السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إيران.. هل حان وقت سداد الدين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما بين التوسل والذل والمهانة على الحدود بحثا عن لقمة عيش، وخيمة إيواء، وبين جثث النساء والأطفال وكبار السن الطافية على شواطئ البحار والمحيطات، نسأل: هل هذه هى الحياة؟ وهل خلق الله الإنسان ليقتل ويُدمر ويُخرب؟ أم يعمر ويستقر ويأمن على نفسه وعائلته وماله، ويمارس طقوس دينه بحرية؟ ولماذا الثورات لا تندلع سوى فى الأوطان العربية والإسلامية فقط؟ وهل الله اختص من عباده، العرب فقط، ليقودوا الثورات الدينية، بينما باقى العالم ينعم فى الأمن والاستقرار والرخاء؟
الاقتصاد هو عنوان الاحتجاجات التى تشهدها إيران، مثلما هو عنوان لمظاهرات عربية لبنان والعراق أو لاتينية شيلى وبوليفيا، وأيضا مظاهرات فرنسا التى تجددت، مع الاختلاف اقتصاديا وسياسيا بين دولة وأخرى. والمفارقة أن مظاهرات لبنان والعراق، موجهة فى جزء منها إلى إيران، بشكل غير مباشر فى لبنان، وحزب الله أحد الأطراف التى توجهت إليها المظاهرات ضمن التركيبة الطائفية والسياسية التى يعلن المتظاهرون تمردهم عليها.. وبشكل مباشر يتوجه متظاهرو العراق إلى النظام الطائفى ويطالبون بالدولة والاستقلال والهتافات ضد إيران واضحة، واللافت للنظر أن مستشار الرئيس الإيرانى فى تعليقه على مظاهرات الوقود قال عن إيران ليست العراق أو لبنان.
بالرغم من التشابه فى أسباب المظاهرات، حيث كان رفع الأسعار عاملا مشتركا فى الموجة الحالية من التظاهرات، ولكن العراق يبدو الأمر أكثر تعقيدا، فهناك شباب خرج ليطالب بتغيير شامل فى النظام الطائفى الذى فرضته الولايات المتحدة بعد غزو العراق، حيث تم تفكيك المؤسسات الأمنية والسياسية من دون بدائل وإحلال نظام طائفى لم يكن موجودا فى العراق حتى فى العهد الملكى. كانت إيران هى الرابح الأول من غزو العراق، حيث تخلصت من خصم قوى، وسيطرت على المؤسسات والسلطة فى العراق.
أيضا دخل النظام الإيرانى فى صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب إلغاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للاتفاق النووى مع طهران، وتبادل الطرفان التهديدات من دون الوصول لصدام، لكن تم فرض عقوبات اقتصادية على إيران من الولايات المتحدة، أثرت على الاقتصاد الإيرانى، وربما السلطات الإيرانية راهنت على أن الشعب الإيرانى وهو يحتشد فى مواجهة أمريكا ربما يتقبل قرارات اقتصادية صعبة، وتم اتخاذ قرار رفع أسعار الوقود لتعويض جزء من خسائر الأزمة الاقتصادية، وتجاهلت السلطات أن الإيرانيين سبق وخرجوا فى مظاهرات قبل شهور، وأن الموجة الجديدة للاحتجاجات تنتقل بالعدوى فى عالم متداخل ومرتبط بشبكات افتراضية وتواصلية وإخبارية.
ومن المفارقات قول إيران إن ثمة تدخلات أمريكية وراء مظاهرات الداخل، بينما تتدخل طهران فى لبنان والعراق واليمن، فإيران لديها سياسة خارجية متشابكة ومتداخلة فى أكثر من صراع إقليمى، وبالطبع فإن امتلاك النفوذ له ثمن يتم سداده من الاقتصاد الإيرانى، ويسبب استنزافا للموارد والإمكانات، بالرغم من أن إيران دولة غنية بالنفط والموارد، إلا أن التحركات الإقليمية لاشك تكلف الخزانة الكثير بجانب تأثيرات العقوبات الاقتصادية، مما يضاعف من الإنفاق الخارجى ويضاعف من تكاليف التحركات الإقليمية والاحتفاظ بالنفوذ، وكل هذا ينعكس على حياة المواطنين، وظهر فى انفجار المتظاهرين بعد إعلان رفع أسعار الوقود، ولا يتوقع أن يكون قرار رفع أسعار الوقود كافيا لامتصاص الغضب، ويتوقع أن تتواصل المظاهرات، خاصة وأنها شهدت شعارات سياسية مضادة للنظام ومرشد الثورة والرئيس والمرجعيات الدينية، وتم حرق صورهم، بما يشير إلى كسر هيبة النظام، مع وجود مظاهر كثيرة للأزمة الاقتصادية، ويصعب استبعاد العوامل الاقتصادية والفقر والبطالة، من أسباب الغضب العالمية، ومع إضافة الاحتجاجات فى العراق ضد تدخلات إيران، فإن الأمر قد يتجاوز مظاهرات محدودة ليمتد إلى موجات قد تكون أكثر عنفا من جانب السلطات وأيضا من جانب المتظاهرين، خاصة وقد شهد اليوم الأول عمليات حرق لبنوك ومنشآت وسيارات للشرطة، ومقتل أكثر من ١٢ متظاهرا ومئات الجرحى، ويتوقع حال استمرار المظاهرات أن تستخدم السلطات عنفا أكبر بما يشعل ردود أفعال تولد عنفا، وفى حين يتجه البرلمان وجزء من السلطة للتراجع عن رفع أسعار الوقود فإن هناك تيارا يرى أن التراجع يشجع على المزيد من التظاهر.
