية بالمخالفة لمواد الدستور المصرى والتشريعات والقوانين الدولية.
وتُعرف التغطية الإعلامية بأنها عملية تتضمن مجموعة من الخطوات التى يقوم من خلالها الصحفي/ الإعلامى بالبحث عن بيانات ومعلومات عن التفاصيل والتطورات والجوانب المختلفة لحدث أو واقعة أو تصريح ما. ومن ثمَّ تنقسم التغطية الإعلامية إلى مسارين، أولهما أنها الداعم الأساسى للمتطلبات المهنية فى العمل الصحفى والإعلامي، والمسار الثانى يتمثل فى أن التغطية الإعلامية إحدى الروافد التى يتم من خلالها تمكين الجمهور فى الحصول على تفاصيل الأحداث والقضايا الاجتماعية التى تتداخل مع اهتماماته وشئونه الخاصة والعامة.
وفى المقابل، يواجه العاملون بوسائل الإعلام تعنتا شديدا أثناء القيام بأعمالهم، وليس من الغريب أن تسمع جملة «ممنوع دخول الصحفيين» فى ظل الظروف الراهنة، ومن الغريب ألا تقتصر تلك الجملة على الفعاليات السياسية، فلقد أصبح المنع من التغطية سمةً فى جميع أنواع الفعاليات السياسية والاجتماعية والفنية والرياضية.
فهناك بعض جلسات مجلس النواب تم منع الصحفيين من ممارسة عملهم فى نقل وقائع عدد من الجلسات فى مرات مختلفة، وذلك بالمخالفة للمادة ١٢٠ من الدستور المصرى، التى أصلت لعلانية جلسات مجلس الشعب. ولم تتوقف نوعية ومساحات الانتهاكات عند هذا الحد، فمن القبة البرلمانية إلى قاعات المحاكم، امتدت إلى الملاعب الرياضية، والمستشفيات، والنقابات، وكذلك مطار القاهرة وأيضا المناسبات الاجتماعية والفنية، فى ظل غياب الآليات التى تضمن للصحفيين حقوقهم، وانتشارًا لسياسة الإفلات من العقاب، التى تمكن المعتدين من الإفلات بجرائمهم، مما يدفعهم لتكرار تلك الانتهاكات دون خوف!
تعتبر التغطية الصحفية مقوما أساسيا من مقومات العمل الصحفى والإعلامي، وغياب التغطية الإعلامية يعنى غياب لإحدى أدوات الصحفى والإعلامى التى يعتمد عليها بشكل أساسي، وهو ما يسبب معوقات وصعوبات على المستوى المهني، لذا فإن أى منع من التغطية هو انتهاك للحريات الصحفية والإعلامية التى تعد جزءًا أساسيًا من الحق فى حرية الرأى والتعبير. وقد أكدت المادة ١٩ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على الحق فى حرية التعبير التى تشمل البحث عن واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أى وسيط وبغض النظر عن الحدود. لذا فحرية التعبير والقول هى أساس الحياة، وقد خلقت قبيل خلق البشرية والمجتمعات والقوانين. لأنها الهواء الذى نستنشقه كل لحظة وكل وقت.