الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«The Irishman».. الاعتراف الأخير لقاتل يبحث عن خلاصه

The Irishman
"The Irishman"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم ينجز المخرج القدير مارتن سكورسيزي، فيلما عن عصابات المافيا وعالم الجريمة المنظمة منذ 13 عاما حين قدم تحفته السينمائية «The Departed» الفائز بأربعة جوائز أوسكار، وحرص خلال تلك الفترة الماضية على تجربة واستكشاف أنواع جديدة غير مألوفة لجمهوره، من بينها: "Shutter Island" و"The Wolf of Wall Street" و"Silence" المأخوذ عن رواية يابانية بنفس العنوان للكاتب شوساكو إندو. إلى أن فاجأ "سكورسيزي" الجميع وأعلن عودته لمنطقته المفضلة بفيلمه الجديد "The Irishman" الذي أفتتح مؤخرًا مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ41.
وطوال السنوات الماضية ظل يرواد "سكورسيزي" حلم العودة إلى تيمته المفضلة (أفلام العصابات)، إلى أن جاءه النجم روبرت دي نيرو بفكرة مشروع سينمائي جديد قبل 10 سنوات، حينما أطلع على كتاب "سمعتم أنكم تطلون المنازل" للكاتب تشارلز براندت، وبدأت تتأجج مشاعر الاثنين لتنفيذ هذا المشروع، لكنه واجه العديد من الأزمات الإنتاجية بسبب ضخامة الميزانية التي بلغت 159 مليون دولار، إلى أن وافقت شبكة "نتفليكس" على إنتاجه قبل سنوات ليصبح المشروع الأكثر تكلفة في تاريخ عملاق البث الرقمي.
إن عودة "سكورسيزي" لهذا النوع من أفلام العصابات التي أسس لها بالمقام الأول مع مخرجين أخرين أمثال فرانسيس فورد كوبولا صاحب ثلاثية "The Godfather" وبراين دي بالما مخرج فيلم "Scarface"، كانت مدروسة وعميقة إلى حد كبير لم يعتمد خلالها على أسماء أي من نجوم فيلمه الذين لعبوا دور البطولة روبرت د ينيرو وجو بيشي وآل باتشينو، بل قدم قصة ذات أبعاد ملحمية بإيقاع متوازن استفادت بشكل واسع من الثورة الهائلة بمجال المؤثرات البصرية حرصت خلالها على توظفيها بشكل صحيح دون ابتذال أو اسراف ليكون ممتعًا بقدر أفلامه الكلاسيكية الأخرى.

سرد معقد وأبعاد تاريخية
يعتمد سيناريو "The Irishman" الذي صاغه المؤلف الشهير ستيفن زاليان، على التنقل بين الأزمنة بشكل أساسي خلال عملية سرد القصة، فيبدأ الفيلم في الزمن الحاضر وبطله فرانك شيران (الأيرلندي)، يلعبه روبرت دي نيرو، يوجه حديثه لشخص ما لا نتعرف عليه إلا مع الأنفاس الأخيرة من عمر الفيلم، ثم يعود للماضي على فترات زمنية مختلفة ليصور بدايات هذا "الأيرلندي" ونرى بعينه كراو للقصة كيف نشأت علاقته مع المافيا الإيطالية مرورا بتطورها على يد زعيمها "راسل بوفالينو"، يجسده جو بيشي، الذي منح "الأيرلندي" الثقة والقوة داخل أكثر التنظيمات المسلحة خطورة في تاريخ أمريكا الحديث، ومنها ننتقل إلى علاقته مع زعيم ومؤسس حزب العمال الأمريكي "جيمي هوفا"، يؤديه آل باتشينو، وعلاقة الأخير مع المافيا التي ساعدت لوصوله لذلك المنصب، وكيف لعب "شيران" دورا محوريا بين الجبهتين إلى أن يحدث صدام هائل في الجزء الأخير للفيلم لن ينجو من تبعاته أحد.
يتعرض السيناريو للعديد من الوقائع السياسية ومدي تأثيرها على مجريات الأحداث، بداية من الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها "الأيرلندي" وأكسبته طلاقة الحديث باللغة الإيطالية، مرورا بفترة الرئيس الأمريكي جون كينيدي المتوترة بهوفا والمافيا الإيطالية، التي جاءت به إلى هذا الكرسي - كما صورها سكورسيزي – وصولا إلى عملية "خليج الخنازير" والتي كان الغرض منها الإطاحة بـ"كاسترو" من على عرش كوبا حتى تتمكن المافيا الإيطالية من توسعة نشاطها هناك. ومع فشل دعم الولايات المتحدة لمعارضي "كاسترو" وزيادة التضييقات المفروضة من جانب بوب كينيدي (المدعي العام) – شقيق الرئيس – على زعيم نقابة العمال وعدد من زعماء المافيا، رأت أنه أصبح عبئا ثقيلا عليها وقررت التخلص منه، وتلخص هذا في واحدة من المشاهد البارزة في الفيلم حين رفض "هوفا" تنكيس علم أمريكا فوق مقر نقابة العمال حدادا على رحيل "كينيدي". لتعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق مع تولي الرئيس "نيكسون"، الذي حظي بدعم واسع من "هوفا".

الخلاص من آثام الماضي
وشهد الفيلم ملحمة تمثيلية متوازنة بين 3 من أساطير هوليوود تتأرجح ما بين القسوة وحس الدعابة، فالبطل المستمر على طول الفيلم هو "فرانك شيران"، ذلك الشخص القوي الذي يثق في ولائه كل من "بوفالينو" و"هوفا". في الساعة الأولى، "بوفالينو" هو من يتحكم بسير أحداث الفيلم بالرعب الذي ينبع من وجهه البارد الخالي من أي تعابير. لكن ما أن نتعرف على "هوفا"، يسلم بيشي السيطرة لآل باتشينو لبعض الوقت. ليقدمه "سكوسيزي" بأداء يجمع بين البساطة والتميز في التعاون السينمائي الأول بينهما وهو حلم ظل يرواد المخرج طيلة 50 عاما. كما نجح "سكورسيزي" في توظيف استخدام تقنية "CGI" لتقليل أعمار أبطال الفيلم لكي تتلائم مع المراحل الزمنة المختلفة، بطريقة احترافية ودون اخطاء تفوق خلالها على أفلام شخصيات الرسوم المصورة التي تستخدم نفس التقنية في أعمالها.
إن ملحمة "سكورسيزي" التي تمتد على مدى 3 ساعات ونصف، تتحول من فيلم يرصد مفهوم الجريمة والعنف من منظور وحشي إلى قصة حيزنة ومأساوية حول الأخلاق الإنسانية، وهو ما لم نعهده من قبل في هذا النوع من الأفلام، حيث نرى "الأيرلندي" في الأمتار الأخيرة للفيلم وهو يعرب عن ندمه تجاه ما ألت إليه الأمور ويحاول التصالح مع نفسه وماضيه وتخليص روحه الأثمة بطلب الغفران والتوبة وذلك بمحاولة التقرب إلى الرب واصلاح ما افسده مع عائلته، التي لطالما كانت على هامش حياته، وهى سمة أساسية لا تتنازل عنها أفلام العصابات. ليصنع "سكورسيزي" تحفة سينمائية جديدة لا تقل أهمية عن أعماله السابقة.