ونشرت «نيويورك تايمز» وثائق عن أنشطة الاستخبارات الإيرانية فى العراق، وزيارة قاسم سليمانى لها، فى محاولة لمواجهة المظاهرات التى تندد بالتدخل الإيرانى فى العراق، صحيفة نيويورك تايمز تتحدث عن تجنيد عملاء فى العراق، ودفع الحرس الثورى رواتب وكلاء وعملاء فى العراق والتسلل لكل دوائر صنع القرار والأحزاب والاقتصاد، وتنسب إلى معلق أمريكى أنه: لا يمكن لأى سياسى عراقى أن يصبح رئيسًا للوزراء دون مباركة إيران، ربما لهذا رفع المتظاهرون العراقيون شعارات وهتافات منددة بالتأثير الإيرانى فى السياسة العراقية، وحرقوا الأعلام الإيرانية وهاجموا القنصلية الإيرانية.
الصحيفة الأمريكية تشير إلى أن تغلغل إيران فى العراق بدأ عام ٢٠١٤، بينما النفوذ الإيرانى فى العراق يتسع منذ الغزو الأمريكى، وبمعرفة وتسهيل من الولايات المتحدة، وهو ما أعلنه بول بريمر، أول حاكم عسكرى للعراق بعد الغزو الأمريكى، وقد ساهم الدستور الطائفى الذى أقر بمعرفة الولايات المتحدة هذا التدخل، ولهذا تتحدث نيويورك تايمز فى هذا التقرير عن «سقوط العراق تحت النفوذ الإيرانى منذ الغزو الأمريكى فى عام ٢٠٠٣ الذى حول العراق إلى بوابة للقوة الإيرانية، يربط جغرافية الجمهورية الإسلامية للهيمنة من شواطئ الخليج العربى إلى البحر الأبيض المتوسط».
وقال مستشار الرئيس الإيرانى حسام الدين آشنا، إن إيران ليست العراق أو لبنان، والسفارة الأمريكية فى طهران مغلقة منذ سنوات، ويتهم من يسميهم «انتهازيو الداخل والخارج» ووسائل إعلام بالمبالغة، بالرغم من أن إيران من الدول التى تمول الكثير من أجهزة الإعلام والصحف فى دول عربية وأجنبية، ضمن تحركاتها لدعم سياساتها ونفوذها، لكن الاختلاف فى التوجهات من شأنه أن يضع السلطات فى إيران فى متاهة من المواقف التى قد تنهى الأزمة أو تضاعف منها حال تم تجاهل التحولات التى تجرى إقليميا ودوليا.
أيضا فالحكومة الإيرانية، وعلى لسان متحدثها الرسمى، وصفت المظاهرات بأنها «أحداث شغب»، وتوجه اتهامات إلى جهات خارجية بالوقوف خلفها، ويقول قائد قوات الباسيج فى الحرس الثورى، اللواء غلام رضا سليمانى: «أمريكا فشلت فى مخططها لإثارة الفتنة فى إيران، فهى لم تنجح مطلقا فى زعزعة أمن إيران، وواجهت هزيمة جديدة»، فى الوقت الذى تنشر فيه الصحف الأمريكية ما تقول إنه وثائق عن تدخل إيرانى فى العراق ولبنان وأنشطة الأجهزة الأمنية أعمال الشغب التى شهدتها بعض مدن البلاد».
وعليه فإن كل متابع للأحداث الإقليمية، وما يجرى فى إيران لا يتوقع أن ينتهى التوتر والصراع، بل ربما تكون الأحداث القادمة أكثر درامية، صحيح أن السلطات الإيرانية أعلنت أنه تمت السيطرة على أغلب الاحتجاجات، وأن الأوضاع ستعود إلى سابق عهدها، لكن الواقع ربما لا يؤيد هذا التصور، خاصة أنه بالرغم من أن السلطة تتحدث عن أياد خارجية فإن الحكومة لا تنكر أنه بصدد إجراءات اقتصادية قد تضاعف من حجم الغضب، وبعد أيام من اندلاع أعنف مظاهرات اعتراضا على رفع أسعار الوقود تشير الداخلية الإيرانية إلى مقتل عدد من رجال الأمن، والمعارضة تعلن عن عشرات القتلى من المتظاهرين، الحكومة الإيرانية اعتبرت خطة رفع أسعار البنزين جزءا من الإصلاح الاقتصادى الذى تحتاجه البلاد سواء كانت هناك عقوبات أم لا، لكن واضح تأثير العقوبات الاقتصادية وأيضا الأزمة التى تعد نتيجة مضاعفة الإنفاق على مناطق النفوذ الإيرانى فى العراق واليمن ولبنان وسوريا.
من هنا ربما تكون العقوبات الأمريكية كشفت عن الأزمة التى كانت سوف تظهر فى أى وقت. وفى حال استمرت السياسات الأمنية والإقليمية لإيران فى العراق واليمن ولبنان وسوريا، فإن هذا من شأنه أن يضاعف من أزمة الاقتصاد الإيرانى، وهو ما تراهن عليه الولايات المتحدة فى صراعها مع طهران فى أعقاب إلغاء الاتفاق النووى، واتجاه طهران إلى مضاعفة إنتاجها لليورانيوم وتطوير برنامجها النووى، وهى خطوات تحتاج إلى موازنات وإنفاق ربما يضاعف من أزمات الاقتصاد بما قد يجعل المظاهرات والاحتجاجات قابلة للتجدد، خاصة أن أطرافا فى الحكومة الإيرانية دعت للتراجع عن قرارات رفع أسعار الوقود واعترفت بوجود معاناة كبيرة لمواطنين، دفعتهم للاعتراض وهى أسباب ما زالت قائمة، خاصة فى ظل استمرار سحب الأموال للإنفاق على مناطق النفوذ.