الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ما يطلبهُ المستمعون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان الاجتماع الأول لمؤسسى اتحاد الإذاعيين العرب (الخميس 21 نوفمبر) بإدارة الأستاذ شريف عبدالوهاب (تحت مظلة جامعة الدول العربية) فرصة للالتقاء بكبار المهنة العرب كمذيعي أومسئولى محطات مسموعة على مستوى بلدانهم التى لها تاريخها منذ العقد الثانى مطلع القرن العشرين، وسينضم كذلك مشغلو البث الإلكتروني، وقبلهم من مارسوا _ وما زالوا _ العمل الإذاعى أمام المايك، وفى قلب الأستديو عبر جهاز كان شاغل الكل «الراديو»، وعايشوا بثا مباشرا أو ربطا ميدانيا، أو قدموا مواد يقع تسجيلها، وبثها في مواعيد يجرى تنظيمها بجدول البرنامج، ومنها ما يمتد لدورة برامجية، وهى على الأغلب اثنتا عشرة حلقة ولا تتجاوز الستة عشرة. وللراديو عشاق أوفياء، حتى مع غلبة الفضائيات وإغراءاتها، وانشغال الجمهور بجهاز الموبايل، الجامع للراديو، والتليفزيون، والفيديو الخاص المباشر، كما عواجل اليوتيوب من كل حدب وصوب منها معرفية معلوماتية، ومنها طرائف ومفارقات يرتكبها أهل كوننا في كل مكان، ويجرى تسجيلها وتوثيقها لتصير عند كل عين، ما أقرب العالم صدق من قال صرنا سكان قرية واحدة!.
أجزم أن أجيالا شكلت علاقتها بجهاز الراديو كما لو أنه الزائر المقيم، والرفيق الحميم، ففيما سمعت وطالعت من قصص علائق تشكلت مع الراديو لامست جوانب بل لا نحيد عن الصواب إن قلنا مرتكزات وجود، أينما حللت تجد وتسمع الراديو في البيوت، في الدكاكين، في مقرات العمل العام منها والخاص، بل إن أفلام السينما تعرض لمكانة الراديو في مواقع الحرب، إذ مغادرة الجنود للموطن، والبيت حيث الأهل لا يبلسمها باثا الشوق والحنين غير صوت، وتنفس! قلب ذلك الجهاز، ولعل ذلك ما يذكرنا أيضا بتلك البرامج التى عنت بإيصال رسائل الاطمئنان بين المقيم والمسافر المغترب الدافقة المشاعر والمرفقة برقرقة الدموع وإن الحمد لله أنكم بخير صلة الوصل «اللاسلكي» قارب أن يكون معالج النفوس والحانى مطيب قلقها واشتياقها، ومن حبل الوصل مع الراديو، أتذكر أن «صديقا» لوالدى عمل معه لأكثر من عقدين، في ستينيات القرن الماضى وفى مكتب صغير جمعهم، حين يلج الوظيفة صباحا يوقع في سجل الحضور، ثم يخرج راديو (صغير الحجم) من حقيبته، ويرفع (الإريال) ليتثبت من سلامة تلقى الترددات الصوتية، وأذنه تتحسس وصولا جليا لعبارة: هنا لندن، قال أبى كان زميله شغوفا ببرامجها الصباحية والظهيرة، منها ما تعلق بالمقابلات، وما خص اللغة العربية وقراءة الشعر. الطريف أنهم تصالحوا وبرضاه بل وبشعوره بالفخر،على تسميته إذا ما استعجلوا طلب حضوره بمناداته: تعال يا ترانزستور.
كنت ولأكثر من عقدين ابنة الإذاعة المسموعة، في مهنة القراءة، ثم عملى بكلية الفنون والإعلام بقسم الإذاعتين وتدريسى لسنوات لمادة «فن الإلقاء»، ثم كمدربة عبر مؤسستى «ميادين» مؤخرا، وهى المادة التى ظلت لسنوات يُخلط بينها وبين فن الخطابة ويقوم بتدريسها أساتذة العلوم الشرعية، والدراسات الإسلامية، ولعل بذور تلك المهنة لدى نبتت منذ شجعنى والدى على مقاربة «المايك» بالإذاعة المدرسية، كتب لى الموضوعات القريبة مما يدور في مجالنا (ثم تركنى أحاول الكتابة)، وحقيقة ميزنى عن تلاميذ زملائي، يُحضرون مواد جيدة لكنها مُعتادة، وعلمنى كيف أُلقيها، لعلاقته الوظيفية كمعلم لقراءة القرآن وتحفيظه ثم اختبار للمعلمين له، على ذلك وجه قراءتى إلى نصائح أساسية كمخارج الحروف، ووضوح الصوت، والمد عند اللزوم، والابتعاد عن الرتابة والإيقاع الواحد، وكانت له جملة كثيرا مارددها معي، وما زال صداها في ذهني، حين أجلس بجانبه مساء قبل صبيحة تقديمى للمادة بالمدرسة: أعطى الحرف حريته، ويطبقها كنت أفهم أن إطلاق الجملة من لسانى سلسة، مرتاحة غير متوترة ولا عجولة أهضم فيها حق حرف من الحروف وأبلعه!، ولن أنسى طبعا نصيحته الرئيسة: أن ليس لدى مهمة واجبة، بل على مسئولية «أحب» القيام بها، وإيصالها كما «يجب» أن تكون، عند سماع الناس لها.
في سيرة العمل الإذاعى قصص كثيرة، تحتاج تدوينا لارتباطها بأحداث، ومواقف قاربت أوضاعا متخلخلة عشناها، كما وشخصيات على مستويات عدة، عملت إلى جانب عملى الرئيس، متعاونة في أغلب المحطات المسموعة بالعاصمة بل وجرى استضافتى بمحطة بنغازى المسموعة وسجلتُ بها، أغلبها برامج ثقافة وأدب وفنون، ودراما، وكان حظى أن كتب بعضها كتاب وأدباء هم رموز ثقافية ببلادنا، وإن جرى إهمال أدوارهم، كما وامتهان لحق الأجور، كان قرار الدقيقة أجرها جنيه!،أو من يُعد، ويُقدم، ذات البرنامج عليه أن يختار بينهما حين ينال أجرهُ، كما وتراكم دفع الأجور الذى يمتد لسنوات من المطالبة والتردد على القسم المالي، أو قد يُهمل بالمرة، ويصير دينا لاسبيل للمطالبة به فالعمل للمتعاون يتم بلاعقود، سأتوقف إلى هنا ولعل مقالة قادمة أسردُ فيها مواقف شجاعة لزملاء المهنة، كما تحية وتعريف لمن علموني، ووجهوا مساري، هو واجب وحق من التلميذة للمعلمين، الذين دونهم ما كان تحقق القبول والنجاح في المهمة الإذاعية.