في إشكالية المال والعلم والسلطة، قال عم موافي: في قريتنا المال قادر على شراء السلطة وكسب ود العلم وربما تسخيره، وفند موافي أسباب ذلك بأن العالم أصبح سلعة ولم يعد الأمر يتعلق بجوهر أو قيمة، فنحن رأينا دكتور الجامعة الذي تحول إلى سائق موتوسيكل مع أنه ظل محتفظا بلقب الدكتور السائق، ورأينا العكس.
باختصار قال عم موافي قبل أن يطفئ نار "الركوة"، الكل خاضع للبيع أو الشراء طالما تتبع القرى نظام "الكوسة"، وهذا نظام جديد اخترعه المصريون خلافا لما طالب به "لينين" الأرض والخبز والسلام، وخلافا لنظرية اللورد كينز، وقد جاء أرسطو بخلاصة القول: عند وجود السلطة يصير الناس أشرار، وعضد سقراط ذلك بقوله: راحة السفهاء في الباطل.
وطبقا لما قاله عم موافي وما سبق ونبه إليه الفاجومي عن قصد في رائعته "كلب الست"، بات مؤكدا بما لا يدع مجال للشك أن المال يفعل كل شيء حتى أنه يحول في بعض الأحيان الحيوان إلى سيد، هذا إن لم يكن من فصيلة أصيلة وإليكم الدليل.
كان الباشا لديه كلب كبير مدلل، يخرج به في القرية ينبح على أهلها فيستشيطون غضبا، فيحاول البعض تمسيخ الحكاية بأنه "بليسي" كما قال عوضين.
مرض الكلب مرضا عضالا لم ينفع فيه ما جلبه المال من حكماء، فعند النهايات تتبدل قوانين الحكايات، وقف المال والسلطة على باب الغرفة وعجز العلم عن إيجاد أسباب الداء.
فرحة متوارية كانت في صدور أهل القرية فضحتها زغرودة بعد موت الكلب، أغضبت صاحبه فأقام له سرادق عزاء كبير، وجاء المعزين من كل حدب وصوب يقدمون التعزية في الفقيد: تعيش وتفتكر يا باشا.
على غير عادتهم أظهر أهل القرية غضبهم وقرروا أن يحتكموا للعمدة، الذي أخذته الحمية فأرسل يستدعي الباشا ليوبخه على فعلته.
ظن الرعاع أن حيلة صاحب المال انتهت بموت كلبه وأن العمدة عاد إليه صوابه.
في ثبات أتى الباشا إلى حيث جمع الرعاع في دوار العمدة، وفي حدة قال له العمدة: إنت إزاي تتجرأ وتعمل عزاء لكلب؟
أجاب الباشا في دهاء: الكلب قبل ما يموت ساب ١٠٠٠ جنيه وصاني أقيم له عزاء بنصف المبلغ وأعطي العمدة نصفه. فصاح العمدة: بتقول سيادتك المرحوم قالك إيه؟
ظلمنا الكلاب لعقود ولم نفهم معنى نباحهم.